آراء وتحليلات
الأصول الروسية المجمّدة تُدخل "اليورو" في دائرة خطر
يبدو أن إعلان الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل عن التوصل إلى اتفاق لتحويل 1.4 مليار يورو إلى أوكرانيا، من أرباح تشغيل الأصول الروسية المجمدة، لم يطرح فقط تساؤلات عن الرد الروسي المتوقع بهذا السياق فحسب، بل ثمة ترقب جدّي لتداعيات هذا القرار على مكانة اليورو بصفتها عملة احتياطية عالمية في البنوك المركزية الدولية.
القرار الذي اتُّخذ الشهر المنصرم بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية لم يحظَ بموافقة المجر، والتي استخدمت حق النقض ضدّ هذه القضية لمدة طويلة. وبالرغم من أن هذا القرار يتطلب موافقة بالإجماع عليه، إلا أن المسؤول الأوروبي لم يقدم أي تفاصيل عن كيفية اتّخاذه، لكنّه أشار إلى أنه سيُعاد النظر في الجهود المبذولة للتغلب على هذه المعضلة في القمة الأوروبية المقرر عقدها في أواخر الشهر الجاري.
قرار التصرف بأرباح الأصول الروسية المجمدة في أوروبا وأميركا يعدّ خطوة تمهيدية غير مباشرة للاستيلاء هذه القوى على تلك الأصول؛ لأنّ استخدام أي أطراف أخرى غير روسيا للأرباح يعدّ أمرًا غير قانوني، وبالتالي لروسيا الحق باتّخاذ تدابير مقابلة. وهذا ما أشار إليه الروس سابقًا عن إمكان لجوئهم إلى السيطرة على الأصول الأوروبية الموجودة لديهم. لكن ما يقلق الأوروبيين حاليًّا ليس رد الفعل الروسي المتوقّع، بقدر التداعيات السلبية لخطوتهم هذه على مكانة العملة الأوروبية العالمية "اليورو" كعملة احتياطية، يضاف لذلك المخاوف المطروحة من إمكان إفادة الصين من تداعيات هذه الخطوة.
من الواضح أن مصير الأصول الروسية المجمّدة، منذ أكثر من سنتين، سيكون له دور كبير جدًا في تحديد مكانة وترتيب العملات الاحتياطية التي تحتفظ بها البنوك المركزية العالمية. إذ بينما يحتل الدولار الأميركي حاليًّا المرتبة الأولى في حجم العملات الاحتياطية في العالم، يأتي اليورو الأوروبي في مرتبة ثانية، مع فارق كبير اتسع مؤخرًا في ظل تخلي العديد من الدول عن حيازتها لليورو عملةً احتياطية. وفي حال استمرار الواقع هذا على ما هو عليه، فهذا يعني أن العملة الأوروبية هي في خطر حقيقي.
لقد عمل الأوروبيون، منذ تأسيس عملة اليورو في العام 1999، على تشجيع دول العالم لاعتمادها عملةً احتياطية، ومن بينها دولة روسيا التي وافقت في العام 2001 على اقتراح أوروبي يقضي باستخدام اليورو عملةً أساسية بينها وبين أوروبا في المبادلات التجارية بعد أن كانت هذه المبادلات تتمّ بالدولار. وهذه الخطوة تعنى بدورها أيضًا تقبّل روسيا لوجود نسبة كبيرة من اليورو لتكون عملةً احتياطية في البنك المركزي الروسي.
في هذا الإطار، يذكر أنه وبالرغم من المضي في الاقتراح الأوروبي، إلا أن النسبة الأعلى من العملات الاحتياطية الأجنبية في البنك المركزي الروسي كانت لمصلحة الدولار.، واستمر هذا الواقع حتّى العام 2014 حين ضمت روسيا شبه جزيرة القرم إليها، حينها ردّت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها بفرض عقوبات على روسيا في عدة مجالات في ضوء هذا الغزو. ومنذ ذلك الحين؛ بدأ البنك المركزي الروسي بزيادة احتياطاته من الذهب والعملات الأجنبية مع فارق أن الأولوية كانت لليورو واليوان الصيني على حساب الدولار، حتّى وصلت نسبة الاحتياط النقدي من العملات الأجنبية، في العام 2022، إلى ما يعادل 207 مليار دولار باليورو، مقابل 67 مليار دولار أميركي فقط.
هذه الخطوة انسحبت أيضًا على الأصول الروسية الموجودة في أوروبا، مقارنة بتلك الموجودة في أميركا. فقد بلغ حجم الأصول في الأولى 210 مليار يورو، مقارنةً مع تلك الموجودة في أميركا، والتي تقدر بـ 5 مليارات دولار. لكن هذا الأمر خلق فعليًا أزمة للأوروبيين على عكس اعتقاد بعضهم بأن ذلك يمنحهم نفوذًا على الروسيين.
الأزمة، في هذا السياق، تتمثل بأن هذه الأصول الروسية قد وضعت باليورو وليس بأي عملات أخرى، ما يعني أن الاستيلاء المباشر أو غير المباشر على هذه الأصول سيولّد حالًا من القلق وعدم الاستقرار عند الدول الأخرى التي تمتلك نقدًا احتياطيًا بعملة اليورو. وقد حذر البنك المركزي الأوروبي قادة الاتحاد الأوروبي من تداعيات هذه الخطوة على مستوى الثقة العالمي باليورو عملةً احتياطية.
هذه التحذيرات لم تأخذها القوى السياسية الأوروبية على محمل الجد والحذر، كما رأت أنه مبالغ فيها إلى حد ما. لكن الأيام كشفت ما هو عكس ذلك. ففي حزيران/ يونيو 2024، أصدر البنك المركزي الأوروبي تقريره السنوي، والذي بيّن أن حصة اليورو، وهي العملة الاحتياطية الأجنبية، قد انخفضت في العام 2023 بقيمة 100 مليار يورو تقريبًا، ما جعل نسبتها من العملات الاحتياطية العالمية تنخفض لـ 20%، وهي أدنى نسبة وصل لها اليورو خلال السنوات الأربع الأخيرة.
هذا التراجع الذي شهدته العملة الأوروبية كان قد حصل في العام المنصرم، أي عندما كانت الأصول الروسية في وضع مجمّد فقط، من دون أن يكون هناك قرار بالاستيلاء غير المباشر عليها، ما قد يعني تراجعًا إضافيًا للثقة الممنوحة لليورو كونها عملة احتياطية عند العديد من دول العالم بعد اتّخاذ مجموعة الدول السبع لقرارها الأخير.
وهذا ما ستكشفه الأيام القليلة القادمة؛ لا سيما على مستوى الدول الكبرى، مثل الصين التي قد تبدأ بتخفيض احتياطي اليورو لديها تحسبًا لأي إجراء شبيه قد يطالها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024