آراء وتحليلات
مشاريع استعمارية خلف حرب الإبادة في قطاع غزة
الكثير من مشاريع الهيمنة ترتدي أقنعة سياسية، والكثير من الحروب طالما اندلعت لأسباب معلنة تختلف كليًا عن أسبابها الحقيقية، وحروب الدول الاستعمارية وكياناتها الخادمة تنتمي لهذا النمط المخادع من الحروب والذرائع المختلقة الكاذبة.
أضاء سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على خطورة انتصار "إسرائيل"، في هذه المعركة، وهذا ينمّ عن وعي كامل بخطورة المشروع الاستعماري على دول المنطقة كلها، بما فيها من يتخاذل ويتقاعس عن المشاركة في نصرة فلسطين. وممّا لا شكّ فيه أن هناك أبعادًا للعدوان الصهيوني وحرب الإبادة في قطاع غزة، تتخطى نطاق القضاء على حماس أو توفير الأمن للكيان الصهيوني. وهذه الأبعاد تتعلق بمشاريع كبرى للطاقة وللمرات البحرية، ووفقًا لمصالح الدول المتواطئة مع العدوان يتحدد مدى الدعم المقدم للعدو وقدره.
بناء على ما تقدم؛ يمكن متابعة ملف هذه المصالح الكامنة وراء الحروب. ولعل "أنطونيو إيفانجيليستا"، والذي خدم في الشرطة الدولية التابعة للأمم المتحدة وفي "الإنتربول" ملحقًا في السفارة الإيطالية في عمان- الأردن، هو من ألقى الضوء على هذا الملف في كتاب له وفي العديد من الحوارات الصحفية. ومن أهم ما كشفه، نقلاً عن مصادر موثوقة، أن حرب الإبادة في غزة ممنهجة ومتعمّدة لتجريف غزة بهدف مشروع لا يريد أحد إلقاء الضوء عليه وهو "تطوير بحر غزة جنبًا إلى جنب مع استراتيجية اقتصادية أخرى تتضمن مشروعًا آخر، ما يسمى بقناة "بن غوريون"، التي سيجري تطويرها، حين تخترق قطاع غزة”.
هذه المعلومات في غاية الخطورة، وتفسّر الكثير من الممارسات ومواقف العديد من الدول، وهنا يمكن رصد بعض النقاط، بناء على التفاصيل المتاحة معلوماتيًا:
1- الملاحظ أنّ دولًا، مثل قبرص واليونان وإيطاليا، تتحالف مع العدو بدرجة تحالف بريطانيا وأميركا نفسها. مع تتبع الأسباب؛ نلاحظ أنّ الشركات الطاقة الكبرى، مثل "إيني" الإيطالية و"بريتش بتروليم"، حصلت على امتيازات كبرى للتنقيب في حقول البحر المتوسط التي يسيطر عليها الكيان الصهيوني، وكذلك الحال في مشروعات لربط خطوط الغاز، مثل مشروع "إيست ميد" مع قبرص واليونان مرورًا بإيطاليا وسعي شركة "أديسون" الإيطالية لتنفيذه. وأيضًا؛ هناك ظلال لتعاون دول أخرى مع الكيان المؤقت مثل كوريا الجنوبية وأذربيجان، يكمن وراءه امتيازات لشركات مثل "سوكار" الأذرية و"دانا بتروليوم" التابعة لشركة النفط الكورية.
2- يقول "أنطونيو إيفانجيليستا" إن تدمير الأنفاق في غزة هو عامل أساسي في بناء قناة "بن غوريون"، حيث ييسر الهدم من أعمال حفر هذه القناة.
3- مع تتبع المشاريع المختلفة لليوم التالي في غزة، نرى مشروعًا إماراتيًا يتجنّب تمامًا حركة حماس، ويعرض إرسال قوات إماراتية لتشكيل ائتلاف من قوى مختلفة. وهو مشروع يحظى بدعم أمريكي، وهو يعطي وجاهة لما تسرّب من تفاهمات "إسرائيلية"- إماراتية بشأن ميناء في غزة تموّله الإمارات.
هذه التفاهمات كشفها باحث "اسرائيلي"، قبل طرح المشروع الإماراتي، حين ألقى الضوء على مبادرة إنتاج الغاز البحري في غزة، والتي أُوقفت بسبب سيطرة حركة حماس على القطاع. وأوضح أنه: "إذا تولّت الإمارات الدور القيادي في بناء الميناء، فستطرد حماس وستفتح الطريق للمضي قدمًا في إنتاج الغاز، ودمج احتياطات غزة مع احتياطيات "إسرائيل" وقبرص. وهو يفسر، أيضًا، التعاون العسكري الذي سبق حتى اتفاقات "إبراهام" بين الإمارات و"إسرائيل" وقبرص واليونان وأميركا وبريطانيا في العام 2018، حين شاركت القوات الجوية الإماراتية إلى جانب هذه الدول في مناورات " إينيوهوس" في اليونان.
إذًا؛ هناك تعاون اقتصادي ضخم في مجال الطاقة ونهب لثروات غزة، والتي حدّدتها شركة المسح الجيولوجي منذ العام 2010 وأقرت بوجود آبار في هذا القسم من البحر المتوسط، فالمنطقة قائمة وعائمة على آبار من الغاز والنفط بشكل أساسي. وبحر غزة تحديدًا لديه ما يفوق 2.5 ترليون متر مكعّب من الغاز.
دخل نهب ثروات غزة نطاق التنفيذ العملي في مطلع شباط/فبراير الماضي، حين عادت قضية حقل غاز غزة إلى الأضواء عقب الإخطار القانوني الذي وجهه مكتب المحاماة الأميركي "فولي هوغ" -بالنيابة عن منظمات حقوقية فلسطينية- إلى عملاقة الطاقة الإيطالية "إيني" وشركات طاقة عالمية و"إسرائيلية" أخرى، وأنذرها بعدم المضي قدمًا في أنشطة التنقيب ببئر غزة البحري العائدة ملكيته إلى الشعب الفلسطيني وفقًا لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار للعام 1982 التي وقعت عليها دولة فلسطين سنة 2019.
إنّها معركة نهب استعماري؛ يكمن وراء قيادة أمريكا للعدوان وتواطؤ الغرب. وهناك دول تناطح المشروع من دون دعم للمقاومة مثل تركيا المستاءة من تراجع مصالحها في الطاقة في شرق المتوسط.. ودول تواجه المشروع الاستعماري بالتضحيات والدماء لتحرير الأرض وإعادة الحقوق..
المحزن أنّ هناك دولًا تصمت ولا تواجه؛ مثل مصر، مع أنّ مصالحها ستتأثر بخروج قناة السويس من مركزها العالمي وخروجها من تحالفات الطاقة وطمع العدو في أوطان بديلة لغزة في سيناء.
فلسطين المحتلةالكيان الصهيونيغزةالغاز
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024