آراء وتحليلات
جبهة الإسناد اللبنانية وفلسفة كربلاء
يقال إنّ أحد أبرز عيوب العقل البشري البطء والكسل والعجز عن النقد والاستيعاب، فهو لا يرى نور الحق الساطع. علماء النفس يسمّون هذه الحال باسم "سكيتوما"، أو إنكار الحواس لما هو واضح ظاهر وناطق. القرآن الكريم وصف هذا المرض وأصحابه بجملة راقية ومثيرة للفكر " صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ".. أصحاب القلب الذي يسيطر عليه الشيطان، ويسكن هو إليه، لرفض أي تبعات يرتّبها العلم والفهم، هم بشر اختاروا بإرادتهم الحرة اِتباع الظلام والجهل، وحواسهم السليمة ظاهرًا مقيّدة معطّلة، كأنّ لا وجود لها.
منذ لحظة الميلاد المباركة قبل 42 عامًا من اليوم، امتلك حزب الله تصورًا شاملًا جريئًا وعميقًا عن "يوم التحرير". وأبرز ما يضغط على العقل وقتها هو أن الحزب وضع، بشكل بسيط ومباشر، فكرة أن الأميركي هو الشيطان الأكبر، هو العدوّ الأصلي، وأن أي عمل يجب أن يتحمّل أولًا تبعة هذه الحقيقة المبدئية مستعدًا لدفع أثمانها الغالية، كانت صرخة كربلاء ولبيك يا حسين وعزة القضية وفورانها في قلوب رجال الله جلية ناطقة. بالنسبة إلى غيرهم؛ بدا هذا السياق كله حالمًا بأكثر ممّا تحتمل معادلاتهم المادية وحساباتهم وواقعهم الذي كان وقتذاك يدفع إلى القبول بالهزيمة والاستسلام، مع بقاء لبنان جبهةً عسكريةّ مفتوحة وحيدة أمام غابة من الأعداء والخونة.
من قلب الروح الواعية بقضية كربلاء وما تستلزمه من كلّ إنسان، كان خطاب سماحة السيد حسن نصر الله –حفظه الله - الأمين العام لحزب الله، يوم الأربعاء 17 تموز لمناسبة ختام المسيرة المركزية التي نظمها الحزب في المجلس العاشورائي المركزي. وضع لنا السيد خلاصة رحيق الفكرة الإيمانية السامية التي أرهقت كلّ طاغية وكسرت كلّ سيف، وفسّر لنا إجابة سؤال كربلاء وهي أن الحق هو المطلوب في ذاته، وإن ما يبذله الفرد المؤمن من تضحية ومن ولاء قادر على أن يكسر أعتى حصون الواقع المادي ويخترقها ويحطمها، كلّ مآلات "كربلاء" صدقًا هي وعد الله بالنصر، ليس هناك مجال فيها للاحتمالات والحظوظ.
منذ 8 تشرين الأول 2023، اليوم التالي لمعركة "طوفان الأقصى"، انخرط حزب الله في المعركة، فاتحًا أبواب جهنم على العدوّ الصهيوني، باذلًا المهج في سبيل نصرة قضية فلسطين المظلومة. وما كانت حسابات أي شخص ستصل إلى يقين بالنصر في هذا الوقت البعيد، كان من المتصور والمنطقي إن الكيان سيرد بوحشية وسيصبّ غضبه على جنوب لبنان، وتصريحات حكومته وقادة جيشه كانت تقول هذا بصراحة، إنهم ذاهبون إلى الحرب في لبنان، لكن اليوم السيد يخبرنا بالجديد الطارئ في مشهد "طوفان الأقصى".
سماحة السيد قال إن: "الكيان الصهيوني يعيش أسوأ أيامه منذ تأسيسه، ولأول مرة يتحدث الصهاينة عن خراب "الهيكل الثالث" بعد خراب "الهيكلين" السابقين عبر التاريخ"، "لأول مرة يتحدثون عن الانهيار وعن النهاية وعن الزوال وعن عقدة الثمانين التي تدل عليها شواهد كثيرة حقيقية وواقعية، لأول مرة تعاني "إسرائيل" في كلّ شيء، في جيشها، في أجهزتها الأمنية، في حكومتها، في أحزابها، في مجتمعها، في نسيجها الاجتماعي، في مهجريها، في الداخل، في هجرتها المعاكسة إلى الخارج، في أمنها، في اقتصادها، في ثقتها بنفسها، في ثقة شعبها بالبقاء فيها، في نظرة العالم كله لها، وهذا كله حصيلة هذا القتال وهذا الصمود في غزّة، في الضفّة، في جبهات الإسناد المتعددة".
وعن التهديد الصهيوني بالحرب، أورد سماحة السيد الأرقام من مصادر العدوّ الرسمية عن حقيقة أوضاعهم وفشلهم وخيبتهم، قال السيد: "على لسان رئيس حكومة العدوّ السابق لابيد، وهنا لا نتحدث عن وسائل إعلام العدوّ أو مصادر صحفية، هذا رئيس حزب كبير وكتلة كبيرة في ""الكنيست""، وهو يستند في ما أعلن إلى الإحصائيات الرسمية، هو لا يتحدث عن مجموع عدد الجرحى، كلّ من أصيب بالجراح، كلا، هو يتحدث عن الذين أصيبوا وخرجوا نهائيًّا من الخدمة، كان "الإسرائيلي" يقول قبل ذلك أنه 2000 و3000 و1500 و1700، الاعتراف الرسمي هؤلاء الذين خرجوا كلّيًّا من الخدمة 9254 عنصرًا"، بالإضافة إلى النقص الكبير في المعدات والأسلحة المختلفة، خصوصًا الدبابات، وأطلق سماحة السيد وعده الجديد إلى العدو: "إذا جاءت دباباتكم إلى لبنان وإلى جنوب لبنان لن تُعانوا نقصًا في الدبابات، لأنّه لن تبقى لكم دبابات".
مرة جديدة وخطاب آخر؛ يعيد لنا سماحة السيد حسن نصر الله وضع النقاط على الحروف، وتصويب رؤية البعض، في ظل حرب الجهل التي تخوضها أبواق عربية اللسان عبرية القلب والهوى، أن الإخلاص المتفاني للحق والاستعداد للتضحية في سبيله بكلّ شيء وأي شيء، هو أول درجة تكسب الإنسان والحياة قيمتهما وشرفهما، وأن قرار حزب الله بالانخراط في الحرب فور وقوعها، ورفض كلّ محاولات التهديد والوعيد ثبت أنها كانت الخيار الأصوب التي منعت فعلًا فكرة العدوان، وأن روحية الفداء التي أقبل عليها الحزب هي ما كانت في نهاية المدى صاحبة اليد الطولى في التأثير على الواقع، ولو كره الماديون والعملاء.
حزب اللهفلسطين المحتلةالكيان الصهيونيطوفان الأقصى
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024