آراء وتحليلات
نتنياهو أمام خيارات حرجة والمقاومة تملك زمام المبادرة
تصف أوساط مطّلعة الحديث المتداول عمّا يسمّى "حرب محدودة" أو "حرب متدحرجة" أو "حرب شاملة" أو "أيام قتالية" بأنه انسياق نحو رسم صورة لحالة ميدانية – سياسية أو تقدير لخطوة محدّدة في إطار مخطّط محضّر سلفًا في سياق وجهة الحرب. وقد تكون هذه الحالة مقترنة بظرف مستجدّ رأى فيه أصحاب القرار فرصة من أجل إحداث واقع ميداني قد يسهم في تغيير مسار التطوّرات الحاصلة على جبهات لبنان وفلسطين وسورية، خصوصًا بعد أن ألقت الجريمة التي ارتكبها الاحتلال بحق المدنيين في قرية مجدل شمس في الجولان المحتل بثقلها على وطأة هذه التطوّرات وسعي العدوّ لتوظيفها في سياق المواجهة.
وتضيف الأوساط نفسها أن ما يجري حاليًّا في قطاع غزّة من صمود أسطوري للمقاومة الفلسطينية أعجز الاحتلال عن تحقيق أهدافه، وتطوّر جبهة الإسناد التي ينفّذها حزب الله في جنوب لبنان وما أفرزته من تعديل على خارطة التوازنات العسكرية لصالح المقاومة، يندرج عمليًا في سياق الحرب الفعلية بتصنيفاتها المحدودة أو المتدحرجة أو الشاملة، وهي مستمرة بزخم متصاعد يقارب حد الانفجار في أي لحظة، سواء لجهة توسيع دائرة الاستهدافات ورفع مستوى ونوعية الأسلحة المستخدمة، أو لجهة الارتفاع المطرد في فاتورة الخسائر البشرية والمادية في كلا الجانبين، وهي حتّى الآن – بحسب الأوساط المطّلعة - في صالح جبهة المقاومة.
جريمة مجدل شمس توريط فاشل
ولكن كيف يمكن تظهير أرجحية كفّة الميزان لصالح المقاومة في ظل إصرار حكومة بنيامين نتنياهو على استمرار الحرب؟! وإلى أين يمكن أن تؤول الأمور في ظل التهديدات "الإسرائيلية" بتوسيع خارطة الاستهدافات في لبنان على خلفية استغلال جريمة مجدل شمس، لتشمل المرافق الحيوية والحساسة وكذلك المناطق الحاضنة لبيئة حزب الله أو التي تعدّ خزانًا للمقاومة كالضاحية الجنوبية؟! تجيب الأوساط المطّلعة أولًا بالتأكيد على أن سعي نتنياهو لإقحام قرية مجدل شمس في بازار الضغط الشعبي لإحراج حزب الله وإثارة الفتنة وتأليب الموحّدين الدروز على المقاومة قد لاقى فشلًا ذريعًا، فقد ارتكب العدوّ جريمته دون أن تجري دوائر التخطيط الصهيونية قراءة صحيحة لردود الفعل المتوقّعة من قبل أبناء مجدل شمس المعروفين بولائهم للمقاومة ورفضهم الانصهار في مجتمع الاحتلال، وهذا ما يدلّ على حجم الاهتزاز والتشوّش الحاصل لدى قيادة الاحتلال، وتقلّص الخيارات أمامها للتخفيف من وطأة المآزق التي سبّبها نتنياهو للمجتمع الصهيوني برمّته.
المواقف الوطنية أفشلت مؤامرة الفتنة
تضيف الأوساط نفسها أن حكومة نتنياهو تبدو اليوم عاجزة عن اتّخاذ القرارات التي تتماهى مع السقوف المرتفعة التي أطلقها مسؤولو العدوّ في تدمير لبنان أو استهداف بيروت وأن "حزب الله سيدفع ثمنًا غير مسبوق"، أو غيرها من التصريحات النارية غير المتوازنة وغير الواقعية، وهذا عائد لأسباب عديدة ناتجة عن تقدير الحسابات العسكرية فضلًا عن سوء قراءة المجريات الميدانية، وأهمها:
- إن المواقف التي صدرت عن أهالي مجدل شمس الذين طردوا مسؤولي العدوّ وعلى رأسهم نتنياهو من البلدة، وعن زعماء الدروز في الجولان ولبنان وأبرزهم وليد جنبلاط وطلال أرسلان، وعن المسؤولين في الدولة اللبنانية، أجهضت المسعى الفتنوي الصهيوني، وردّت كرة النار إلى معقل الاحتلال، وفضحت كذب الادّعاءات "الإسرائيلية" التي حمّلت حزب الله المسؤولية، ويؤكد هذا الأمر رفض العدوّ إجراء تحقيق دولي مستقل عما جرى، ومسارعته إلى إخفاء كلّ أثر يمكن أن يؤدي إلى كشف الحقيقة.
- بقطع النظر عن نوعية "الردّ" "الإسرائيلي" والردّ على "الردّ" من قبل المقاومة وحجمه ومستواه وبقعته الجغرافية، فإن الهاجس الأكبر لدى قيادة العدوّ يتمثّل في الأهداف التي ستسقط عليها صواريخ المقاومة، وهي حتمًا ستكون موجهة مباشرة إلى المواقع العسكرية و/أو التجمّعات التي تضم مستوطنين صهاينة، وهذا سينشئ أزمة من نوع جديد داخل مجتمع الاحتلال، فتبعًا للعنصرية المقيتة التي تطبع الذهنية الصهيونية، يرفض المستوطنون أن يكونوا أهدافًا للقتل ردًا على مقتل مواطنين سوريين دروز.
- الندّية غير المسبوقة التي تتّبعها قيادة حزب الله والمقاومة في التعاطي مع العدوّ وداعميه، فلم يسبق أن واجهت واشنطن وتل أبيب هذا المستوى من الإصرار والتحدّي السياسي والعسكري من أي طرف في العالم باستثناء محاور جبهة المقاومة، لذا سعى الأميركيون وتابعوهم للتوصل إلى هندسة ردود منضطبة لا تؤدي إلى امتداد شرارة الحرب نحو الإقليم وربما إلى ما هو أوسع منه، ولكن حزب الله فاقم الأزمة برفض إعطاء أي نوع من الضمانات حول حجم الردّ على أي عدوان "إسرائيلي" ومستواه ومدياته، ومرة جديدة ردّ كرة النار إلى معقل العدوّ وفق معادلة "الرد المتكافئ" أو "إذا بتوسّع منوسّع".
أمام ما سبق، قد يتّجه العدّو إلى الاستمرار في الأسلوب العدواني الذي يتّبعه حاليًّا مع زيادة وتيرة الاستهداف كمًّا ونوعًا ولكن ضمن حدود منضبطة لا تؤدي إلى استفزاز حزب الله، فنتنياهو يعلم تمامًا أن أي قرار أحمق بتوسيع دائرة الحرب لن يلقى التغطية الكاملة من واشنطن، ولن يدفعها إلى التورّط في حرب لا تريدها ولا تستطيع تقدير نتائجها الوخيمة على استقرار المنطقة، خصوصًا في ظل الأجواء المحمومة المرتبطة بالانتخابات الرئاسية الأميركية، ومن شأن هكذا قرار أن يدخل "إسرائيل" في نفق لا يعرف أحد مستقرّه أو منتهاه.
النصر صبر ساعة
يعلم الكون كلّه أن حزب الله، وكذلك جبهة المقاومة، لم يدخل معركة "طوفان الأقصى" في جبهة إسناده للمقاومة الفلسطينية في غزّة من باب ترف القتال المبنيّ على ردّة الفعل الآنية، بل دخلها من باب الإيمان والاعتقاد بأن الغرب وربيبته "إسرائيل" الغدة السرطانية لن يتوقفا عن ممارسة إرهابهما حتّى تحقيق أهدافهما التوسّعية بالسيطرة على المنطقة وأنظمتها ونهب ثرواتها، ومن هنا تكتسب هذه الجبهة أهميتها الاستراتيجية في رسم خارطة المنطقة الجيوسياسية، وهذا ما يعيه الأميركيون والصهاينة تمامًا بكافة تلاوينهم الحزبية والسياسية، فزمن الإملاءات وفرض القرارات قد ولّى، وعلى الرغم من عظم التضحيات إلا أن النصر ما هو إلا صبر ساعة، وما تؤشر له ملامح المرحلة يؤكد أن خط انهيار قوى الاحتلال والهيمنة آخذ بالانحدار وبتسارع غير مسبوق، ولن ينجلي غبار المعركة إلا بتسليم الغرب و"إسرائيل" بالواقع الذي تفرضه المقاومة.
الكيان الصهيونيبنيامين نتنياهو
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024