آراء وتحليلات
ما هي رسائل مواجهة الـ ٤٨ ساعة الأخيرة بين حزب الله وبين "إسرائيل"؟
شارل أبي نادر
في الظاهر، كانت المواجهة الأخيرة خلال الـ ٤٨ ساعة الماضية بين حزب الله وبين "إسرائيل"، وكأنها جولة من ضمن مسار الاشتباك المتواصل بين الطرفين على الجبهة الشمالية لفلسطين، منذ اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى (الثامن من أكتوبر الماضي)، ولكن عمليًّا، تبين من خطوط مناورة حزب الله الأخيرة، أن هذه الجولة مختلفة بالكامل عن مسار الاشتباك السابق، حيث حملت مناورة المقاومة الإسلامية في لبنان عدة رسائل فوق العادة، من المفترض أن مراكز القرار ومواقع البحث والمتابعة في "إسرائيل" سوف تعمل على تحليلها ودراستها والعمل على استخلاص النقاط الحساسة والاستثنائية منها.
فما هي هذه الرسائل؟ وكيف يمكن أن تقرأها وتتابعها وتواجهها إسرائيل؟
بداية، من جانب "إسرائيل"، بنت مناورتها الأخيرة على الغارات العنيفة والدقيقة بالقاذفات والمدفعية والمسيرات، حيث استهدفت داخل لبنان، مدنيين ومنشآت مدنية وأحيانًا سيارات تنقل عناصر من المقاومة، وربما في بعض الاحيان استهدفت بعض نقاط البنى التحتية العسكرية لحزب الله، مع تجاوز فاضح لجغرافية الاشتباك والتي كان مفترضًا أن تبقى مقيدة بمسافات محدّدة.
أما من جانب حزب الله، فقد تميّزت مناورته الأخيرة بما يلي:
أولًا: المثابرة على مناورة الضغط والمساندة لنصرة غزّة، ومواصلة استهداف كافة مراكز العدوّ الإسرائيلي الحدودية، الأساسية والمستحدثة، وملاحقة أي انتقال أو تحرك أو تجمع لجنوده أو لآلياته، من الناقورة حتّى آخر مركز على جبهة مزارع شبعا المحتلة، وبالأسلحة المناسبة لكل مركز أو تجمع أو تحرّك.
ثانيًا: التدخل بسلاح دفاع جوي مناسب ضدّ مسيرة العدو هرمز ٤٥٠، وإسقاطها فوق جبل الريحان المشرف على مدينة النبطية، الأمر الذي رفع من مستوى الهستيريا الإسرائيلية، لتعمد وحداته الجوية إلى تنفيذ عدوان على تل صفية غرب مدينة بعلبك، وعلى مسافة فاقت الـ ١٠٠ كلم من الحدود الجنوبية.
ثالثًا: نفذ حزب الله رمايات صاروخية دقيقة وعنيفة، بصواريخ الكاتيوشا أو بالبركان أو بفلق١، وبصواريخ موجهة، ضدّ الدروع أو ضدّ التحصينات، وذلك على أغلب قيادات الوحدات العسكرية الإسرائيلية الشمالية، والتي تدير وتقود كلّ اعمال العدوّ القتالية على جبهته الشمالية، وهذه الرمايات غطت كلّ جغرافيا المواجهة مع العدوّ شمالًا تقريبا، بين لبنان وبين سورية، وقد شملت استهداف قاعدة نفح في الجولان السوري المحتل، حيث قيادة لواء الجولان الإقليمي، واستهداف قاعدة إدارة التحكم الجوي للعدو في ميرون مرتين، بالصواريخ من مختلف النماذج وضمنًا الموجهة ضدّ الدروع والتحصينات، ومع امتداد لاستهدافاته الصاروخية غربًا، لتطال القاعدة العسكرية للعدو في جعتون وسط الجليل الغربي، حيث قيادة الفرقة ١٤٦ الملحقة مؤخرًا لدعم جبهة العدوّ الشمالية.
هذا في البعد العملي العملياتي والميداني، لناحية تنفيذ حزب الله رمايات صاروخية مختلفة وعلى قواعد قيادية عسكرية للعدو، هي أساسية على جبهته الشمالية، ولكن رسائل هذه الاستهدافات، يمكن الإشارة إليها بالتالي:
أولًا: رسالة إسقاط المسيّرة هرمز ٤٥٠:
لا شك أن عملية إسقاط حزب الله المسيرة هرمز ٤٥٠، شكلت ضربة صادمة وغير متوقعة للعدو، طبعًا ليس بسبب خسارته مسيرة غالية الثمن ومن المسيرات الأكثر نشاطًا وإنتاجًا لأهدافه ولعملياته الحالية في هذه المواجهة، بل لما تحمله عملية الإسقاط من اسئلة حساسة، عن نوع منظومة الدفاع الجوي هذه التي استعملها حزب الله، وعن قدراتها وإمكانياتها، وعن عدد البطاريات التي يملكها منها، واين يمكن أن تكون منتشرة، وهذه الاسئلة كلها تصب في خانة التهديد الجدي الذي بدأ يقترب من تفوقه الجوي، كنقطة قوة أساسية وربما وحيدة في منظومته العسكرية، بعد أن تخلّى مرغمًا عن تفوقه التقليدي بسلاح الصدم أو المدرعات، والذي أصابه الكثير، سابقًا في حرب تموز ٢٠٠٦ ضدّ حزب الله، واليوم ضدّ حزب الله أيضًا وضد المقاومة الفلسطينية في غزّة.
ثانيًا: الرسالة من نجاح حزب الله في استهداف كلّ مراكز وقواعد قيادات العدوّ العسكرية على جبهته الشمالية، من الشرق في الجولان السوري المحتل حتّى الغرب على سواحل المتوسط، وبعمق تجاوز ١٦ كلم، حيث البقعة الرئيسية التي تنتشر فيها كلّ هذه القيادات.
وهذا النجاح في استهداف هذه القيادات العسكرية الإسرائيلية والذي تأكد بمشاهد وأفلام وثقت انفجار الصواريخ داخل منشآتها الأساسية، يؤشر بما لا يقبل الشك، كيف يمكن أن يكون الوضع في أية مواجهة فوق الحالية، بنسبة وبعدد إطلاق الصواريخ، وبأنواعها غير المعروفة حتّى الان، والتي من المؤكد ان "المخفيات منها أعظم"، استنادًا لمعادلة الغموض الاكيدة، والتي يمارسها ويتقنها حزب الله في هذا المجال.
من هنا، ومن خلال رسالة إسقاط الهرمز ٤٥٠ وما يمكن أن تشكله على طريق التهديد الجدي والفعلي للتفوق الجوي الإسرائيلي، ومن خلال رسالة المسح الصاروخي الذي افرزه المشهد البانورامي لاستهداف كلّ القواعد العسكرية الإسرائيلية المعنية بإدارة اي مواجهة أوسع مع لبنان، تبقى الأعين على رسالة أخرى سوف تكون حتمًا مؤرقة وبقوة للكيان وهي:
ماذا لو فُتحت المواجهة بين "إسرائيل" وحزب الله على مصراعيها، دون سقوف ودون قيود، وفي ظلّ قدرة جوية للعدو غير مكتملة، ومهدّدة بمنظومة دفاع جوي من عشرات البطاريات المناسبة، وفي ظلّ إخراج شبه كامل لقواعد القيادة والسيطرة للعدو أثناء المعركة، وأيضًا - وقد يكون هذا هو الأكثر ايلامًا للعدو حينها - في ظلّ استهداف واسع بآلاف الصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة، لجبهة العدوّ الداخلية ولمنشآته الحيوية، المدنية وغير المدنية؟
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024