معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

22/12/2018

"درع نتنياهو": ضجيج إعلامي من دون حرب

سركيس أبوزيد

قد تكون لأزمة الحكومة في لبنان ارتباطات وأبعاد وحسابات إقليمية، فتوسع نفوذ حزب الله، ھو الكلمة المفتاح التي تتردد على ألسنة الدبلوماسيين الأميركيين والموفدين الى لبنان والشخصيات التي تعقد لقاءات مع لبنانيين في واشنطن، وفي الآونة الأخيرة، ساد انطباع يدعو الى القراءة المعمقة للموقف الأميركي الحقيقي من لبنان، ھل لا يزال لبنان أولوية بالنسبة الى إدارة ترامب؟ وھل  تريد واشنطن الحفاظ على استقراره؟

في الواقع حرصت واشنطن دائماً على الحفاظ على مؤسستين: الجيش الذي يحل في المرتبة الأولى بنسبة دعمه، والقطاع المصرفي الذي تحرص على سلامته، كون الطرفين يؤمنان الاستقرار الداخلي الأمني والاقتصادي.

في نفس الوقت أيضاً توسع النقاش في دوائر القرار الأميركي، في ضوء نتائج الانتخابات النيابية والمفاوضات لتأليف الحكومة، وصولاً الى بدء سريان العقوبات على إيران وتمددھا نحو حزب الله.

ومؤخراً انعقد لقاء في بروكسل بين وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياھو، وأفادت مصادر سياسية في تل أبيب أن المحادثات تناولت تطورات انتقال النشاط الإيراني من التركيز على سوريا  إلى التركيز على لبنان.

ونشرت صحيفة "ھآرتس" الإسرائيلية أن مسؤولين إسرائيليين قلقون من تطورات الأحداث في لبنان، ولا سيما  في ظل مصالح موسكو المتزايدة في المنطقة، بعد منحھا مظلة حامية لسوريا بتصدير منظمات "إس 300 " الصاروخية لجيشھا.

في المقابل فإن الوضع على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية يسوده  توتر سياسي قابل للتحوّل الى تصادم عسكري والى حرب في حال حصل خطأ في التقدير والتصرف أو حادث غير محسوب.

بدأت "إسرائيل" تنقل تركيزھا وحملتھا من سوريا الى لبنان. والبداية كانت مع إقدام نتنياھو على إثارة موضوع صواريخ حزب الله ومصانع تطوير الصواريخ أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعرض مخاوفه في لقاء مع ترامب طالبا غطاء أميركيا لتنفيذ عملية عسكرية ضد ھذه الأھداف. ولاحقا تحدث الإسرائيليون عن مخازن صواريخ قرب مطار بيروت، ونقلوا عبر أقنية فرنسية وأميركية رسائل الى الجانب اللبناني للتدخل ووقف خطط حزب الله، قبل أن تبادر "إسرائيل" لتسديد ضربات الى مواقع في الداخل اللبناني. وتصدى حزب الله لھذه الرسائل عبر أمينه العام السيد حسن نصر الله الذي ھدد برد فوري على أي غارة إسرائيلية. ومؤخراً، أعلن الجيش الإسرائيلي عن انطلاق عملية عسكرية سمّاھا "عملية درع الشمال" على الحدود اللبنانية لاكتشاف وتدمير أنفاق أقامھا حزب الله من كفركلا نحو المطلة تحت الجدار الحدودي.

على الطرف الآخر فإن حزب الله لا يأمن جانب "إسرائيل"، ويخضع الحدث الإسرائيلي للمراقبة الميدانية والمتابعة الدقيقة في ظل استنفار عسكري غير مرئي تحسبا لكل الاحتمالات، بما فيھا احتمال المواجھة والحرب، ولكن الحزب يتعاطى، ومثله اللبنانيون عند الحدود، بأعصاب باردة مع ھذا التطور الإسرائيلي، مستبعدا أن يسلك مسارا دراماتيكيا، ومرجحا أن ھذا التطور له علاقة بأوضاع داخلية إسرائيلية أكثر مما له علاقة بأوضاع حدودية لبنانية. والتقديرات لدى حزب الله تفيد أن التطورات الأخيرة في "إسرائيل"، من الإخفاق العسكري في جولة غزة الأخيرة، الى إستقالة ليبرمان وترنح الحكومة، الى لائحة الاتھام بالفساد التي أعدتھا الشرطة ضد نتنياھو، كلھا تطورات وضعت نتنياھو في "نفق داخلي" وفي وضع مأزوم، وليس أمامه إلا تحويل الأنظار باتجاه لبنان بعدما سدّت الأجواء السورية في وجھه، والبحث عن إنجازات وھمية، مما بعني أن "درع الشمال" ليست لحماية الحدود وإنما لحماية نتنياھو.

في المقابل تلفت أوساط متابعة للملف الى وجود تحوّل أميركي لم يلتفت إليه الكثيرون، وھو يكبح جماح أي تصعيد إسرائيلي مرتقب. فالمبعوث الأميركي الخاص لشؤون سوريا جيمس جيفري، أوضح لسفراء فرنسا وبريطانيا وألمانيا والسعودية ومصر والأردن أن خروج القوات الإيرانية من سوريا سينفذ في إطار جھود دبلوماسية وسياسية، أي ليس من خلال استخدام القوة، وھذا تحوّل أميركي رافقته رسالة واضحة للإسرائيليين بعدم رغبة واشنطن بالتصعيد في المنطقة لأنھا لا ترغب بمواجھة مع روسيا، كما أبدت واشنطن حذرا حيال اندفاع نتنياھو في خطوات عسكرية متھوّرة قد تدفع بالأمور مرة واحدة في اتجاه مواجھة شاملة، رغم أن واشنطن تدرك أن مشكلات الجيش الإسرائيلي كثيرة وكبيرة، ما يعني أنه غير جاھز للحروب .

كما يعتقد الأوروبيون أيضاً أن الحرب ليست على الأبواب، وما يحصل الآن يستھدف تشديد الضغط الدولي على حزب الله، وعلى إيران، والحكومة اللبنانية، بشأن قرار مجلس الأمن 1701 . كما تريد "إسرائيل" الإيحاء للرأي العام المحبط من عدم جھوزية الجبھة الداخلية بأن الاستخبارات الإسرائيلية تعرف ما يجري على الطرف الآخر من الحدود في لبنان، وذلك في إطار الحرب الدعائية مع حزب الله.

من الواضح أن "إسرائيل التي أدارت محركاتھا العسكرية ليست ذاھبة الى حرب وسيكون الأمر ھديرا وضجيجا، فإن الحرب الفعلية لا تبدو واردة بسبب نقاط الضعف الكثيرة للجيش الإسرائيلي، وبالتالي فإن نتنياھو لم يتمكن من إنتاج مناخ إسرائيلي مؤيد له ومتحمس لأھمية ھذه الخطوة، ولم يستطع أن يبدد شكوك الكثيرين في الداخل الإسرائيلي ازاء خلفية وأھداف الضجة التي يتعمدھا وعلاقتھا بأزماته القضائية والحكومية، وحيث صدرت في" إسرائيل" انتقادات واتھامات لنتنياھو بأنه يركب موجة "حرب أنفاق" حزب الله لغرض التستر على لوائح اتھامات الفساد ضده، وبأن العامل الداخلي ھو الدافع الرئيسي لھذا التحرك وليس أمن المستوطنات الحدودية في الشمال، ويُضاف الى كل ذلك أن الداخل الإسرائيلي تحولت أنظاره الى الضفة، ولا يبدي اكتراثا حيال عملية "درع الشمال" التي صارت باھتة.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات