معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

عقدة رئاسة البرلمان العراقي وجدلية الأزمة والحل
07/03/2024

عقدة رئاسة البرلمان العراقي وجدلية الأزمة والحل

بغداد: عادل الجبوري

إذا كانت جملة من قرارات المحكمة الاتحادية العليا في العراق قد أربكت المشهد السياسي الكردي، وخصوصًا ما ارتبط منها برواتب موظفي ومتقاعدي إقليم كردستان والانتخابات، فإن حكمها بإسقاط عضوية محمد الحلبوسي من البرلمان وبالتالي فقدانه منصب الرئيس قد تسبب بهزات عنيفة في المشهد السياسي السني، بحيث إنه رغم مرور أربعة شهور على تنحية الحلبوسي ما زال كرسي رئاسة السلطة التشريعية شاغرًا جراء التقاطعات والخلافات الحادة بين قوى وزعامات المكون السني.

فبينما يصر حزب تقدم بزعامة الحلبوسي على الاحتفاظ بالمنصب باعتبار أنه يمتلك الغالبية البرلمانية ضمن المكون السني - 43 مقعدًا - يرى خصومه من تحالف السيادة وتحالف عزم وتحالف حسم أن منصب رئاسة البرلمان وفقًا للعرف السياسي القائم هو من حصة المكون السني من دون التقيد بعنوان سياسي معين. وأي اختيار لا بد أن يخرج ويتبلور من خلال التوافقات والتفاهمات السياسية في دائرة المكون السني من جانب، وفي الفضاء الوطني من جانب آخر، حيث إن تجارب العقدين الماضيين أثبتت وأكدت حقيقة أن الأرقام الانتخابية ليست هي العنصر الحاسم في تبوء المناصب والمواقع العليا للدولة في العراق بقدر ما كانت التوافقات والتفاهمات والصفقات والمساومات هي التي تخرج الخلافات والأزمات من عنق الزجاجة!

وإذا افترضنا أن الحلبوسي استطاع من خلال رئاسته للبرلمان منذ عام 2018 أن يكون أحد الشخصيات أو الزعامات السياسية العراقية الكبيرة، وأن يشكّل حزبًا - حزب تقدم - نجح في أن يتصدر المشهد السياسي السني ويزيح منافسيه جانبًا في غضون أعوام قلائل، فمن الطبيعي جدًّا أن يفقد الكثير من التأثير والمحورية والنفوذ حينما يفقد رئاسة البرلمان، وربما يفقدها بالكامل بعد فترة من الزمن، لا سيما إذا آلت الرئاسة إلى شخصية سياسية من خارج حزبه. ولعلّ هذا ما يتوجس منه ويخشاه كثيرًا، ويجعله يستقتل من أجل أن لا يفقد كلّ شيء مرة واحدة.

ليس هذا فحسب، بل إن قوة حزب "تقدم" ترتبط بوجود رئيسه في قمة السلطة، وازاحته منها لا بد أن تفضي إلى تشتت وتشرذم الحزب، وربما لاحقًا انهياره بالكامل. ولعلّ مؤشرات ذلك الأمر أخذت تلوح في الأفق مبكرًا، من خلال انسحاب عدد من أعضاء الحزب، وخصوصًا من هم في البرلمان، وانخراطهم مع التحالفات والكتل السنية الأخرى، وهذا يعني إمكانية فقدان حزب الحلبوسي للأغلبية التي يتسلح بها وهو يخوض معركة الاحتفاظ بكرسي رئاسة البرلمان.

ولعلّ هناك مسألة مهمّة ينبغي الاشارة إليها، وهي أن المكون السني لا يمتلك زعامات وقيادات سياسية حقيقية ترتكز لقواعد جماهيرية واسعة، وغالبًا ما تقترن الزعامة فيه بالموقع الرسمي في الدولة، من قبيل رئاسة البرلمان أو غيره، وما يؤكد ذلك، هو أن كلّ رؤساء البرلمان السابقين كان لهم حضور قوي ومؤثر حينما كانوا في السلطة، بيد أن ذلك الدور سرعان ما كان ينحسر ويتلاشى بعدما يغادرون المنصب بصرف النظر عن الأسباب والظروف. وأغلب الظن أن الحلبوسي لن يكون استثناءً من هذه القاعدة، رغم تشكيله كيانًا حزبيًا نجح في تسجيل حضور جيد في الانتخابات المحلية الأخيرة التي جرت في الثامن عشر من شهر كانون الأول - ديسمبر الماضي.

ولعلّ حراك القوى والشخصيات السياسية السنية المنافسة للحلبوسي وحزبه، يؤشر بوضوح إلى أن هناك توجهًا جادًا لانتزاع رئاسة البرلمان منه.

وبحسب بعض التسريبات، فإن الحلبوسي بات يدرك عدم جدوى كلّ محاولاته ومساعيه في الاحتفاظ بالمنصب لحزبه، لذلك راح يبحث عن مواقع ومناصب تعويضية، يضمن من خلالها بقائه في دائرة الحضور والتأثير ونيل المكاسب.

وفي الوقت الذي تصاعدت فرص النائب سالم العيساوي في تبوء المنصب بعد اتفاق تحالفات (السيادة وحسم وعزم) على ترشيحه، فإن فك عقد رئاسة البرلمان لا يعني انهاء الأزمة بقدر القفز عليها في هذه المرحلة، للانتقال إلى المراحل الأخرى اللاحقة، التي يبدو أنها قد تشهد ترضيات وتنازلات ووساطات ربما تكون شكلية، لأنها في نهاية الأمر من الصعب بمكان أن تعيد حزب الحلبوسي إلى صدارة المشهد، إن لم تفضي إلى عزله وتحجيمه وتهميشه وتفكيكه.  

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات