آراء وتحليلات
خطط أمريكية جديدة لاستعادة الردع
عندما تصدر الولايات المتحدة و17 دولة أخرى، نداء تطالب فيه حركة "حماس" بإطلاق سراح الأسرى من المرضى والجرحى وكبار السن باعتباره "سبيلا لإنهاء الأزمة في غزة"، فنحن هنا أمام عدة مؤشرات للسياسة الامريكية المتبعة في الفترة القادمة، وهي سياسة ليست جديدة على امريكا التي تتميز بالنفاق وقلب الحقائق، ولكنها تحمل تحديثات تؤشر على ازمة في ادارة امريكا للنظام العالمي الذي بدأ يتفلت من بين أصابعها.
وربما لهذه الخطوة مؤشرين مهمين هما:
1- المضي قدما في محاولة انقاذ العدو بعد انهيار جبهته الداخلية نتيجة الانقسامات والتأثير الكبير لملف الأسرى داخليا كأحد أبرز عوامل التململ الداخلي، وهذا الانقاذ الامريكي للصهاينة يكون بقلب الحقائق ومطالبة الضحية بحل الازمة بدلا من مطالبة المجرم، وهو مؤشر على استمرار سياسة قلب الحقائق ولكن بشكل أكثر فجاجة واستهانة بالعقول.
2- الحرص الأمريكي على التكتلات وصدور مواقف جماعية، وربما يعود ذلك لشعور امريكي بالتراجع والعزلة واهتزاز المصداقية، وهو ما يجعل الامريكي حريص على توريط الاخرين في سياساته لتجنب العزلة وللاستقواء بهم بعد تراجع القوة والهيمنة.
وهنا يمكن التركيز على مستجدات السياسة الامريكية بعد ما بدا انه وقفة تعبوية امريكية لمراجعة اسباب تراجعها والتحولات التي طرأت على التوازن الدولي.
اعترافات امريكية بالأزمة:
من واقع التقارير الاستراتيجية الأمريكية الرصينة، تعترف أمريكا بعدة مشكلات متعددة الأبعاد:
أولًا: مشكلة اقتصادية مفادها أن التكتل الاقتصادي الذي تقوده امريكا والممثل في منظمة التعاون الاقتصادي، وبحلول عام 2030، ستشكل دول المنظمة 17% من سكان العالم، لكن حصتها في الاقتصاد العالمي ستنخفض إلى 40% فقط.
وفي المقابل، فإن البلدان خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية - والعديد منها مستعمرات سابقة - تتمتع بارتفاع في الدخل، والسكان، والقوة، والنفوذ العالمي. وتشترك هذه البلدان في التشكيك في الوضع الراهن.
ثانيًا: مشكلة قوة ناعمة ونفوذ خارج نطاق دول التبعية المباشرة، تتمثل في الحرب بين روسيا وأوكرانيا منذ اندلاعها في فبراير 2022، حيث حاولت الولايات المتحدة إشراك العالم. وسارع حلفاء واشنطن في أوروبا وآسيا إلى إدانة تصرفات موسكو ووصفها بالعدوانية وفرض عقوبات على النظام الروسي، لكن معظم دول العالم أحجمت عن ذلك.
فبعد ستة أسابيع من الحرب، على سبيل المثال، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على ما إذا كان ينبغي تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان رداً على "الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان" التي ترتكبها روسيا. وعارضت 24 دولة هذا الإجراء، وامتنعت 58 دولة عن التصويت.
وتصف أمريكا هذه الأرقام بأنها مذهلة. حيث ترجمت الأرقام إلى أن عدد الدول المعارضة يشكل 2.1 مليار نسمة و21.8 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي. وكان من بين الممتنعين عن التصويت 3.6 مليار شخص آخرين و15.1 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي.
وكان العديد من أولئك الذين رفضوا معاقبة روسيا أعضاء في الجنوب العالمي - وهي مجموعة متنوعة من الدول الثرية ذات الكثافة السكانية المتزايدة والتي ستكون حيوية لمعالجة جميع مشاكل العالم الأكثر تحديًا: المرض، وتغير المناخ، والاتجار بالأشخاص والبضائع، الهجرة غير الرسمية، وأكثر من ذلك.
ووصفت أمريكا المشكلة بأن الاستجابة العالمية المجزأة للحرب في أوكرانيا تظهر أنه في حين ترى الولايات المتحدة وحلفاؤها أن سياساتهم متجذرة في الجهود المبذولة للحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد، فإن العديد من الدول الصاعدة تراها بشكل مختلف، حيث تنظر هذه الدول الصاعدة إلى هذه السياسات باعتبارها جزءًا من الجهود التي يبذلها عدد صغير من البلدان للحفاظ على الهيمنة على شريحة متزايدة الضخامة من سكان العالم.
تغير أولويات الأمن العالمي بعد طوفان الاقصى:
لا شك أن المؤتمرات الأمنية العالمية وما تناقشه من ملفات في منصاتها، يعكس القضايا الملحة والأولويات الأمنية الغربية وتحديدًا الأمريكية.
وقد بدا لافتًا أن مؤتمرين من أهم المؤتمرات الدولية، قد تغيرت بشكل لافت الأولويات بهما بعد طوفان الأقصى وصمود المقاومة وصعودها إلى سطح الصراع الاقليمي والدولي.
وهذان المؤتمران هما، مؤتمر ميونح للأمن، ومنتدى الأمن العالمي:
- مؤتمر ميونح
انعقد مؤتمر ميونخ للأمن في ذكراه الستين خلال الفترة من 16 إلى 18 فبراير 2024 تحت شعار "هل يخسر الجميع؟". وسط تطورات أمنية لافتة على صعيد الحرب الروسية الأوكرانية، والتخوف من نشوء حرب إقليمية شاملة بالشرق الأوسط مع استمرار حرب غزة، وتصاعد إدراك الرأي العام العالمي للمخاطر غير التقليدية على حالة الأمن العالمي.
- منتدى الأمن العالمي:
موضوع منتدى الأمن العالمي لعام 2024 هو "تجميع القوة في العاصفة المتجمعة". وتناول المتحدثون كيف يمكن للولايات المتحدة حشد قوتها لمواجهة التحديات العالمية المتعددة، ووضع عدم اليقين، وإعداد القوات الأمريكية لردع وهزيمة العدوان.
وهذا التطابق في الملفات الأمنية لمنتديين من أكبر المنتديات الأمنية بالعالم يعكس حقيقة الهواجس وحقيقة الأزمة الأمريكية والغربية بشكل عام.
وما يؤكد ذلك، هو أن التوصيات التي أصدرتها كبار العقول الاستراتيجية الأمريكية استندت إلى أن المشهد الدولي الأكثر تعقيدًا اليوم – ومستقبل الغد – يتطلب من الولايات المتحدة أن تتخذ نهجًا أكثر تعمدًا وتعددًا واستهدافًا في المشاركة. وينبغي أن يشتمل هذا النهج على عدة عناصر:
1- تقسيم الجنوب العالمي، وتقدير تنوع احتياجات وطموحات الدول داخله.
2- إعادة تنشيط المؤسسات المتعددة الأطراف القائمة لمواجهة الظروف الحالية.
3- استكمال الجهود الجارية لإصلاح المؤسسات القائمة على المعاهدات بترتيبات أقل رسمية وأكثر مرونة.
وقبل استخلاص ملامح السياسات الامريكية القادمة يجب الاطلاع على ما لخصه "فريدريك كيمبي"، الرئيس والمدير التنفيذي للمجلس الأطلسي.بعد قرار الكونجرس بإقرار حزمة مساعدات لأوكرانيا و"اسرائيل" حيث كتب نصًا: "لقد حان الوقت الآن لكي تتولى الولايات المتحدة زمام المبادرة إلى جانب حلفائها في ضمان سلامة أراضي أوكرانيا وديمقراطيتها وأمنها، بما في ذلك المسار الملموس نحو عضوية حلف شمال الأطلسي".
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024