معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

يوم القدس العالمي.. نقطة الالتقاء والانطلاق
31/05/2019

يوم القدس العالمي.. نقطة الالتقاء والانطلاق

بغداد ـ عادل الجبوري
لم يكن اختيار مفجر الثورة الاسلامية اية الله العظمى الامام الخميني، قبل اربعين عاما، للجمعة الاخيرة من شهر رمضان المبارك من كل عام يوم لنصرة ومساندة الشعب الفلسطيني في جهاده ونضاله ضد الكيان الصهيوني الغاصب، امر عفويا او عابرا حكمته انفعالات اللحظة وعواطف وجدانية معينة.

وقد كان الانتصار المدوى للثورة الاسلامية على واحد من اعتى الانظمة الديكتاتورية والاستبدادية في منطقة الشرق الاوسط والعالم ايذانا ببزوغ عهد جديد يختلف الى حد كبير عن العهد السابق له، رغم كثرة المؤامرات وفداحة المخاطر والتحديات.

ولعل الشعب الفلسطيني الذي ذاق شتى صنوف الماسي والويلات على يد الكيان الصهيوني الغاصب والقوى الدولية والاقليمية التي لم تكن حقوق الانسان بالنسبة لها سوى شعارات ومدعيات تستغلها لفرض اجنداتها وتمرير مصالحها.

وكان من الطبيعي جدا ان يكون للثورة الاسلامية في ايران اثرا معنويا وماديا كبيرا على الشعب وعلى كثير من الشعوب المظلومة والمضطهدة في مختلف بقاع العالم، ومن بينها الشعب العراقي الذي كان يرزح تحت سطوة واستبداد وطغيان نظام البعث الصدامي.

وبدلا من ان يكون النظام الحاكم في ايران حليفا استراتيجيا للكيان الصهيوني، فأنه بات يمثل خط المواجهة والدفاع الاول بعد انتصار الثورة.

ولان القضية الفسلطينية لاتعني العرب فحسب، بل تعني المسلمين على وجه العموم، والانسانية قاطبة، فأن الامام الخميني اراد ان تكون رسالة الدعم والاسناد والنصرة متواصلة لاانقطاع فيها مادام الاحتلال قائما ومعه كل مظاهر الظلم والقمع والظلم والطغيان الاستبداد ومصادرة الحقوق، ويوم القدس العالمي في الجمعة الاخيرة من كل شهر رمضان مثل تلك الرسالة المتواصلة والحية، التي اريد لها ان تكون عالمية الابعاد والمضامين، وغدت كذلك بالفعل، وما المسيرات المليونية التي تخرج في شتى بلدان العالمي الاسلامي وغير الاسلامي في كل عام الا دليل صارخ على عالمية وشمولية رسالة يوم القدس العالمي.

ما يحتاجه العالم بكامله، لاسيما الشعوب التي ترزح تحت وطأة الظلم والاستبداد-ان يتكاتف ويتازر ويتعاون من اجل تغيير الواقع السيء بسبب انظمة الجور والطغيان وفي مقدمتها الكيان الصهيوني الغاصب لارض فلسطين والمستبيح لحرماتها والمشرد لابنائها.

فقضية فلسطين وما تعرضت له مقدسات ذلك البلد، وابنائه على امتداد سبعة عقود من الزمن، اي منذ اغتصاب الصهاينة لها في عام 1948، يعد امر مريعا ومأساويا بالحسابات الانسانية، فالصهاينة لم يتركوا جريمة الا وارتكبوها بحق المستضعفين من ابناء الشعب الفلسطيني المسلم، وبعض ابناء الشعوب الاخرى، وساعدتهم ودعمتهم في ذلك قوى كبرى في مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية.

ومازال ابناء الشعب الفلسطيني يتعرضون  لشتى صنوف العدوان والظلم والاستبداد البعيد كل البعد عن مباديء كل الرسالات والاديان السماوية، والبعيدة كل البعد كذلك عن القوانين الوضعية المتعلقة بحقوق الانسان وحق الشعوب والامم في العيش بسلام وامان.

ومنذ عام 1948، لم يلتق المسلمون على اختلاف مذاهبهم  وقومياتهم وجغرافيتهم حول قضية فلسطين مثلما التقوا عليها في يوم القدس العالمي، حينما اعلنه الامام الخميني قبل اربعة عقود، ولعل واحدا من مؤشرات ومصاديق الالتقاء هو الاستمرار في احياء هذا اليوم في كل عام، وفي شتى بلدان العالم الاسلامي، وحتى خارج نطاق العالم الاسلامي، وبزخم اكبر واوسع في كل عام.

لا يختلف العراق بتنوعه المذهبي والقومي والمناطقي عن سواه من البلدان الاسلامية الاخرى، سواء القريبة منه او البعيدة عنه، في احيائه ليوم القدس العالمي، الا في نقطة رئيسية واحدة، وهي انه لم يكن ممكنا حتى الاطاحة بنظام صدام في ربيع عام 2003 الاشارة الى تلك المناسبة، او احيائها بطريقة معينة، لان ذلك يرتب على من يقدم على اية خطوة او مبادرة من هذا القبيل تبعات خطيرة، يمكن ان تودي بحياته وحياة اخرين.

وما ان انكسر طوق الكبت والعزلة والحرمان والاستبداد، حتى انفتحت افاق الحرية، لتفتح معها الكثير من الابواب الموصدة. وعلى امتداد ستة عشر عاما، وجدنا ان مناسبة عالمية من قبيل "يوم القدس العالمي" شغلت حيزا كبيرا في اهتمامات مختلف الاوساط الجماهيرية والنخب الفكرية والثقافية والسياسية والدينية والاعلامية العراقية.

وما يستحق الاشارة هنا هو ان المرجع الديني الكبير الامام محسن الحكيم (قدس سره)،افتى في ستينيات القرن الماضي بوجوب دعم القضية الفلسطينية ومساندتها من خلال دفع الحقوق الشرعية لمواجهة الكيان الصهيوني الغاصب، وللتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني، وهذا يؤكد اندكاك العراقيين بالقضية الفلسطينية منذ وقت مبكر.

ولعل اربع مفردات نجدها حاضرة لدى العراقيين جماهيرا ونخبا، وهي تتعاطى مع يوم القدس العالمي، المفردات الاربع هي، الامام الخميني، والوحدة الاسلامية، وديمومة المواجهة، وحتمية الانتصار، وكل مفردة من هذه المفردات تكمل الاخرى، لتنصهر جميعها في بوتقة واحدة، وتشكل مفهوما عاما ورؤية شمولية.  

ولان الامام الخميني (قدس سره الشريف) كان القائد الذي صنع ملحمة تأريخية قل نظيرها، ولانه صاحب المبادرة، فمن الطبيعي ان يكون حاضرا بقوة، ومايمنح ذلك الحضور قوة اكبر لدى العراقيين، هو انه عاش بينهم وقريبا منهم مايقارب عقد ونصف من الزمن، ومن ثم كان في مقدمة الداعمين والمساندين لنضالهم ضد النظام الدكتاتوري البعثي في العراق.               

وبما ان موضوعة الوحدة الاسلامية كانت تمثل احدى ابرز اولويات منهج الامام الخميني، فأنه حاول منذ البداية اعطاء القضية الفلسطينية بعدا اسلاميا عاما، بل وعالميا، وهو ما تحقق على ارض الواقع وان واجه-ومازال يواجه-الكثير من المصاعب والتحديات والاجندات المضادة، وهو ماساهم في ديمومة المواجهة، ومن ثم تحقيق انتصارات مشرفة وباهرة على الكيان الصهيوني في مختلف المواقع والمفاصل والميادين.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات