آراء وتحليلات
الحرب الشاملة والثلاثي المردوع
من المؤكد أن التحذير الصارم للأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، بأن "فتح المطارات والقواعد القبرصية للعدو "الإسرائيلي" لاستهداف لبنان يعني أن الحكومة القبرصية جزء من الحرب وستتعاطى معها المقاومة على أنها جزء من الحرب" قد أعطى ثماره المرجوة، على أن يبقى الأمر مرهونًا بمدى صدقية المسؤولين القبارصة، ولم يخضعوا للتعليمات البريطانية، أو غلاة الاتحاد الأوروبي، الذين لا زالوا يصرون على شراكة الكيان الصهيوني في عدوانه تمامًا مثل الولايات المتحدة الأميركية.
في الأبعاد الواقعية استنادًا إلى قدرات المقاومة التي كشفت غيضًا من فيض المعلومات، سواء في ما جاء من "غلة" مدهشة حصدها "الهدهد"، أو في تحديد الأهداف اللاحقة وبينها "الكرياه" لا بد من أن حلف الأعداء يضرب أخماسًا بأسداس، لجهة التدمير الممكن في كلّ بنية الكيان العسكرية، والاقتصادية، بعد ما لحق من تدمير في البنية الأمنية والهجومية "الإسرائيلية". وبالتالي يمكن الاستخلاص، أن ما حققته المقاومة، وأفرج عن بعض منه السيد نصر الله، يظهر أن الثلاثي العدواني الرئيسي، أي الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وبريطانيا، مردوع، كما بقية الملحقين بهم، من غربيين وعرب وإن كانت نوايا هؤلاء أكثر شدة في الترهيب والقتل.
لا شك أن القيادة القبرصية التي سارعت إلى لملمة نتائج التحذير، وهي العالمة أن الجزيرة التي تبعد نحو 250 كلم، أي أنها تقع كلها تقريبًا ضمن نطاق الصواريخ العملياتية التكتيكية للمقاومة، ستحل فيها خسائر لا يمكن تعويضها، وهي التي تعتمد على السياحة بشكل شبه كلي في اقتصادها، بعدما تحولت إلى مركز المجون الأول في حوض البحر المتوسط، ومركزًا محوريًّا لنشاط "الموساد" إضافة إلى القواعد البريطانية التي تستخدم في أي عدوان، كما استخدمت مع الولايات المتحدة خلال الرد الإيراني المعلن على العدوان على القنصلية الإيرانية مطلع نيسان الفائت.
لقد عبر دبلوماسيون أوروبيون بصراحة عن جزعهم من جدية إعلان السيد نصر الله الردعي، وقد أعلن هؤلاء، ومنهم من يعمل في قبرص، بعد تبجح بعض المسؤولين الأوروبيين، بأن أي هجوم على قبرص بمثابة هجوم على اتحادهم شبه المترنح، أنهم مرعوبون من سماح قبرص باستخدام أراضيها في أي نشاط يساعد "إسرائيل" في أي عدوان محتمل على لبنان، وقال أحد مبعوثي الاتحاد الأوروبي العاملين في نيقوسيا إن "لدى حزب الله تاريخًا في التصرف بناءً على تهديداته"، ما يعني أن المسؤول الأوروبي يأخذ تحذير حزب الله على محمل الجد، والأهم في ما قاله المسؤول الأوروبي أن "حزب الله يعلم أن قبرص لا تملك القدرة العسكرية على الرد، ولذلك فهي هدف سهل".
لقد بررت قبرص المناورات المشتركة مع القوات "الإسرائيلية" المتعددة، بأنها جرت داخل القاعدتين البريطانيتين أكروتيري وديكيليا، وهما ضمن السيادة البريطانية منذ كانت الجزيرة تخضع كلّيًّا للاستعمار البريطاني، رغم أن كلّ عناوين المناورات تتعلق بالعدوان على لبنان، وقد انتقلت القوّة "الإسرائيلية" عبر الأجواء، والمياه القبرصية، كما استخدمت المطارات المدنية في عملية الانتقال والعودة، وإذا أرادت قبرص التي اشترك جنودها في المناورات التملص من دور مساعد لـ"إسرائيل"، فإن القلق الحقيقي سيكون مركزه بريطانيا، وقواعدها في قبرص، حيث ألقت الحكومة القبرصية الكرة.
من غير المشكوك فيه أن النوايا العدوانية "الإسرائيلية" باتّجاه توسيع الحرب تتصاعد، بغضّ النظر عن التلويح اليومي بأن القرار اتّخذ، وتم توقيع خطة الغزو على مستوى الجيش بانتظار أمر العمليات السياسي من رئيس الحكومة، ولهذا توجه وزير الحرب "الإسرائيلي" يوآف غالانت إلى واشنطن لمناقشة حرب غزّة والتصعيد على جبهة الشمال مع لبنان مع تكرار غالانت أن "إسرائيل متأهبة لأي عملية عسكرية". لكن يبدو أن الإشارة الأميركية، هي الفيصل، وستكون خلاصة ذلك بعد لقاءت غالانت مع نظيره الأميركي لويد أوستن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، وعدد من المسؤولين. وقد أوضح ذلك بقوله إن الاجتماعات مع كبار المسؤولين الحكوميين حاسمة بالنسبة لمستقبل الحرب، لا سيما أن المطلب "الإسرائيلي" الأساسي، يكمن في تأمين الدعم الأميركي اللازم للانتقال إلى المرحلة الثالثة من العملية العسكرية في غزّة، وكذلك تغطية ما يتطلبه الوضع على الجبهة مع لبنان.
من الواضح أن أميركا ليست ضدّ الحرب والعدوان من حيث المبدأ والواقع، لكنّها في الحقيقة تخشى من نتائج الحرب على "إسرائيل" التي أعلن غالبية قادتها أنّهم يخوضون حرب بقاء ووجود، وقد تبلّغ "الإسرائيليون" ذلك خلال اجتماعات مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، لا سيما وأن المقاومة قادرة على تحييد "القبة الحديدية " وهي عمليًّا جرى تحييدها بنسبة عالية من خلال تكتيكات، ورمايات محكمة على قواعدها. وذكرت شبكة "سي إن إن" أن المسؤولين في إدارة بايدن يشعرون بقلق بالغ من أن أنظمة الدفاع الجوي "الإسرائيلية"، بما في ذلك القبة الحديدية، ستنهار في حالة نشوب حرب شاملة مع حزب الله. ولم يتردّد الأميركيون في الإعلان عن أن نظراءهم "الإسرائيليين" يشاركونهم هذه المخاوف ويخططون لنقل الأنظمة من محيط غزّة إلى الشمال استعدادًا لهجوم محتمل ضدّ حزب الله، واعترفوا أن أنظمة القبة الحديدية من المرجح أن يتم التغلب عليها في سيناريو يطلق فيه حزب الله عددًا كبيرًا من الأسلحة الموجهة بدقة.
لكن المسؤولين الأميركيين لم يخبروا نظراءهم "الإسرائيليين" صراحة أنهم يعارضون شن هجوم ضد حزب الله، لكنّهم حذروا من أن مثل هذا الهجوم قد يؤدي إلى صراع إقليمي أكبر بكثير، خاصة بمشاركة مباشرة من إيران. كما أعربوا عن شكوكهم في نجاح خطة عسكرية "إسرائيلية" خلاصتها هجوم يشبه الحرب الخاطفة، لكن المسؤولين الأميركيين أعربوا عن شكوكهم في إمكانية احتواء مثل هذا القتال.
لقد أعلن السيد نصر الله بلا قفازات "أن محاولة توسيع دائرة المواجهات الشاملة مع قوى المقاومة قد تشكّل فرصة لضرب أسس الكيان المحتل. وستكون بشكل لم يعهده أحد"، مكرّرًا أنها ستكون بلا سقوف وبلا ضوابط وبلا قواعد.
بكل بساطة، إن العبارة الذهبية التي رفعتها المقاومة منذ اليوم الأول، وهي "الكلمة للميدان" لا تزال درة التاج المنتصر.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024