معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

روسيا وإيران.. تحالف استراتيجي أم ضرورة ظرفية؟
24/04/2024

روسيا وإيران.. تحالف استراتيجي أم ضرورة ظرفية؟

في 14 نيسان/أبريل، عندما شنّت الجمهورية الإسلامية الايرانية هجومًا ردعيًا غير مسبوق على "إسرائيل" بطائرات مسيّرة وصواريخ مجنّحة وباليستية، ردّا على استهداف قنصليتها في دمشق، هاجمت روسيا هي الأخرى أوكرانيا بطائرات من دون طيار منسوخة عن مسيّرات "شاهد" الإيرانية. أصداء الهجومين دفعت النخب السياسية والعسكرية الغربية إلى التفكير بعمق وجدية في طبيعة وآفاق التعاون المتنامي بين روسيا وإيران. دوافع القلق الغربي تكمن في أن التطوير الإيراني - الروسي المشترك لتكنولوجيا الطائرات المسيّرة أثبت كفاءة اختراق عالية وبثمن زهيد مقارنة مع أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي ذات التكلفة الباهظة، والتي لطالما تبجّح بها الغرب و"إسرائيل".

بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، في نهاية سبعينيات القرن الماضي، ظهرت آفاق للشراكة بين موسكو وطهران عنوانها مواجهة الطغيان الأميركي. إلا أن دعم الاتحاد السوفيايتي السابق لنظام صدام حسين في السنوات الأولى للحرب المفروضة على ايران أخّر مشروع الشراكة بين البلدين إلى إشعار آخر. كما أنّ سياسة الانفتاح(البريسترويكا) التي اتبعها الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، أعطت فرصة أخرى لبناء شراكة إيجابية بين طهران وموسكو. حتّى إن قائد الثورة الإسلامية-أنذاك- آية الله العظمى الإمام روح الله الخميني أظهر الحماس لبناء علاقات مميزة بين البلدين الجارين. آنذاك؛ كان البلدان فعلًا جارين عبر ثلاث جمهوريات سوفياتية سابقة هي أذربيجان وأرمينيا وتركمانستان، حيث أرسل الإمام الخميني رسالته الشهيرة إلى الرئيس غورباتشوف، والتي شرح فيها مبادئ الثورة الإسلامية والقيم الروحية التي يجب أن يهتدي بها الزعيم السوفياتي في نهجه الإصلاحي.
وكما يقول مؤرخو تلك الحقبة، إن غورباتشوف إما لم يفهم مضمون رسالة الإمام- دعا في رسالته الجوابية إلى بناء علاقات حسن جوار على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل منهما- أو لم يسعفه الوقت لهضم مضمونها، نظرًا إلى التطور الدراماتيكي للأحداث في تلك المرحلة، والتي أدت إلى سقوط جدار برلين وحل المنظومة الاشتراكية وحلف وارسو وحتّى تفكك الاتحاد السوفياتي نفسه. نتيجةً لحتمية للانهيار، وقعت روسيا في شراك الإمبريالية العالمية الجديدة بقيادة الولايات المتحدة وتنامى فيها النفوذ الصهيو - أميركي، الذي ما يزال يؤثر في السياسة الداخلية والخارجية للدولة.

وهكذا، العقد الأول من تاريخ روسيا حديثة الولادة لم يخدم العلاقات الإيرانية - الروسية، والتي ظلت لمدة طويلة رهن الوصاية الأميركية على صناعة القرار الروسي. لقد أسهم ذلك، بشكل كبير، في عرقلة التطوير الطبيعي للعلاقات بين موسكو وطهران. الاتحاد الروسي لم يفِ بالكثير من الاتفاقيات الثنائية مع الجمهورية الإسلامية في مجالات عدة. على سبيل المثال؛ تأخر تنفيذ الاتفاقية المتعلّقة بإكمال تشييد محطة بوشهر الكهرذرية لثلاث سنوات. يضاف إلى ذلك، مشاركة روسيا في نظام العقوبات المفروض على إيران، بسبب برنامجها الصاروخي. في أثناء الولاية الأولى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يقع أي اختراق لجمود العلاقات بين البلدين، حيث استمرّ الجدل بينهما حول العديد من المسائل، سواء ذات الطابع الثنائي، أم تلك المتعلّقة بقضايا العصر والتطورات الإقليمية. في واقع الحال، لم تحقق العلاقات الإيرانية - الروسية أي قفزات نوعية، في تلك المرحلة، إلا بعد أن وجد البلدان أنهما منخرطان في معركة واحدة ضدّ الإرهاب الدولي، في سورية بصورة أساسية، وفي العراق بدرجة ثانوية.

لكنّ القتال في خندق واحد في سورية لم يعنِ تفاهما تامًّا وتطابقًا في الأهداف بين الطرفين. كان الهدف الروسي المعلن هو محاربة الإرهاب الدولي بعيدًا عن حدود الدولة وحماية المصالح القوميّة الروسية في منطقة "المضائق والبحار الدافئة"، الأمر الذي ترجم في ما بعد بإقامة قاعدة "حميميم" الجوية وقاعدة طرطوس البحرية في محافظة اللاذقية السورية. أما المصلحة الإيرانية؛ فقد تمثلت أولًا في الدفاع عن الشريك الاستراتيجي الأول في المنطقة - الجمهورية العربية السورية - وحماية العتبات المقدسة ومحاربة التكفيريين ومواجهة المخطّطات الإسرائيلية للنيل من قوى المقاومة في المنطقة. الهدف الأساسي الذي جمع الاثنين، في المرحلة الأولى من التنسيق العسكري في سورية، هو محاربة الإرهاب التكفيري.

مواجهة المخطّطات الإسرائيلية لم تكن في حسابات روسيا، والتي ظلت حريصة على أفضل العلاقات مع "تل أبيب"، خاصة في ضوء العلاقات الشخصية الحميمة بين فلاديمير بوتين ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. جدير بالذكر، في هذا السياق، أنّه حتّى الآن، وبعد كلّ جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش العدو الإسرائيلي في غزّة، لم يدلِ بوتين بأي تصريح يمسّ نتنياهو، والعكس صحيح. زد على ذلك، أن روسيا لم تستخدم مصطلح "إبادة جماعية" في خطابها الدبلوماسي لوصف المجازر في غزّة، ولم تبدِ اهتمامًا بقرار المحكمة الجنائية التابعة للأمم المتحدة في هذا الشأن. ويتمثل ملخص الموقف الرسمي الروسي بأن: "طوفان الأقصى" عمل إرهابي مدان، والرد الإسرائيلي استخدام مفرط للقوة تسبب في كارثة إنسانية!

إثر العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير / شباط 2022، بدأت تتطور علاقات تعاون جديدة غير مسبوقة بين البلدين. لقد أصبحت روسيا تعتمد على الطائرات المسيّرة الإيرانية في موجات القصف المكثفة ضدّ البنية التحتية للطاقة والمنشآت الصناعية في أوكرانيا. ويوازن هذا التعاون ما كان تاريخيًّا شراكة أكثر تعثرًا بين البلدين، عندما سعت إيران إلى الحصول على تكنولوجيا عسكرية أكثر تقدمًا من روسيا. في الوقت الراهن، تسهم الطبيعة المتنامية للشراكة بين طهران وموسكو في تعزيز إمكانات كلا البلدين.

إن العهد الجديد من الشراكة الاستراتيجية، والذي تميّز بنقل التكنولوجيا الإيرانية لتصنيع الطائرات المسيّرة، مستمر في التوسع. يتبادل الجانبان زيارة المنشآت العلمية والعسكرية والتقنية لبعضهما البعض بشكل متكرّر ويناقشان مزيدًا من التعاون الأمني العابر للأقاليم (الشرق الأوسط، القوقاز، آسيا الوسطى). يّذكر أن تقارير استخبارية غربية تدّعي أن إيران تساعد روسيا في بناء مصنع للانتاج المشترك المتسلسل لمسيّرات "شاهد" الإيرانية. وفقًا لهذه التقارير، إيران وافقت بشكل منفصل على بيع صواريخ أرض - أرض لروسيا. طهران أفادت بأن روسيا ملتزمة بتزويد إيران بطائرات مقاتلة متطورة من طراز سوخوي - ٣٥ ودفاعات جوية أخرى لمساعدة البلاد في التصدي للضربات الجوية مستقبلًا.

مع تزايد اعتماد روسيا على إيران، قد يزداد استعداد موسكو لمد طهران بتكنولوجيا صواريخ متطورة في المقابل، ما سيجعل إيران أكثر قدرة على مواجهة خطر الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، لا سيما "إسرائيل".

مراكز الفكر والتحليل، والتي تقدم تقليديًا توصيات للإدارات الأميركية لسنوات عديدة، تعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تتصرف في عدة اتّجاهات لتفكيك العلاقات الإيرانية - الروسية:

1 - إحياء مفهوم "محور الشر"، والذي يضمّ هذه المرة كلًّا من إيران وروسيا وكوريا الشمالية، والترويج الإعلامي للتهديد الذي يشكّله على الأمن والسلم العالميين.

2 - ابتكار وتطوير أساليب جديدة لسياسة التحريض الداخلي، في كلا البلدين، عبر تكنولوجيا المعلومات ووسائط التواصل الاجتماعي.

3 - مضاعفة الدعم المادي والمعنوي للتيارات السياسية المعارضة في كلا البلدين.

4 - مضاعفة الدعم للأقليات العرقية والدينية والمذهبية والجندرية التي تشعر بالاضطهاد والتمييز في كلا البلدين.

5 - الإفادة القصوى من نفوذ المجموعات (الأوليغارشية) الليبرالية واليهودية لإضعاف الدولة الروسية.

6 - تضييق الخناق على فصائل المقاومة في منطقة الشرق الأوسط (حزب الله، أنصار الله، فصائل المقاومة الإسلامية في العراق وغزّة) وتقويض أي بوادر علاقات لها مع روسيا.

7 - العمل الحثيث مع دول منطقة الشرق الأوسط لتقويض علاقاتها مع كلّ من إيران وروسيا، خاصة الإمارات والسعودية.

8 - زيادة العقوبات وتوسيعها على البلدين والتلويح بمعاقبة من يتعاون معهما.

9 - العمل على إبعادهما عن أسواق الطاقة واستبدال النفط والغاز الإيراني والروسي للدول التي تستوردهما.

في واشنطن؛ يسلطون الضوء على دور الجمهورية الإسلامية في ايران المتنامي، ليس فقط بوصفها لاعبًا إقليميًا رئيسيًا، ولكن أيضًا كونها قوةً تعبر حدودها الإقليمية، ليس بفضل روسيا وإنما لحاجة روسيا وحتّى الصين إليها في معادلة التوازن الاستراتيجي العالمي. لذلك من الطبيعي التساؤل: هل العلاقات الإيرانية - الروسية هي اليوم في مرحلة التحالف الاستراتيجي أم أنها تخضع للضرورات الظرفية؟

 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل