معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

وحدة الساحات تردّ عمليًا على مجلس الأمن وزيارة بلينكن
11/01/2024

وحدة الساحات تردّ عمليًا على مجلس الأمن وزيارة بلينكن

إيهاب شوقي

ممّا لا شكّ فيه أن مسارعة مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار بوقف هجمات أنصار الله في البحر الأحمر هو دليل فاضح مضاف على النفاق العالمي الذي لم ينجح في استصدار قرار بوقف العدوان الصهيوني على غزّة، وهو بمثابة دليل قاطع جديد أيضًا على غياب العدالة وفشل النظام العالمي والقانون الدولي.

وللقرار دلالتان شكلية وموضوعية:

أولًا - الشكلية: إن اهتمام العالم بالتجارة يفوق اهتمامه بأرواح الأطفال والنساء والمدنيين العزل في غزّة.
ثانيًا - الموضوعية: إن النظام العالمي ومجلس الأمن ما هو إلا شرعنة لمصالح القوى الكبرى وبالأساس أميركـا والغرب.

كما أن عدم معارضة القرار والاكتفاء بالامتناع عن التصويت من الدول الأربع التي امتنعت عن التصويت (روسيا والصين والجزائر وموزمبيق)، يعني أن التجارة الدولية وشعارات مجلس الأمن ما تزال فزّاعة تخيف الدول من معارضتها حتّى لا تبدو خارجة عن الشرعية، مع أن جوهر الأمر هو تسيير مصالح العدوّ الصهيوني وحماية تجارته بعد مصداقية اليمن في إثبات أن جميع هجماته موجهة للعدو الإسرائيلي حصرًا، ومن يقوم بحمايته ويعتدي على اليمن في اطار حمايته للكيان.

وهنا نحن بصدد مقاربة باتت واقعية للصراع ومفادها أن محور المقاومة بالرغم من المظلومية وأحقيته الكاملة في الدفاع عن النفس وتحرير الأراضي المغتصبة ومقابلة الحرب المفتوحة وشريعة الغاب بحرب مفتوحة وشريعة مقابلة، إلا أنه ما يزال يحترم النظام والشرعية بما لا يمسّ حقوقه وثوابته وبما لا يمسّ مساره الاستراتيجي.

وهذه المقاربة مطابقة لمقاربة أعلنها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في مرحلة الاستنزاف في أعقاب حرب 1967، عندما قال: "إننا نعمل في السياسة ولا ينبغي أن تغيب عنا الحقيقة، وهي أنه ما أخذ بالقوّة لا يسترد إلا بالقوّة".

وفي هذا الإطار؛ فإنّ المحور يتعاطى مع جميع المبادرات ويفحصها وفقًا لثوابته ولا يغلق الأبواب السياسية التي يمكن أن تحقن الدماء ولكنها في الوقت نفسه لا تمثل تنازلًا ولا تراجعًا عن المكتسبات الاستراتيجية ولا تعد بمثابة شرعنة لمكاسب استراتيجية للعدو يحصل فيها بالسياسة على ما فشل في تحصيله بالقوّة.

وفي استعراض سريع لعناوين شكّلها المحور تمثل مكاسب استراتيجية، يمكن وضع العناوين العريضة الآتية:

1 - المقاومة العراقية تدشّن مرحلة طرد أميركا من المنطقة:
استطاعت المقاومة العراقية إثبات عدم خشيتها من الفزاعات الداخلية والخارجية ودشّنت مرحلة طرد أميركا عبر استهدافها المكثف والمنظم وهي رسالة أن لا أمان لأميركا طالما تشكّل داعمًا للعدوان وطالما يشكّل وجودها احتلالًا يتعارض مع قرارات برلمانية عراقية وقد مضى زمن الإذعان، كما ثبتت المقاومة العراقية مفهوم وحدة الساحات باستهدافها لأهداف صهيونية وبالتالي مشاركتها عمليًا ضمن مفهوم وحدة الساحات.

2 - أنصار الله تخلق واقعًا جديدًا:

دخل اليمن بموقعه الاستراتيجي طرفًا مباشرًا لردع بلطجة أميركا في البحر الأحمر ومحاولات فرض إرادتها على طرق الملاحة، ودخل طرفًا مباشرًا في المعركة مع الكيان الصهيوني ولم يخضع لفزاعات المجتمع الدولي المنافق بأنّ استهدافه للصهاينة يعدّ استهدافًا لمصالح العالم التجارية، ولم يخضع للفزاعات الأميركية وتهديدات بريطانيا وغيرها، بل وقام بالرد العسكري على أميركا في عملية كبرى، واعترفت أميركا وفقًا لتقرير حديث لشبكة CNN، بأنّ البحرية الأميركـية تعاملت مع 24 صاروخًا وطائرة من دون طيار أطلقها أنصار الله وفقًا لمسؤولين في البنتاغون.

3 - حزب الله يثبت معادلات مركّبة:

يتعاطى حزب الله مع معادلات مركّبة تضم جانبًا لبنانيًا وجانبًا اقليميًا، ناهيك عن الجانب النوعي من العمليات، فقد قام الحزب منذ اليوم الثاني للعدوان على غزّة بالاستنفار والمشاركة بالحرب لتثبيت معادلات لبنان، ولتثبيت معادلات وحدة الساحات، وفي إطار التجاوزات الصهيونية للخطوط الحمراء، يحرص الحزب على اختراق خطوط حمراء بشكل سريع وحازم لتثبيت وضع الجبهة اللبنانية وهي مصلحة ليست لبنانية فقط بل مصلحة عربية وإسلامية بألا يتغول العدوّ في مزيد من الأراضي العربية وينجح في تأمين طوقه العربي المقاوم، كما يسعى الحزب لتثبيت وحدة الساحات لردع العدوّ الصهيوني ومن قبله ردع أميركا عن التجرؤ على الانفراد بأي مكوّن من مكوّنات محور المقلومة وألّا يتصور معسكر العدوان أنّ بإمكانه الانفراد بجبهة دون أخرى للقضاء على المقاومة تباعًا.

معادلة محور المقاومة

وهنا فإنّ المعادلة العامة للمحور حتّى الآن هي التحرك المنسق ضدّ معسكر العدوان بالمستوى المناسب للتصعيد، من جهة، والمناسب لكل جبهة من جهة أخرى.
وهي معادلة لا رجعة عنها مهما كانت الانزلاقات، وهو ما أعلنه السيد نصر الله بأننا لا نخشى الحرب وسنذهب مع العدوّ للنهاية، وهو ما أكدته أنصار الله بأنها لن تتراجع عن خياراتها حتّى وقف العدوان، وهو ما يصدر بشكل يومي عن المقاومة العراقية واتخاذها قرارًا بطرد الاحتلال الأميركي.

تحركات أميركا ووزير خارجيتها

وعلى الجانب السياسي، فإنّ تحركات بلينكن تبدو يائسة لأنها تحاول الإيحاء مجددًا بأن أميركا وسيط بالصراع وتحاول احتواء الأنظمة العربية لتثبيت صمتها المخجل والذي يصل إلى حد التواطؤ مع العدوّ، وربما كشف ديفيد ماكوفسكي، مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن جانبًا من أهداف بلينكن وزيارته في مقال في معهد واشنطن قال فيه: "من المؤكد أن بلينكن سينقل الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة "الأقل حدة" إلى القادة العرب خلال جولته الإقليمية. وقد أيد بعض هؤلاء الزعماء سرًا فكرة قيام "اسرائيل" بسحق "حماس" خشية أن تشجع الحرب القائمة الإسلاميّين العنيفين في بلدانهم. لكنّهم قلقون أيضًا لجهة الأثر الذي تخلّفه التقارير الإعلامية بشأن الأزمة الإنسانية في غزّة على الرأي العام، ويأملون على الأرجح أن تؤدي إستراتيجية "اسرائيل" الجديدة إلى تخفيف هذه المشكلة جزئيًا"؛ بحسب تعبيره.

أي إن أميركا و"إسرائيل" ماضيتان في مزيد من العدوان والخداع، وإن بعض العرب سيحاولون إخراج مشاهد التواطؤ بمبادرات تبدو سياسية وفي صالح غزّة.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات