آراء وتحليلات
تطورات الجبهة الروسية - الأوكرانية على أعتاب قمة سويسرا "للسلام"
يتزايد التهويل الإعلامي بشأن سماح دول غربية لنظام كييف باستخدام الأسلحة التي يتلقاها منها لاستهداف العمق الجغرافي الروسي، والرد المرتقب من موسكو بصورة مباشرة على الدول المصدّرة لتلك الأسلحة، حتّى لو بلغ الأمر استخدام النووي التكتيكي كوسيلة رادعة، وسط انشغال العالم بدراسة احتمالات توسع الصراع إلى أبعد من إقليمي.
غير أن هذا الاحتمال مستبعد في المرحلة الراهنة، لأسباب عدّة. فنظام كييف معني بتحسين صورته أمام الرأي العام الدولي، ولا سيما قبيل "قمة السلام" المنوي عقدها في سويسرا بعد نحو أسبوعين. حيث إن استخدام أسلحة صاروخية ومسيَّرات غربية ضدّ أهداف في العمق الروسي، وخاصة ضد أهداف مدنية، قبيل هذه القمة، يعد انتحارًا سياسيًا لنظام كييف الذاهب إلى "قمة سلام"، حتّى لو أنها كانت غير مكتملة العناصر نظرًا لغياب الطرف الآخر من الصراع، فضلًا عن كون ذلك تجاوزًا للخطوط الحمر.
لذا، وعلى الرغم من التصريحات الغربية بشأن السماح لكييف باستخدام هذه الأسلحة في العمق الروسي، فإن المتوقع هو استخدامها ضدّ أهداف عسكرية، وبحذر، في المناطق المتاخمة للحدود. وليس خافيًا أن محاولات كييف تحقيق إنجاز عسكري حاليًّا ستجير في الموقف السياسي خلال القمة.
أما الحدث الميداني الأبرز في الوقت الراهن فيتركز في شمال شرق أوكرانيا مع توالي تصريحات أركان حرب نظام كييف بمهاجمة القوات الروسية، أو شن هجوم مضاد لإخراجها من ضواحي مدينة خاركوف، حيث تسجل هذه القوات تقدمًا ملموسًا، بينما فشلت الأسلحة الغربية، ومنها صواريخ "هيمارس" الموجهة بالأقمار الصناعية من غرف عمليات دول غربية، في وقف تقدم القوات الروسية على عدة محاور، ما اضطرّ القوات المسلّحة الأوكرانية إلى سحب تشكيلات قتالية من جبهات أخرى لتعزيز هذا الاتّجاه دون جدوى، مع تراجع ملموس في حدة تلك الهجمات وقدرتها على تحقيق إنجاز. ومن الواضح أن وضع القوات المسلحة لكلا الجانبين المتصارعين قد تغير خلال عام منذ إعلان كييف بدء هجومها المضاد الكبير السابق.
إن قيادة الأركان الأوكرانية لم تأخذ بالحسبان المتغيرات الروسية سياسيًا وعسكريًا. إذ إن الجيش الروسي أصبح مختلفًا عما كان عليه سابقًا. فقد طورت القوات المسلحة الروسية إمكاناتها وتجهيزاتها وتكتيكاتها وتقنياتها القتالية والاستخبارية، وكذلك قدراتها على تزويد الجبهة بما تحتاج إليه من ذخائر وأسلحة في الوقت المناسب بالكميات اللازمة. هذا، في حين أن وضع القوات الأوكرانية معاكس تمامًا، بدءًا من تراجع القدرات والمهارات القتالية لعديد تلك القوات نظرًا للخسائر البشرية الفادحة التي تكبدتها خصوصًا قوات النخبة طوال العام الفائت، وانتهاءً بتراجع قدرات كييف على تزويد الجبهات بما تحتاج إليه من معدات وذخائر. وقد فشلت طوال العام الماضي موجات الهجوم الأوكراني المضاد المتكرّرة في تحقيق أي إنجاز ميداني. وفي المقابل نجحت القوات المسلّحة الروسية في صد هذا الهجوم الكبير الذي شكل حينها مخاطر واقعية على التموضع الروسي. وعلى الرغم من أن سجالات المواجهة شهدت فرص تحقيق انتصارات ميدانية موضعية لمصلحة كييف خلال هذا الهجوم، فإنها تشتت وانعدمت مفاعيلها. والقوات المسلحة الأوكرانية تستطيع عمليًا الاستمرار بالصمود فقط بفضل الإنتاج والاستخدام الواسع للمسيّرات مع الحديث عن تزويدها بمنظومات صاروخية غربية بعيدة المدى تتيح لها المناورة عن بعد، من دون التورط في خوض مواجهة مباشرة مكلفة.
الهجوم الأوكراني المضاد الأخير المزعوم في ضواحي خاركوف انتهى قبل أن يبدأ
ما راهنت عليه القوات المسلّحة الأوكرانية عمليًا قبيل انعقاد قمة سويسرا لا يتجاوز محاولة إخراج القوات الروسية من محيط مدينة فولتشانسك وبلدة ليبتسي شمال شرق خاركوف الواقعة جنوب بيلغورود الحدودية الروسية. بيد أن الأركان الروسية، حسب المعطيات الميدانية، وجهت تعزيزات كافية إلى هذا المحور؛ ما يجعل فرصها أوفر في صد الهجوم الأوكراني، واستعادة زمام المبادرة، وتحويل فشل الهجوم الأوكراني المضاد إلى فرصة للتقدم. المعطيات الميدانية تشير إلى نجاحات تكتيكية روسية في محور فولتشانسك، حيث أصبحت معظم الأبنية المرتفعة في المدينة تحت سيطرة القوات الروسية، والمواجهات تدور ديناميكيًا بشكل هجومات مضادة ما بين الطرفين على مسافات لا تتجاوز مئات الأمتار في خط جبهة متداخل ومرن.
أما بالنسبة لمقاطعة بيلغورود الروسية الحدودية، فيصعب على القوات الروسية تأمينها الكامل من الاستهداف حتّى لو جرت السيطرة على مدينة خاركوف، أو جرت محاصرتها. ولا يمكن ضمان عدم إطلاق الصواريخ من محيطها، مع وجود صواريخ "أتاكمز" الأميركية التي يصل مداها إلى 300 كلم، بيد القوات المسلحة الأوكرانية. ذلك إضافة إلى أسراب المسيّرات المتعددة. بيد أن خفض هذا الاستهداف بواسطة الحملة العسكرية الروسية في ضواحي خاركوف ممكن، وبالحد الأدنى تجنيب بيلغورود القصف المدفعي التقليدي، مع تعزيز قدرات اعتراض الصواريخ، والتعامل مع هجمات المسيرات الأوكرانية المكثفة. في حين أن المنطقة العازلة الآمنة إذا أرادت روسيا إقامتها، فيجب أن تشمل كلّ ما هو واقع شرق نهر الدنيبر على الأقل.
في المحصلة، يبدو أن القوات المسلحة الأوكرانية قد بذلت ما بوسعها مع إعلانها عن هجوم مضاد في محاور اتّجاه منطقة خاركوف، لكن وضع الجبهة على خطوط التماس لا يوحي بنتائج إيجابية لمصلحتها، ويبقى باب الاحتمالات مفتوحًا أمام المفاجآت الروسية مع اقتراب قمة تسمّى في الظاهر "قمة سلام" في أوكرانيا بينما هي في الواقع محاولة حشد تأييد دولي لدعم كييف في الوقت البديل عن الوقت الضائع.
تقهقر هجمات القوات الأوكرانية المسلحة في منطقة خاركوف يؤثر في وضعيتها في خطوط المواجهة الباقية على طول الجبهة ومحاور التماس الأخرى. ليست السرعة في تحرير مزيد من المساحات الجغرافية هي من أولويات قيادة القوات المسلحة الروسية، بل تحقيق ذلك بأقل خسائر ممكنة. أما اضطرار القوات المسلحة الأوكرانية إلى تعزيز اتّجاه ضواحي خاركوف بمزيد من القوات، فقد أضعف قدراتها على الدفاع في محاور الاتّجاهات الأخرى. في حين أن القوّات الروسية تواصل تقدمها على محاور كوبيانسك جنوب شرق خاركوف، سفاتوفو جنوب كوبيانسك وبوروفو جنوب غرب سفاتوفو.
في هذا الاتّجاه، يتركز التقدم الروسي على ستيلماخوفكا ونوفويغوروفكا شرق جمهورية لوغانسك الشعبية. وتسعى القوات الروسية لعبور النهر في هذه المنطقة عند بلدة أندرييفكا لقطع خطوط إمداد القوات الأوكرانية، والسيطرة على خطوطها الخلفية من الجنوب الغربي، وكذلك من اتّجاه الشمال الغربي لهذا المحور. وهي تحاول خرق خطوط الدفاع الأوكرانية التي سحبت وحدات قتالية من تشكيلاتها لدعم جبهة خاركوف وأصبحت شبه مكشوفة أمام التقدم الروسي.
جنوبًا إلى اتّجاه تشاسوف يار
تستمر القوات الروسية بممارسة الضغط على خطوط الدفاع الأوكرانية، وقد نجحت في تثبيت مواقعها عند نهر سيفيرسكي دونيتس شمال تشاسوف يار والسيطرة على وسط بلدة كالينوفكا، مع تسجيل هدوء نسبي أو تهدئة عملياتية تشبه الهدوء ما قبل العاصفة، ليعاد استئناف التقدم بزخم أوسع على تلك المحاور.
محاور جمهورية دونيتسك تنقسم إلى اتّجاهين:
تاريتسكايا: يشهد مواجهات حامية في بلدة نوفايا ألكساندروفكا، حيث أصبحت غالبية المباني في البلدة بيد القوات الروسية، في عملية تثبيت مواقع تحضيرًا للبدء بتقدم أوسع.
باكروفسكايا: يشهد تقدمًا تكتيكيًا طفيفًا. في نوفوسيلوفكا تواصل القوات الروسية عمليات التقدم وصولًا لتحقيق نجاح تكتيكي عند تقاطع مجاري الأنهر في كارلوفكا مع محاولة خرق الدفاعات الأوكرانية في بلدة سوكول.
وبالانتقال جنوبًا أيضًاَ إلى اتّجاه أوغليدار جرت السيطرة على بلدة باراسكوفيفكا مع تسجيل نجاحات تكتيكية في هذا الاتّجاه بعد تطوير عملية هجومية ما بين كونستانتينوفكا وأوغليدار في مقاطعة دونيتسك، حيث وصلت القوات الروسية إلى حدود كونستانتينوفكا الجنوبية الشرقية لتحكم السيطرة على الطريق بينها وبين أوغليدار، مسجلة بذلك نجاحًا تكتيكيًا عملياتيًا ملموسًا. كذلك الوضع في منطقة فيليكايا نوفوسيلوفكا، حيث تعمل القوات الروسية على تطهير محيط بلدة ستارومايورسك، والاتّجاه شمالًا للسيطرة على منطقة الهضاب التي من دونها يصعب التقدم.
أما في اتّجاه زابوروجيا فلا تسجيل لإنجازات تذكر.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024