معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

"إيزنهاور" و"غريفلي" سُحبتا من البحر الأحمر.. ماذا عن الدلالات؟
29/04/2024

"إيزنهاور" و"غريفلي" سُحبتا من البحر الأحمر.. ماذا عن الدلالات؟

بعد أربعة أشهر من الوجود العسكري في البحر الأحمر لحماية أمن الملاحة الإسرائيلية، أعلنت البحرية الأميركية عبور حاملة الطائرات "يو إس إس دوايت دي أيزنهاور" والمدمرة "يو إس إس غريفلي" قناة السويس في طريقهما إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. وفي ضوء ذلك، أكد موقع "USNI News" التابع للبحرية الأميركية أن مغادرة هاتين السفينتين يترك منطقة القيادة المركزية الأميركية من دون مجموعة حاملة طائرات ضاربة أو مجموعة برمائية جاهزة للمرة الأولى منذ تشرين الأول/أكتوبر.

ماذا وراء قرار سحب المدمرات الأميركية من منطقة ما تزال مشتعلة ولها أهمية استراتيجية كبيرة وما هو السر في توقيت الإعلان الأميركي؟ وهل له علاقة بسحب ألمانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى فرقاطاتها البحرية من ساحة المواجهة وسط تأكيد صعوبة مهمّة حماية السفن الإسرائيلية وتقويض العمليات اليمنية؟

في قراءة التطور العسكري؛ من البديهي أن يتبادر إلى أذهان الكثيرين أن الإعلان الأميركي عن سحب حاملة الطائرات "إيزنهاور" والمدمرة "غريفلي" مرده حالٌ من الشعور بالاطمئنان إلى سلامة السفن الإسرائيلية نتيجة تراجع القدرات اليمنية البحرية كما تتوهم وتزعم واشنطن، والوصول إلى قناعة باستحالة اتساع نطاق الحرب إلى خارج حدود غزّة، غير أن الواقع يثبت عكس ذلك.

بالاستناد إلى استمرار العمليات اليمنية بالزخم ذاته منذ إعلان المشاركة في دعم غزّة وإسنادها؛ وربما أكبر وتأثير ذلك وفاعليته على حظر حركة الملاحة الإسرائيلية، وتراجع حركة السفن الأميركية بنسبة 80% في البحر الأحمر، في مقابل تراجع الاعتداءات الأميركية البريطانية على اليمن، يتبيّن أن الانسحاب الأميركي في هذا التوقيت هو انسحاب تكتيكي. والهدف منه، إيهام العالم بنجاح مهمّة قوات الولايات المتحدة المعلنة، والأمر الآخر يرتبط بالحاجة الملحّة لاستراحة القوات الأميركية التي خاضت مواجهات مضنية ومرهقة ومكلفة ماليًا من دون أي نتائج تذكر وظلت في وضع الاستعداد والاستنفار لمدة طويلة من الزمن.

ما يعزز ذلك هو سحب بعض الدول الأوروبية لفرقاطاتها البحرية من ميدان واسع النطاق، ما يزيد من الأعباء على القوات الأميركية ويعطي الأفضلية لليمن وقواته العسكرية التي أثبتت قوة عملياتها ودقة رصدها للسفن الإسرائيلي، وتلك المرتبطة بها أن الملاحة الدولية والتجارة العالمية سالكة من مضيق باب المندب، وأن ارتفاع منسوب المخاطر والمخاوف هو نتيجة مباشرة للعسكرة الأميركية البريطانية للبحر الأحمر.

في تصريح سابق، وصف قائد الأسطول الأميركي الخامس براد كوبر المواجهة في البحر الأحمر بأكبر معركة بحرية تخوضها بلاده منذ الحرب العالمية الثانية، مؤكدًا أن القوات الأميركية لا تمتلك سوى 9 إلى 15 ثانية للتعامل مع الصواريخ والطائرات المسيّرة اليمنية، في حين وصف وزير الدفاع الألماني العمليات في البحر الأحمر بأنها أخطر عملية بحرية منذ عقود خلال زيارة للفرقاطة هيسن قبل انسحابها من المنطقة.

في الموقف الرسمي اليمني، وعلى لسان السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، العمليات اليمنية مستمرة دعمًا وإسنادًا لغزّة مع السعي لتقويتها في مسرحها الجديد في المحيط الهندي بما لم يكن واردًا أبدًا في ذهن وحسابات الأميركي والبريطاني والإسرائيلي. ويرى السيد الحوثي أنّ استهداف أكثر من مئة سفينة بمعدل سفينة كلّ يومين من أيام العدوان الإسرائيلي على غزّة إنجاز مهم ورقم كبير ودليل على مدى الفاعلية والنجاح، بتأييد الله وعونه.

الرقم الكبير المعلن لا يوحي بانخفاض عمليات اليمن كما زعم البنتاغون، لتقرر أميركا مغادرة ساحة المواجهة، بل يعدّ معطى على فشل الولايات المتحدة في تحقيق الردع ورغبتها في استخدام أوراق أخرى لممارسة الضغط على اليمن لحمله على التراجع عن عمليات الدعم والمساندة لغزّة.

ثمة خبراء يرون في قرار سحب حاملات أميركية جديدة بعد سحب الحاملة "جيرالد فورد"، من شرقي البحر المتوسط مع استمرار العدوان على غزّة، بمثابة الإنذار والضغط على حكومة رئيس وزراء العدوّ الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للانصياع للإدارة الأميركية.

وأيًا تكن الدوافع والأسباب الأميركية لخفض وجود القوات الأميركية البحري في المنطقة، فذلك ليس مبشرًّا لكيان العدو، ولا يعني أن أميركا رفعت راية الاستسلام وتنوي ترك واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية في العالم لخصومها. الأمر ليس كذلك، لا سيما في ظلّ استمرار الحصار على ميناء "إيلات" وتحضير العدوّ لاجتياح رفح.

ومع تصاعد العمليات المساندة من لبنان إلى العراق وصولًا إلى اليمن، احتمالية توسع الصراع ما تزال قائمة، وهي ذريعة واشنطن لتحريك حاملاتها ومدمراتها البحرية إلى منطقة الشرق الأوسط، المعركة لم تنتهِ والحذر واجب.

الحقيقة التي لا يمكن حجبها في هذه المرحلة، هي أن المقاومة في غزّة قوية وصمودها يعمّق الانقسام الصهيوني الداخلي، ويؤكد أن التعاون العسكري بين واشنطن و"تل أبيب" في الذروة، والدليل على ذلك الموافقة على المساعدات المالية من الكونجرس واستمرار تدفق الأسلحة الأميركية إلى الكيان الغاصب.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل