آراء وتحليلات
كيف ساهم التحرير عام 2000 في تثبيت قوة موقف لبنان اليوم؟
لا يمكن فصل نتائج وتأثيرات تحرير لبنان من الاحتلال "الإسرائيلي" عام 2000، عن الموقف اللافت الذي يلعبه اليوم لبنان الدولة والمقاومة على المستوى الإقليمي وربما الدولي، وذلك ضمن المواجهة الاستثنائية الحالية في المنطقة، بين الصهاينة وداعميهم الغربيين بقيادة واشنطن، وبين الشعب الفلسطيني في غزّة وفي الضفّة الغربية، كرأس حربة أساسية في هذه المواجهة، والمدعوم بقوة وبفعالية من حلفائه في محور المقاومة، في اليمن والعراق ولبنان وإيران.
أولًا، تبدأ انطلاقة ودعامة هذا الموقف القوي للبنان اليوم من كونه محررًا من الاحتلال، ولا وجود لأي نوع من أنواع الهيمنة أو السيطرة على قراره. ويكفي أن نقارن الفارق في مستوى استقلالية أو عدم استقلالية القرار بين أبناء بلد محتل وأبناء بلد محرر، والمقصود هنا طبعًا القرار الوطني والقوميّ المرتبط بالصراع التاريخي ضدّ العدوّ "الإسرائيلي"، وحيث كان أحد أتعس نماذج وصور الهيمنة والسيطرة بعد غزو العدوّ "الإسرائيلي" للبنان واحتلال قسم أساسي منه، معاهدة السلام السيئة الذكر واتفاقية 17 أيار المشؤومة التي فرضتها وحداته حينها على السلطات اللبنانية، والتي اندثرت سريعًا طبعًا مع بدء زوال الاحتلال وانسحابه من محيط بيروت، بفضل المقاومة الشرسة ضد وحدات الاحتلال آنذاك ولاتفاقية الإذعان تلك، وذلك عبر مختلف الوسائل والطرق السياسية والديبلوماسية والشعبية والعسكرية.
هذا المسار نحو الدولة القوية صاحبة القرار السيادي الحر، والذي انطلق من التحرير عام 2000، تثبّتَ أكثر وأكثر مع الانتصار على الإرهاب في الحرب الإقليمية والغربية التي شنت على لبنان وعلى سورية بعد العام 2011، وأيضًا، البديل لهذا الانتصار، والذي لعبت المقاومة الإسلامية في لبنان أو حزب الله الدور الأساس في فرضه، انطلاقًا من عمليتها الاستباقية في سورية في دعم الجيش العربي السوري، ولاحقًا داخل لبنان، في عمليات مستقلة وفي أخرى مشتركة مع الجيش اللبناني، كان "البديل" في ذهاب لبنان نحو الفوضى والتفتت والشرذمة وفقدان التوازن الأمني والاجتماعي، من ضمن مخطّط غربي - إقليمي أيضًا، كصورة أخرى مخطّط لها، من ضمن صور الاحتلال والهيمنة وإفقاد البلاد سيادتها وقرارها الحر، والهدف دائمًا أبدًا كان إخضاع لبنان للتوجه الغربي الإقليمي، نحو القبول بالتطبيع مع العدوّ ونحو إبعاده عن موقعه الطبيعي والصحيح في مواجهة ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
من ضمن مسار استهداف لبنان ومناعته وقدراته، كانت أيضًا معركة الترسيم البحري مع العدوّ "الإسرائيلي" معركة فاصلة، بفضل موقف المقاومة الإسلامية في لبنان، ومناورة الضغوط والتهديدات الاستثنائية بما تملكه من قدرات وأسلحة نوعية، والتي خاضها حزب الله أثناء مفاوضات الترسيم غير المباشرة بين الدولة اللبنانية والعدو، لعبت دور الورقة الرابحة في خضوع الأخير لمطالب الوفد اللبناني، والتي هي بالنهاية، واستنادًا لكل مندرجات القانون الدولي وقانون البحار واقتسام المياه الاقتصادية الخالصة بين الدول المتجاورة، حقوقٌ ثابتةٌ للبنان، فرضتها وثبتتها معادلتا القوّة والردع.
اليوم، أيضًا، ومع عملية طوفان الأقصى، والتي يخوضها أطراف أساسيون من محور المقاومة ضدّ العدوّ "الإسرائيلي" دعمًا وإسنادًا للمقاومة في غزّة وللشعب الفلسطيني، يلعب الموقف اللبناني الذي تترجمه المقاومة الإسلامية في لبنان، الدور الرئيسي في معركة الإسناد هذه، طرفًا صاحب التأثير الأول مباشرة، ميدانيًّا وعسكريًّا على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، وعنصرًا أساسيًّا فاعلًا في هذه الحرب الشرسة ضدّ الصهاينة، والتي بدأت تأثيراتها وتداعياتها تلامس الخط الأحمر، والذي بدا يشكّل خطرًا جديًّا على وجود العدوّ في المنطقة وعلى قدرته على حماية احتلاله.
انطلاقًا من هنا، يمكن ربط أهمية ما حققه التحرير على صعيد مناعة لبنان الاستراتيجية، أولًا في تحرير أرضه وإنهاء الاحتلال وتأمين نواة ارتكاز أساسية للسيادة، وثانيًا في انتصاره على الإرهاب كأخطر مرحلة داخلية تعرض لها، أمنيًّا واجتماعيًّا وعسكريًّا، كانت تستهدف سيادته وموقفه القوميّ والوطني الحر، وثالثًا في تثبيت حقوقه وثرواته الاقتصادية البحرية، وأخيرًا في مساهمته الرئيسية في تثبيت وفرض موقف إقليم فاصل ومؤثر ضدّ العدوّ "الإسرائيلي"، وليكون لبنان اليوم، ومن خلال موقف وتضحيات المقاومة، لاعبًا أساسيًا في تحديد وفرض معادلات الحق والقوّة والعدل في المنطقة، ضدّ الاحتلال وداعميه، ومناصرًا شرسًا لقضايا الأمة وعلى رأسها قضية فلسطين التي عادت اليوم، بفضل التضحيات العزيزة والشريفة لشعبها ولمقاومتها، وبفضل تضحيات مسانديها وداعميها، إلى رأس اهتمامات المجتمع الدولي، رغمًا عن أنف أطراف التسلط والهيمنة الغربية الصهيونية الأميركية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024