آراء وتحليلات
كيف تفهم "إسرائيل" رد حزب الله الصاعق على اغتيالها الشهيد القائد أبو نعمة؟
لم يمر وقت طويل على صدور تقرير قناة MSNBC الأميركية والذي تحدث فيه عن سيناريو كارثي ستشهده "إسرائيل" في حال اندلاع حرب مع حزب الله في لبنان، حيث سوف تعمل حينها ضدّ خصم ليس فقط أقوى جهة غير حكومية في الشرق الأوسط، بل خصم يقاتل بشكل أكثر فعالية من معظم الجيوش النظامية في المنطقة، ليقوم حزب الله بإثبات نموذج صغير متواضع عن هذه القدرات، باستهدافه منطقة واسعة من شمال فلسطين المحتلة مع أغلب القواعد العسكرية للعدو، عبر مناورة مركبة من الصواريخ والمسيرات، وذلك ردًّا على اغتيال الشهيد القائد أبو نعمة.
في الواقع، يمكن اعتبار عملية رد المقاومة الإسلامية في لبنان على اغتيال القائد الشهيد أبو نعمة، نقطة فارقة ومفصلية في الاشتباك الذي تخوضه اليوم ضدّ "إسرائيل" إسنادًا لغزّة، وذلك من خلال الإضاءة على النقاط التالية:
في الجغرافيا، شمل الرد كلّ القواعد العسكرية للعدو والمنتشرة على كامل شمال فلسطين المحتلة، من البحر غربًا حتّى مزارع شبعا المحتلة شرقًا، وبعمق وصل الى"شراغا" شمال عكا مباشرة حتّى "إيلانيا" غرب بحيرة طبريا.
في عدد الصواريخ والمسيرات، تجاوز عدد الصواريخ التي أطلقت على شمال الكيان الـ200 صاروخ من مختلف الأنواع والنماذج، مع احتمال وجود بعض الصواريخ الجديدة والتي لم تستعمل سابقًا، مع استهداف المواقع العدوة الأساسية بعشرات المسيرات الانقضاضية، والتي انفجرت بأغلبها داخل الأهداف المخصصة لها.
في نمط الاستهداف، كان لافتًا إطلاق موجة الصواريخ أولًا، والتي عملت على استقطاب وإشغال العدد الأكبر من منظومات الدفاع الجوي العدوة، لتنطلق المسيرات الانقضاضية في التوقيت القاتل مستغلة مرحلة انشغال صواريخ القبة الحديدية والسهم ومقلاع داوود والباتريوت وغيرها، وتحقق أهدافها بفعالية.
هذا لناحية ما عاشته "إسرائيل" على جبهتها الشمالية ضمن الرد المنتظر من المقاومة الإسلامية في لبنان، ولكن من جهة أخرى، هي أساسًا تعيش هاجس قدرات حزب الله من دون هذا الرد، وعمليًّا، لا يمكن لها إلّا أن تأخذ كلّ المعطيات التي أشارت إليها القناة الأميركية بعين الاعتبار، وفي الوقت الذي من المفترض أن تكون أول من يعلم حقيقة وجدية هذه المعطيات عن قدرات حزب الله، قبل أي جهة إعلامية أو عسكرية أميركية، لأنها تعيش خطورتها وتداعياتها بشكل متواصل، وخاصة اليوم على جبهتها الشمالية ضمن اشتباك إسناد حزب الله لغزّة، هناك عدة نقاط يجب الإضاءة عليها لإظهار التناقض الواسع بين معرفتها لهذه المعطيات الرادعة لها - والمقتنعة عمليًّا بها - وبين ترويجها الدائم وتهديدها المتواصل بشن عمل عسكري واسع على لبنان وعلى حزب الله.
في الواقع، منذ بداية انخراط حزب الله في الحرب إسنادًا لغزّة، توحي "إسرائيل" دائمًا وعلى لسان الكثير من مسؤوليها، من عسكريين أو سياسيين، بأنها لن تتوانى عن تنفيذ عملية عسكرية واسعة ضدّ لبنان وحزب الله، وتهدّد دائمًا بأنها سوف تدمر وتحرق وتقتل وتعيد لبنان إلى العصر الحجري، إذا لم يوقف تدخله المباشر ضدّ وحداتها ومواقعها العسكرية ومستوطناتها على جبهتها الشمالية.
وفي الوقت الذي يتردّد هذا التهديد بشكل متواصل وشبه يومي، عمليًّا، تتجنب "إسرائيل" القيام بأي عملية بهذا المستوى "التدميري" كما تدّعي، ضدّ لبنان وحزب الله، مكتفية بتنفيذ مناورة غدر دنيئة لا أكثر، تقوم عبرها بملاحقة واغتيال مقاتلي وقادة المقاومة، مستفيدة في سبيل تنفيذ ذلك من دعم تقني واستعلامي غربي - أميركي وبريطاني تحديدًا لها، مع إقدامها المتواصل على تدمير نقاط حدودية أو بعيدة عدة كيلومترات في الداخل اللبناني، تدّعي أنها تدخل ضمن البنية العسكرية لحزب الله، والسبب في تجنبها القيام بعمل عدائي واسع، يعود إلى أن كلّ الدراسات الجدية التي تقوم بها لتحضير ولاتّخاذ قرار العدوان، أو التي تعتمد فيها على أهم مراكز البحوث والدراسات العسكرية والاستراتيجية، تصبّ خلاصاتُها دائمًا في مصلحة عدم الإقدام على التنفيذ، ولتكتفي بمواصلة التهديد الإعلامي والسياسي فقط.
أيضًا، تبقى دائمًا معطيات "إسرائيل" الاستعلامية والعسكرية غير بعيدة أبدًا عن مضمون كلام القناة الأميركية حول قدرات حزب الله مقارنة مع أغلب جيوش المنطقة من جهة، وحول مستوى الفعالية التي يقاتل بها مقارنة مع أغلب الجيوش في منطقة الشرق الأوسط من جهة ثانية:
- لناحية قدرات حزب الله مقارنة مع أغلب جيوش المنطقة، يمكن القول وبطريقة موضوعية، إن الاشتباك الذي يخوضه إسنادًا لغزّة، يعتبر من الناحية التقنية العسكرية، اشتباكًا بمستوى مرتفع إذا ما تمت مقارنته بمعارك وحروب عالمية بين دول كبرى وقادرة، وحيث أدخل حزب الله في هذا الاشتباك أسلحة نوعية غير تقليدية، وتحديدًا مسيّرات الرصد والمسيرات القاذفة والانقضاضية والصواريخ التدميرية القصيرة المدى والصواريخ المضادة للدروع وللتحصينات والموجهة بأشعة ما دون الحمراء أو الموجهة بكاميرا، فشلت "إسرائيل" رغم قدراتها العسكرية المتطورة، في مواجهتها والتعامل معها، وبدت مستسلمة لها في أغلب الأحيان، وهي تشاهد هذه القدرات تستهدف مواقعها وثكناتها وآلياتها وجنودها دون أي قدرة على الهروب منها، والأهم أن أغلب هذه الاستهدافات النوعية، تكون منتظرة، ويكون حصولها معروفًا ومؤكدًا مسبقًا، وتحديدًا عند عمليات رد حزب الله على اغتيال قادته ومقاوميه.
لناحية الفعالية التي يقاتل بها حزب الله مقارنة مع أغلب الجيوش في منطقة الشرق الأوسط، فالأمر بالنسبة لـ "إسرائيل" معروف أيضًا، خاصة أن أكثر جيوش المنطقة تسليحًا ومن الدول العربية تحديدًا، لا يعيشون أي حالة حرب معها، لا بل يجمعها مع هذه الدول اتفاقيات سلام أو تطبيع فعلي أو مقنّع، و"إسرائيل" عمليًّا، أكثر من عاش تجربة الحرب بين حزب الله وبين المجموعات الإرهابية التي كانت هي داعمة أساسية لها، وتعرف جيّدًا القدرات الضخمة التي توفرت لتلك المجموعات لمواجهة حزب الله، بالإضافة لتجربتها المريرة في القتال ضدّ حزب الله خلال مسار طويل، بدأ قبل التحرير عام 2000 وليستمر في حرب تموز 2006 وصولًا اليوم إلى الحرب الاستثنائية التي يخوضها حزب الله بمواجهتها على جبهتها الشمالية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024