آراء وتحليلات
السيناريوهات المتوقعة بعد دعوة الناتو للوزراء العرب والمرحلة الثالثة في غزّة
محاولة قراءة العقلية الأميركية، وتلك المتعلقة برئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، وليس (بايدن أو ترامب)، قد تكون مفيدة في تصور مستقبل المرحلة القادمة والتي تعد فارقة في تاريخ الصراع. والتفرقة هنا مقصودة بين شخص الحاكم في الكيان ومنصب الرئيس في أميركا، ووجوب المعادلة بين حاكم الكيان وأميركا بجوهرها ومشروعها الاستعماري وليس اسم أي رئيس لا تتخطّى صلاحياته سقف قرارات حزب خفي للأمن القومي وقيادة الهيمنة.
ومن هنا، فإن تأمل تاريخ نتنياهو ومحطات مختلفة له وقراءة السلوك الأميركي تقود إلى استنتاج المسارات المتوقعة في المرحلة القادمة. وقبل الخوض في قراءة نتنياهو، يمكن باختصار قراءة النوايا الأميركية المتسقة مع الجوهر الاستعماري والتاريخ الأميركي بالمنطقة والعالم بشكل عام.
أولا: قراءة في المسار الأميركي المرتقب
دعت الولايات المتحدة وزراء خارجية "إسرائيل" وعدد من الدول العربية إلى حضور القمة السنوية الـ 75 لحلف شمال الأطلسي (الناتو) التي تستضيفها واشنطن في 9 يوليو الجاري، وذلك لبحث حرب غزّة والحرب الروسية الأوكرانية. ووفقاً لصحيفة "فايننشيال تايمز"، فإن الدول العربية التي دُعيت للمشاركة، هي مصر والأردن وقطر وتونس والإمارات والبحرين.
اللافت، أن السعودية لم تُبلّغ بالدعوة، ولكن ربما يكون ذلك مرده إلى أن للسعودية وضعاً خاصاً واتفاقية أمنية مستقلة، حيث ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" مؤخرًا، نقلًا عن مسؤولين أميركيين وسعوديين، أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على وشك وضع اللمسات النهائية على معاهدة مع السعودية، تلتزم واشنطن بموجبها بالمساعدة في الدفاع عن المملكة في إطار صفقة تهدف إلى دفع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض و"إسرائيل". ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين وسعوديين، قولهم إن مسودة المعاهدة صيغت بشكل فضفاض على غرار الاتفاقية الأمنية المشتركة بين الولايات المتحدة واليابان، وأن مسودة المعاهدة تنص على منح واشنطن إمكانية استخدام الأراضي السعودية والمجال الجوي للمملكة من أجل حماية مصالح أميركا وشركائها في المنطقة، مقابل التزام الولايات المتحدة بالمساعدة في الدفاع عن السعودية في حالة تعرضها لهجوم.
وهناك بند لافت مما تسرب عن الاتفاقية، وهو منع الصين من بناء قواعد في المملكة أو مواصلة التعاون الأمني مع الرياض. وهنا فإن المسار الأميركي المرتقب هو استمرار لسياسة التكتل والتحرك الجماعي عوضاً عن المواجهات الفردية التي لم تعد تمتلك أميركا قدرة عليها.
واستضافة وزراء خارجية في مؤتمر لحلف دفاعي هو تخفيف للهجة تشكيل "ناتو عربي" حيث لم تتم دعوة وزراء الدفاع، ولكن الهدف هو خلق اصطفاف سياسي عربي مع الناتو وأميركا يشي باستعدادات لمعركة سياسية كبرى وهو ما تفضله أميركا من استمرار لحصار وعزلة روسيا ومحور المقاومة وإنقاذ للدعاية الصهيونية بأنها في معركة مع الإرهاب وأن الكيان هو جزء من القيم الغربية ولا ينبغي للغرب التملص من سياساته المخالفة للقانون ولا الركون للتعاطف الشعبي الذي اخترق الصفوف الغربية والأميركية، وجمع دول عربية مع الناتو في هذا الاصطفاف هو خير داعم لهذه الدعاية الأميركية.
ثانياً: تاريخ نتنياهو يشي بتصرفاته المستقبلية
منذ خطواته السياسية الأولى اعتمد بنيامين نتنياهو على الدعاية وعلى تصفية القضية، ويمكن استنباط منهجه من محطتين رئيسيتين:
ا - الهسبرة (الدعاية)، وربما كان اللافت هو تاريخه مع لبنان وما ارتكب فيه من إرهاب صهيوني في حملة إرهابية سرية اتّخذت مسمى "جبهة تحرير لبنان" وكانت من الأجانب وبإشراف صهيوني باشرت جميع الجرائم من تفجير القنابل في الأسواق والشوارع التجارية وقاعات السينما ومخيمات اللاجئين، وكانت تستهدف المدنيين حصرًا، والعديد من هذه الهجمات تم توثيقها في قواعد البيانات التي جمعتها ستارت ومؤسسة راند.
ووفقًا للتقارير، جرت هذه الحملة "الإرهابية" السرية في الوقت الذي كانت فيه السلطات "الإسرائيلية" (بما فيها شارون) منخرطة في جهد شامل لإعادة تشكيل الحرب التي تقودها "إسرائيل" بحيث تظهر كأنها حرب مبادئ ضدّ خطر "الإرهاب الدولي". وكان دور نتنياهو هنا هو تولي "الهسبرة"، أي الدعاية عبر معهد "يوناتان" الذي أسسه بنزايون وابنه بنيامين نتنياهو. حيث انتقل نتنياهو إلى فلسطين المحتلة في عام 1978، وأسس معهد يوناتان نتنياهو لمكافحة الإرهاب.وقد نظَّمَ هذا المعهد مؤتمرين دوليين حول "الإرهاب"، في 1979 بالقدس وفي 1984 بواشنطن العاصمة. وكانت مجهودات المعهد ونتنياهو خارقة، ومنذ أواسط الثمانينيات لم يعد من الممكن التمييز بين الخطابات الأميركية و"الإسرائيلية" بخصوص"الإرهاب".
2 - الإصرار على احتلال غزّة وابتلاع الضفّة: حيث كانت المحطة الثانية اللافتة هي خلافه مع مجرم الحرب شارون، مع الشروع في المرحلة الأولى من خطة الانفصال حيث استقال نتنياهو من حكومة شارون، وأشار بعد استقالته إلى أن شارون يعطي للفلسطينيين دون مقابل وأن غزّة ستتحول بعد الانسحاب "الإسرائيلي" إلى "قاعدة لحماس وحزب الله والقاعدة".
ثم ألغى قانون الانسحاب بعد توليه الوزارة وهو ما شرعن العودة لمستوطنات بالضفّة أخليت مع الانسحاب من غزّة وفتحت الباب للاستيطان غير الشرعي ومزيد من ابتلاع الضفّة. هنا فإن نتنياهو لايؤمن بأي حقوق للفلسطينيين وليست لديه أي نوايا للانسحاب أو ترك أي مكاسب ولو تكتيكية، وماضٍ في شوط الهسبرة الكاذبة.
السيناريو المتوقع أميركيا وصهيونيا:
في حالة كهذه تمارس بها أميركا التكتل والتحرك الجماعي السياسي والحمائي للكيان، وفي ظل ولاية رجل مثل نتنياهو لا يعترف بأي حق فلسطيني ولا تسوية من أي نوع، فإن السيناريوهات المتوقعة تنحصر في سيناريوهين رئيسيين:
الأول: استمرار احتلال المعابر والعدوان على غزّة والضفّة والمضي في التصعيد مع لبنان متصورًا أن معركة محدودة في صورة أيام قتالية مع تغيير شكل القتال في غزّة وفقًا للمرحلة الثالثة المزعومة ستسحب الذرائع من مشاركة لبنان في وحدة الساحات، أي عصا وجزرة في وقت واحد.
وربما يتصور نتنياهو ومعه أميركا أن الأزمة سيتم تصديرها للمقاومة ويكسب وقتاً للملمة صفوفه، باعتبار أن الأنظار ستتّجه إلى المساعدات والإعمار ومستقبل غزّة وارتهان حماس لهذه الملفات والأطراف الفاعلة بها وبقاء ملف الأسرى كصفقة منفصلة ممتدة زمنيًا على غرار جلعاد شاليط وتخضع للابتزاز بالمعابر وبالسيطرة الصهيونية عليها وعلى المحور الفاصل بين شمال غزّة وجنوبها.
الثاني: خيار "شمشوني" بتوريط أميركا والمنطقة في حرب كبرى بديلاً عن انهيار الكيان ووصوله لشفا حرب أهلية وانقسام مستوياته السياسية والعسكرية وتغيير ميزان الردع إلى الأبد لصالح المقاومة وهو ما لا يستطيع الكيان العيش في ظله.
وفي جميع الحالات والسيناريوهات فإن المقاومة تعهدت بالمضي حتى آخر الشوط وصولاً إلى انتصار المقاومة وتحديدًا حماس، وتعهدت بأن تُرسي المفهوم الآتي: إن الحرب المحدودة ليست خياراً للعدو لأن أي عدوان ستجعله المقاومة حرباً بلا أسقف وحرباً كبرى.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024