آراء وتحليلات
مخطّط استهداف الأونروا.. المسوّغات والأهداف
في نهاية آذار/مارس الفائت؛ وافق الكونغرس الأميركي على قرار يحظر تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، حتّى العام 2025 على الأقل. وجاءت تلك الموافقة بعد اتفاق بين زعماء الكونغرس من الحزبين وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ضمن خطة أوسع للتمويل الحكومي بعد أن لجأ الجمهوريون للزجّ بهذا الملف لمقايضة إدارة بايدن مقابل تمرير التمويل الذي طلبه في ملفات أخرى.
نبذة عن وكالة الأونروا
أنشئت الأونروا في أعقاب نكبة العام 1948 بناءً على قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1949، وهي وكالة أممية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط، وتقدم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينين في كلّ من الأردن وسورية ولبنان والأراضي الفلسطينية، وتشمل خدماتها مجالات التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي والإقراض الصغير والاستجابة الطارئة، بما في ذلك في أوقات النزاع المسلح، وذلك إلى أن يجري التوصل لحل قضيتهم ومعاناتهم.
وطوال ما يقارب 75 عامًا على إنشائها؛ قدمت الأونروا خدماتها لأربعة أجيال من اللاجئين الفلسطينين ضمن مناطق عملها، حيث ارتفع عددهم من 750.000 لاجئ عند إنشاء الوكالة حتّى وصل إلى ما يقارب ستة ملايين لاجئ اليوم. وبناء عليه؛ يمكن القول بأن الأونروا، وعبر خدماتها التي تقدمها، قد أسهمت في تمسك اللاجئين الفلسطينين بحقهم في العودة، في الوقت ذاته الذي أسهمت فيه بمنع تهجيرهم مجددًا.
نتنياهو وترامب في مواجهة الأونروا
أدرك الكيان الإسرائيلي، منذ سنوات، رمزية الأونروا والدور الذي تقوم به لصالح اللاجئين الفلسطينين، وبالتالي الخطر الذي تشكله تلك الوكالة على مخطّطاته. فواظب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، طوال سنوات، على مهاجمة الوكالة منذ عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وصولًا إلى عهد الرىيس الحالي جو بايدن. وساق نتنياهو الكثير من الأضاليل والأكاذيب والاتهامات بحق الأونروا، واتهمها بأنها المشكلة وليست الحل لقضية اللاجئين الفلسطينين. كما اتّهمها بنشر الكراهية ضدّ الكيان الإسرائيلي والتلاعب بأعداد اللاجئين، وطالب بتفكيكها وإلغائها. ولقد تمكّن نتنياهو من إقناع الرىيس الأميركي السابق ترامب بوجهة نظره ضدّ الوكالة، فراح ترامب يكرّر اتهامات نتنياهو بحق الوكالة قبل أن يصدر قراره في العام 2018 القاضي بوقف التمويل الأميركي للأونروا، حيث تشكّل المساهمة الأميركية ما يقارب ثلث موازنة الوكالة البالغة 1.4 مليار دولار.
وكان الهدف الحقيقي لكل من نتنياهو وترامب يتمثل بإسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينين من خلال تفكيك وكالة الأونروا المسؤولة عن إدارة شؤونهم وقطع التمويل عنها لحرمانهم من سبل العيش والتنمية البشرية والحياة، والدفع بهم للهجرة خارج المنطقة. وكل ذلك كان تحضيرًا لتمرير "صفقة القرن"، في ذلك الوقت، من خلال إزالة عقبة اللاجئين التي تشكّل أحد أهم العثرات بوجه أي انفاق أو حل على الطريقة الإسرائيلية الأميركية.
نتنياهو وإدارة بايدن والأونروا
أصدرت إدارة الرئيس الأميركي بايدن قرارًا بإعادة تمويل وكالة الأونروا في العام 2021، ولكن هذا التمويل لم يصل لنصف ما كانت تسهم به واشنطن في السابق، وبقي عند حدود 150 مليون دولار، ثمّ عادت إدارة بايدن وخفضت مساهمتها إلى 126 مليون دولار وسددت منها 60 مليون دولار فقط قبل أن تصدر قرارًا بوقف تمويل الوكالة في مطلع العام الحالي، كانون الثاني/ يناير2024، واستمر ذلك القرار حتّى إقرار الكونغرس لقرار وقف التمويل حتّى العام 2025.
واستندت إدارة بايدن إلى الأكاذيب الجديدة التي روّج لها نتنياهو، والتي قال فيها بأنّ عددًا من موظفي الوكالة شاركوا في عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، فتبنت إدارة بايدن هذه الرواية واستخدمتها لتسويغ وقف التمويل. ولحقت بها العديد من الدول الممولة وعددها 15 دولة، لكن إدارة بايدن لم تطالب بإلغاء الوكالة وطالبت بالتحقيق في الحادثة، والتي لم تستطع كلّ واشنطن و"تل أبيب" تقديم أي دلائل عليها.
الأهداف السياسية لقراري إدارة بايدن الكونغرس
أولًا: تحويل قضية اللاجئين الفلسطينين من قضية سياسية وقانونية إلى قضية إنسانية تمهيدًا لإسقاط حق العودة.
ثانيًا: في إطار حرب الإبادة الجماعية التي تشنها "إسرائيل" على قطاع غزّة، بدعم وتنسيق من واشنطن منذ تسعة أشهر، يهدف القرار الأميركي إلى قطع شريان الحياة الأخير للفلسطينيين واللاجئين في قطاع غزّة بهدف دفعهم إلى الهجرة الطوعية والقسرية.
ثالثًا: تسعى واشنطن، وضمن مخطّطها الذي تعمل عليه على الأرض وعبر المفاوضات الجارية منذ أشهر والمعروف باسم "اليوم التالي للحرب"، إلى إنشاء إدارة جديدة تتولى الأمور في قطاع غزّة. وتعتقد واشنطن، بالتنسيق مع "تل أبيب"، أن تجفيف مصادر تمويل الأونروا سيسهم في الضغط على اللاجئين الفلسطينين في القطاع للقبول بشروطها عبر تجويعهم والتحكم بلقمة عيشهم.
رابعًا: تسعى واشنطنن بالتنسيق مع "إسرائيل"، إلى نقل عهدة شؤون اللاجئين من الأونروا إلى منظمات أخرى تتبع لها وتتحكّم بسير عملها، ما يحقق لها غاياتها وغايات "غسرائيل" السياسية.
خامسًا: إن إدارة بايدن التي تسعى لإنجاز تطبيع سعودي - إسرائيلي تمهيدًا لدمج "إسرائيل" في المنطقة، تدرك جيّدًا بأنّ قضية اللاجئين تشكّل واحدة من العقد الرئيسة التي تعرقل مخطّطها. لذلك، تفكيك الأونروا يساعدها في التخلص من هذه القضية.
في الختام؛ إنّ مواجهة المخطّط الأميركي الإسرائيلي الهادف لإسقاط حق العودة عبر استهداف وكالة الأونروا يستوجب من الدول والمنظمات المؤيدة للقضية الفلسطينية العمل على مواجهة هذا المخطّط عبر تأمين مصادر تمويل جديدة لهذه الوكالة. وهو ما يجب أن تقوم به الدول العربية والإسلامية على وجه التحديد، سواء بشكل فردي أم عبر قرارات تصدر عن الهيئات والمؤسسات المختصة/ وخاصة منظمة المؤتمر الإسلامي. وكذلك يتطلب الأمر التوجّه نحو الدول المؤيدة لعمل الأونروا، مثل الصين وروسيا ودول آسيا ودول الجنوب العالمي.. وفي الجانب السياسي؛ لا بدّ من التمسك بحق العودة والقرار 194 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، ومواجهة ورفض كلّ الضغوط السياسية والتسويات المبتورة التي تسعى واشنطن لتمريرها.. وبما يخص محور المقاومة؛ يتوجب الحذر من الدمج المتعمد من واشنطن لقضية اللاجئين ووكالة الأونروا في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزّة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
19/11/2024