آراء وتحليلات
الاتهامات الإسرائيلية لـ"الأونروا".. تجويع للفلسطينيين وتصفية للوكالة
د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي
لا يمكن فصل الاتهامات الإسرائيلية لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين عن الهدف التاريخي للعدو بتصفية القضية الفلسطينية. فكلّ ما تقوم به "تل أبيب" حاليًا، ومن ورائها واشنطن، مدبّر ومخطط له مسبقًا. بدءًا من حرب الإبادة الجماعية التي تستهدف عمدًا المدنيين في غزّة، خصوصًا الأطفال منهم، مرورًا بالتهجير القسري للسكان، وصولًا إلى الحصار المطبق على القطاع والذي تشارك فيه دول عربية - للأسف مثل مصر والأردن- وانتهاءً بحرب التجويع.
لكن مهلًا، لم يكتفِ الكيان الغاصب بكلّ هذه الفظائع، ففي توقيت مريب وملفت، جاء مباشرة بعد حكم محكمة العدل الدولية حول قضية اتهام جنوب أفريقيا لدولة الاحتلال بارتكاب إبادة جماعية- الذي جرّم "إسرائيل" في العديد من النقاط لا سيما منع وصول المساعدات للمدنيين وعرقلتها عن سابق تصميم وإصرار، اضافة إلى إدانتها في مسائل أخرى- أصرّ الاحتلال على قطع آخر شريان حيوي يمدّ الشعب الفلسطيني في الداخل وحتّى الشتات بالحياة، ونعني بذلك "الأونروا".
تبعًا لذلك، وفي خطوة فاجأت العالم، عمل العدوّ الصهيوني - بشراكة أميركية وغربية تامة ـــ على تلفيق وفبركة قضية وجود نحو 190 موظفًا في المنظمة هم أعضاء في حركتي المقاومة حماس أو الجهاد الإسلامي، وأن 12 منهم شاركوا في عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
من هي وكالة الأونروا؟ وما الغاية من تأسيسها؟
أسست الأمم المتحدة الأونروا، في العام 1949، لتقديم المساعدة والخدمات - المدارس والعيادات والمساعدات الغذائية والنقدية والمأوى - للاجئين الفلسطينيين منذ نكبة العام 1948، بعدما اقتلع جيش الاحتلال وتحت وطأة المذابح والمجازر نحو 700,000 فلسطيني من منازلهم في ما يعرف الآن بـ"إسرائيل". علاوة على ذلك، تقوم الأونروا برعاية السكان الفلسطينيين ليس فقط في غزّة، ولكن أيضًا في مناطق ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في كل من: الضفّة الغربية وسورية ولبنان والأردن.
ونتيجة الاتهامات الإسرائيلية الأخيرة الباطلة الموجهة للأونروا، وفي قرار وُصف بأنه عقاب جماعي باعتراف المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني نفسه، أوقفت الولايات المتحدة ونحو عشر دول أخرى التمويل الإضافي للوكالة، ما يعرض حياة ملايين الفلسطينيين لخطر المجاعة وفقدان مقومات الحياة الضرورية.
والأسوأ، أن الوكالة رضخت على الفور للمزاعم الصهيونية، حتّى قبل الشروع بتحقيق شفاف مستقل، فعمدت إلى طرد تسعة من موظفيها المتهمين بأنهم جزء من "حماس".
استند العدوّ الصهيوني، عند صناعته هذه القضية، على ادعاءات المخابرات العسكرية الإسرائيلية والشين بيت (جهاز الأمن الداخلي المعادل لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي) الذي زعم أنه لديه ملفًا من ستة صفحات يدعم هذه الاتهامات. وحتّى كتابة هذه السطور، لم يُعرف إذا ما كانت "إسرائيل" قد زودت الأمم المتحدة بنسخة رسمية من ملفها المشكوك فيه.
ما قصّة تباين الادّعاءات الإسرائيلية؟
عمليًا، يقرّ دبلوماسيون وسياسيون ووسائل إعلام غربية أنه ليس من الواضح مدى قوة الأدلة الإسرائيلية. زد على ذلك أن هناك تباينًا يدعو للشك في كيفية بناء الاحتلال لهذا الملف. مسؤول إسرائيلي ادعى، في تصريح لـ"موقع أكسيوس"، أن كثيرًا من المعلومات الاستخبارية جاءت نتيجة استجواب المقاومين الذين اُعتقلوا خلال عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول، كما زعمت "إسرائيل"، أنه حُصل على الأدلة باستخدام المحادثات الهاتفية المحمولة والرسائل النصية والتحركات للمتهمين في يوم الهجوم.
ما تجدر معرفته هنا، أنّ للأجهزة الأمن الإسرائيلية تاريخًا طويلًأ وسجلًا حافلًا باستخدام الأساليب الوحشية الفظيعة ضدّ المعتقلين الفلسطينيين لانتزاع اعترافاتهم، مثل الحرمان من النوم والحبس الانفرادي لانتزاع الاعترافات. والأكثر أهمية، أن هناك ما يسمّى بثغرة "القنبلة الموقوتة"، حيث يمكن لمحققي الشاباك استعمال "طرائق استثنائية للتحقيق".
وعليه، وفي دلالة واضحة على لجوء "إسرائيل" لتقنيات التعذيب، وثقت كلّ من: صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية و"المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان"، تعرّض المعتقلين الفلسطينيين حاليًا للانتهاكات في السجون الإسرائيلية، الأمر الذي أدى إلى استشهاد ستة منهم منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
تعقيبًا على ذلك، قال أستاذ علم اجتماع القانون والصراع في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا "خلال التعذيب، إذا كان المحقق لا يعرف الإجابة، ويستخدم العنف، فلن يعرف ما إذا كان ما يقال له صحيحًا، أو أنه قيل فقط لتخفيف الألم". وأضاف "ما هو شائع جدًا في التعذيب في أثناء الصراعات السياسية، هو أن الدولة لديها مصلحة في توليد معلومات يمكنها استخدامها لمصلحتها، سواء كانت تلك المعلومات صحيحة أم لا".
من هنا، يرى الخبراء أنه إذا كان التعذيب قد اُستخدم بالفعل لجمع معلومات استخباراتية إسرائيلية، فذلك يدعو إلى التشكيك في صحته.
بالإضافة إلى ذلك، إن ادعاءات "إسرائيل" بشأن الأونروا ليست الأولى من نوعها، فهي قد زعمت زورًا أن حركة المقاومة حماس استخدمت مستشفى الشفاء في غزّة مركزًا "للقيادة والسيطرة". والمخزي أنها اعتمدت على هذه الادّعاءات لمهاجمة المستشفى في نوفمبر/تشرين الثاني، ليتبين لاحقًا بعد التحقيق الذي أجرته صحيفة "واشنطن بوست" زيف هذه الاتهامات وكذبها. لذلك يشدد الخبراء الأميركيون على أنه من دون نشر الملف الإسرائيلي أو إجراء مراجعة أكثر استقلالية للأدلة التي قُدّمت، فمن الصعب معرفة مدى دقة المعلومات.
إلى جانب ذلك، يقول مايكل وحيد حنا، وهو مدير البرامج الأميركية في مجموعة الأزمات الدولية، إنه لن يكون مفاجئًا إذا كان هناك بعض الموظفين الذين ربما كانوا مرتبطين، أو لديهم عائلات، أو لديهم تعاطف مع حماس، خصوصًا أن إجمالي عدد موظفي الأونروا يبلغ نحو 30 ألف موظف، و13 ألف موظف في غزّة وحدها، ومعظمهم من الفلسطينيين.
ماذا عن التوقيت؟ وما علاقته بمحاولات "إسرائيل" تصفية الأونروا؟
تبدي العديد من الدول والدوائر السياسية الغربية الاهتمام الكبير بكيفية حصول الحكومة الإسرائيلية على هذه المعلومات. فتوقيت هذه الادّعاءات بنظرهم مثير للدهشة، خصوصًا وأن الأونروا، وفقًا لمديرها لازاريني، تشارك قائمة جميع موظفيها مع البلدان المضيفة كلّ عام - لا سيما أميركا وإسرائيل- وبالرغم من أن الوكالة لم تتلقَ مطلقًا أي مخاوف بشأن موظفين محدّدين.
مع ذلك، كانت هناك مزاعم إسرائيلية مستمرّة حول أن مسؤولي الأونروا والعاملين فيها لهم صلات بحماس، وأنهم خاضعون لسيطرة الحركة. والأسوأ أن هذا التركيز والنقد الصهيوني للوكالة، ليس جديدًا، إنما يعود إلى مدة طويلة، حين كان الاحتلال يسعى مرارًا وتكرارًا إلى النظر بنوع الأشياء والنشاطات التي تقوم بها الأونروا والأشخاص الذين يعملون في المنظمة، انطلاقًا من كون "تل أبيب" لا تثق بالأونروا.
ليس هذا، فحسب، ذهب الساسة الإسرائيليون إلى ما هو أبعد من مجرد مهاجمة الأونروا خطابيًا: حتّى إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حاول تفكيكها في العام 2017. ثمّ ضُخّمت هذه الجهود خلال الحرب الحالية في غزّة، والتي كان خلالها المسؤولون الإسرائيليون يقوّضون نظام الأمم المتحدة بشكل عام.
بناء على ذلك؛ وصلت علاقة "إسرائيل" بالأمم المتحدة إلى أدنى مستوياتها تاريخيًّا، من هنا تساءلت غابرييلا شاليف، وهي ممثلة "إسرائيل" السابقة في الأمم المتحدة، في حديثها لشبكة "سي إن إن" في ديسمبر/كانون الأول، مع صهاينة آخرين، عما: "إذا كانت المساعدات الإنسانيّة تذهب إلى حماس أم المدنيين"، على الرغم من محدودية المساعدات التي تصل بالفعل.
الأكثر إثارة في هذا السياق، هو أن مركز الأبحاث الإسرائيلي المحافظ "منتدى كوهيليت السياسي" ــــ المحرك الرئيسي لحركة الإصلاح القضائي الفاشلة لنتنياهو ـــ كان قد نشر أوراقًا سياسية منذ العام 2018، تدعو إلى تفكيك أو وقف تمويل العديد من وكالات الأمم المتحدة بما في ذلك الأونروا. وفي هذا السياق، قالت نوجا أربيل، وهي الباحثة في كوهيليت، للجنة الفرعية للسياسة الخارجية في الكنيست في 4 يناير/كانون الثاني الماضي، إن: "الأونروا تقوض وجود "إسرائيل"، وتديرها حاليا حماس". وأضافت بأن نظام التعليم الفلسطيني يشكّل أخطر تهديد أمني لـ "إسرائيل"، والأونروا هي جوهر المشكلة. وإذا سمحنا لها بمواصلة إدامة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، بدلا من حلها، فالتهديد سوف يتزايد".
في المحصّلة، إن الحملة الحالية على وكالة "الأونروا"، بالرغم من استجابتها في الغالب للمطالب والإملاءات والضغوط الإسرائيلية والأميركية – مثل الموافقة على تهويد المناهج الدراسية الفلسطينية مثلا- تأتي في إطار الجهود الصهيونية لتصفية القضية الفلسطينية، لذلك فإنّ زوال المنظمة بالنسبة إلى بعض السياسيين الإسرائيليين يعني تحقيق هدف طال انتظاره.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024