معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

المحكمة الدولية بلا أنياب و"إسرائيل" تتنصل فمن يلزمها؟!
31/01/2024

المحكمة الدولية بلا أنياب و"إسرائيل" تتنصل فمن يلزمها؟!

علي عوباني

تحفل الصالونات السياسية والقانونية بالجدال والنقاش حول أهمية وأبعاد قرار محكمة العدل الدولية الابتدائي الذي ألزم "إسرائيل" بتدابير حماية مؤقتة تحول دون ارتكابها المزيد من أعمال الإبادة الجماعية في عدوانها على غزّة. وبينما تجري مقارنة قرار المحكمة بسوابق قضائية في حروب ونزاعات أخرى، تتّجه الأنظار إلى مجلس الأمن الدولي الذي يتوقع أن يعقد اجتماعًا طارئًا الأربعاء بطلب من الجزائر، بهدف إعطاء "صيغة تنفيذية" لقرارات المحكمة. من هذا المنطلق طرحت تساؤلات حول الآليات التنفيذية المحتملة لوضع أحكام المحكمة وتدابيرها موضع التنفيذ، وأثيرت الشكوك حول احتمال التزام "إسرائيل" بها بظلّ سجلها الإجرامي الحافل وتنصلها الدائم من التزاماتها الدولية.

استبعاد المحكمة تدبير وقف إطلاق النار

منح النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية المحكمة سلطة إقرار تدابير مؤقّتة لحفظ حقوق الأطراف المتنازعة، وترك لها سلطة استنسابها وتقديرها، فحفلت اجتهادات المحكمة بتدابير احترازية لمنع تفاقم الأوضاع ما قبل صدور الحكم النهائي. وهو ما أقدمت عليه المحكمة بالدعوى المرفوعة من جنوب إفريقيا ضدّ "إسرائيل" بتهم ارتكابها جرائم إبادة جماعية في غزّة، إذ ألزمتها بسلة تدابير (6 بنود)، استبعدت منها وقف إطلاق النار، علمًا أن ما طلبته المحكمة من "إسرائيل" يستحيل تنفيذه دون وقف إطلاق نار، وهو ما أكدته الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية في تقاريرها لجهة استحالة نقل المساعدات إلى جميع أرجاء غزّة تحت القصف.
استبعاد قرار وقف إطلاق النار من ضمن التدابير المؤقتة لمحكمة العدل الدولية، أثار شكوكًا وتساؤلات حول وجود صيف وشتاء تحت سماء المحكمة، التي كانت اتّخذت قرارًا مغايرًا تمامًا في حرب روسيا وأوكرانيا. تناقض حاول البعض تبريره بمنطق أن قرار وقف إطلاق النار مصطلح سياسي وليس قانونيًّا، واعتبروا أن استخدامه سابقًا من المحكمة في قضية أوكرانيا وروسيا جاء لكون المحكمة كانت تنظر للقضية باعتبارها نزاعًا بين جيشين نظاميين، الأمر غير المتوفّر في قضية غزّة. ولتأكيد وجهة النظر هذه استشهد هؤلاء بعدم اتّخاذ المحكمة قرارًا في 2020 بإيقاف إطلاق النار من ضمن التدابير المؤقتة في دعوى غامبيا ضدّ ميانمار لمنعها من ارتكاب جرائم الإبادة، على قاعدة أن النزاع يومها كان بين حكومة ميانمار ومجموعات الروهينغا، فالمحكمة تخاطب الدول ولا تخاطب مجموعات مسلحة لأنها تخرج عن نطاق صلاحياتها.

 
مفاعيل الحكم والآلية التنفيذية

لم تبت محكمة العدل الدولية في أساس الدعوى أي ما إذا كان حصلت إبادة جماعية في غزّة أم لا، إلا أن مفاعيل قرارها الابتدائي ليست ملزمة لـ"اسرائيل" فحسب بل أيضًا للدول الموقعة على نظام المحكمة والتي تزود "إسرائيل" بالأسلحة وتمكّنها من مواصلة جريمتها، فعلى هؤلاء الالتزام بالتدابير المتّخذة ومنها الواجب القانوني بمنع ومعاقبة الإبادة الجماعية، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية إلى أهل غزّة. ورغم إلزامية قرارات محكمة العدل لكنّها تبقى محكمة بلا أنياب لا قدرة لها على فرض تنفيذ أحكامها، لتبقى مسؤولية تنفيذ التدابير المؤقتة التي تتّخذها ملقاة على عاتق أطراف الدعوى ومجلس الأمن الذين يفترض إبلاغهم فورًا بما اتّخذ من تدابير (المادة 41 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية).

وبغض النظر عن طريقة إحالة قرارات المحكمة إلى مجلس الأمن سواء عبر أعضائه أو أمين عام منظمة الأمم المتحدة، تظهر أحكام سابقة محدودية وبطء استجابة هذا المجلس لتبنّي التدابير المؤقتة التي تتّخذها محكمة العدل الدولية، ففي قضية الروهينغا جرى تبنيها بعد عامين من إقرارها، وفي قضية أوكرانيا، أفشل وضع روسيا المميز (امتلاك الفيتو) داخل مجلس الأمن، المجلس في تبنّي أي قرار ينفذ التدابير المؤقتة الداعية لوقف العدوان الروسي، منذ آذار/مارس 2022 وحتّى اليوم.


أما على صعيد تنفيذ أحكام المحكمة، وبالعودة إلى تجارب سابقة، نجد أن روسيا رفضت تنفيذ حكم صادر عن محكمة العدل الدولية في حربها ضدّ أوكرانيا، وهذا ما فعلته الولايات المتحدة حينما رفضت تنفيذ حكم المحكمة الصادر منذ 38 عامًا لتعديها على أراضي نيكاراغوا وسيادتها، وحتّى "إسرائيل" لها سوابق رفضت فيها قرار المحكمة الصادر في 9 يوليو/تموز 2004 والذي طالبها بإزالة جدار الفصل العنصري من كلّ الأراضي الفلسطينية، لكنّها استكملت بناءه غير آبهة كعادتها بالمجتمع الدولي.


من هنا لا يتوقعنّ أحد أن تسير "إسرائيل" خلاف موقفها السابق عام 2004، فهي لطالما ضربت بالقانون الدولي والمجتمع الدولي وقراراته عرض الحائط، وحرب غزّة المتواصلة على مرأى العالم أجمع خير شاهد، ومن يقول عكس ذلك، فليرشدنا إلى قرار واحد نفذته منذ قرار عودة اللاجئين 194/ 1948 إلى القرار 425 والقرار 1701 / 2006 وسواها، ومن الواضح أنها لن تحيد عن هذا المنوال وستلجأ إلى تجاهل قرارات محكمة العدل الدولية والامتناع عن تنفيذها ومواصلة ارتكاباتها وحرب الإبادة التي تشنها على غزّة، متحصنة بالمواقف الأميركية والروسية المماثلة (نيكاراغوا - أوكرانيا) وبـ"الفيتو" الأميركي الحاضر دومًا لإسعافها، في حال لجوء أي كان إلى مجلس الأمن لاتّخاذ قرار يلزمها بتطبيق قرارات وتدابير المحكمة كما فعلت الجزائر.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل