آراء وتحليلات
منع "التصعيد" بالنار.. المقاومة تفرض قواعدها جنوبًا
خليل نصر الله
منذ يوم الثامن من أكتوبر، مع فتح جبهة الجنوب إسنادًا للمقاومة وشعبها في قطاع غزّة، تحكمت المقاومة بنسق جبهة الجنوب. توزن الأمور هناك بميزان الذهب، بما يحقق هدفَي فتحها، وهما خطان رسمهما السيد حسن نصر الله، إسناد المقاومة في غزّة والسلوك الإسرائيلي اتّجاه لبنان.
لم يكن هناك من يتوقع فتح الجبهة بالشكل الذي نشهده. كان الأميركيون يسعون إلى منع اتساع الحرب. كان لا بد لجبهة الجنوب من أن تهدأ. لكن ذلك لم يحصل رغم الضغوط، والترهيب، والترغيب، والتهويل والتهديد.
قرأت المقاومة سلوك العدوّ الإسرائيلي جيدًا، سياسيًّا وميدانيًّا، منذ لحظات الصدمة الأولى خلال الأيام الأولى لعملية طوفان الأقصى وحتّى تشكيل مجلس حربه. قرأت بدقة معطيات الميدان، وقدرات العدوّ وخياراته، وبنت عليها مسارها.
نتائج المواجهة كثيرة، لكن أبرزها هو نجاح المقاومة في فرض حزام أمني على العدوّ داخل الأراضي المحتلة، في منطقة الاشتباك التي حددتها، وهو أمر يعدّ ضربة كبيرة على صعيد الوعي لدى المستوطنين، وآثاره كبيرة، نشهد الآن بعضها، لكن الأكيد أن عامل الثقة بين الجيش والطاقم السياسي، كثيرَي التهديد وقيليلَي الفعل، وبين المستوطنين تعمق، وهو ما خلق حالة إرباك كبيرة وبات مجلس الحرب أمام معضلة اسمها عودة المستوطنين إلى مستوطناتهم، لكن وفق واقع مغاير، يقولون إن في مقدمته إبعاد قوة الرضوان خصوصًا، وحزب الله عمومًا، إلى شمال نهر الليطاني، وهو شرط لعودة المستوطنين، وهذا الأمر لا يمكن فرضه، وبكل صراحة، إلا بحرب تنتصر فيها "إسرائيل".
هذه الأزمة، تعمقت، خصوصًا مع تغير واقع الجبهة عن الأيام الأولى كثيرًا وأخذها مسارًا تصاعديًا لناحية الاشتباك الذي فرضت المقاومة ضوابطه.
أكثر من مرة حاول جيش الاحتلال خرق الضوابط، ومحاولة فرض قواعد اشتباك أو تحقيق منجزات تنقله إلى موقع من يفرض الشروط بما يحقق أهدافه وعلى رأسها "عودة المستوطنين الآمنة"، وكان آخر المحاولات هو استغلال عملية صفد التي لم يصدر بيان من قبل الحزب يتبناها، وذهب نحو تصعيد ضرباته في بعض مناطق الجنوب، وتنفيذ عملية اغتيال في النبطية لأحد المقاومين في مبنى سكني ما أسفر عن سقوط ٧ شهداء مدنيين.
أرفقت هجمات جيش العدوّ الجوية بسيل من التهديدات، منها ما تحدث به وزير الحرب يؤاف غالانت عن رفع حزب الله نسق هجماته درجة "فرددنا بضربات هي عُشر ما يمكننا فعله"، متوعدًا بتصعيد في مواجهة لبنان.
لكن هذه التهديدات لم تمنع حزب الله من تنفيذ وعيده بالرد على موجة الغارات وسقوط شهداء من المدنيين، فنفذ سلسلة عمليات نوعية توجت مساء بضرب مستعمرة "كريات شمونة" على دفعتين، في الأولى رشقات صاروخية (كاتيوشا) كثيفة، وفي الثانية رمايات صواريخ من طراز "فلق" ضربت الثكنة العسكرية داخل المستعمرة ذاتها.
واقعًا، رد المقاومة يبين أولًا عدم تراجعها عن الرد على أي تجاوز إسرائيلي لضوابط المواجهة المحصورة بالاشتباك العسكري دون المس بالمدنيين، وثانيًا منع العدوّ من فرض قواعد اشتباك لمصلحته، أو رسم مسار يسمح له بتصعيد يخدم توجهاته ويحقق بعضًا من أهدافه في وقت لاحق، أو عند طرح مبادرات لوقف النار، بعد وقف إطلاق النار في غزّة.
إن رودود المقاومة النارية على التجاوزات الإسرائيلية، إنْ لجهة اغتيال كوادر منها أو عند المس بالمدنيين وقصف المنازل المدنية، يمكن وضعه ضمن خانة منع التصعيد من جهة، ومن جهة أخرى بقاء المقاومة في موقع المتحكم بالجبهة الجنوبية وفق قواعدها، وهو ما نجحت المقاومة حتّى الساعة بتحقيقه.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024