معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

رسائل نصر الله تدوي في تل ابيب: خيارات متعذرة وأخرى مُكلفة
10/06/2019

رسائل نصر الله تدوي في تل ابيب: خيارات متعذرة وأخرى مُكلفة

جهاد حيدر
لماذا قررت قيادة العدو الرد على سماحة السيد؟ ولماذا أتى الرد على لسان رئيس الاستخبارات؟ وما هي الدلالات التي اتسم بها مضمون رده؟ وأي مؤشرات ينطوي عليها؟

لم يكن بامكان قادة العدو تجاهل مواقف سماحة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، خلال احتفال يوم القدس العالمي، ولم يكن تجاهلها مؤشراً على عدم تأثيرها. بل وجد العدو نفسه بين خيارين، اما التجاهل الذي يؤكد عمق التأثير، وبين التعليق الذي يكشف عن حقيقة راسخة بأن خيارات حزب الله وقدراته تحضر بقوة على طاولة القرار السياسي والامني في تل ابيب. وعن أن مواقف أمينه العام تربك الكثير من حسابات القيادة الاسرائيلية، إن لجهة تقدير مفاعيل الخيارات التي يتم دراستها، أو لدى محاولة استشراف ردود فعل حزب الله التي سبق أن قلبت الكثير من المخططات والرهانات والحسابات.

بلحاظ مضمون الرسائل المدوية التي وجهها سماحة السيد نصر الله، من المؤكد أنها خضعت لدراسة دقيقة من قبل مؤسسات التقدير والقرار في تل ابيب، خاصة وأنها أتت في سياق تهويل أميركي اسرائيلي على لبنان. وهي خطوة طبيعية لما يمثله حزب الله وأمينه العام في معادلات الصراع في المنطقة، وفي مواجهة التهديد الاسرائيلي المحدق بلبنان. وبدا من خلال كلام رئيس الاستخبارات العسكرية امان، اللواء تامير هايمن، أن القرار  النهائي الذي خلصت اليه مؤسسة التقدير والقرار، هو عدم تجاهل رسائل السيدنصر الله وضرورة احتواء مفاعيلها.

اما بخصوص اختيار رئيس الاستخبارات للرد على سماحة السيد، فهو يعود الى عدة اعتبارات من ضمنها أنه جهة مهنية ذات صلة بالقضايا المطروحة، وبهدف اضفاء طابع مهني على المواقف المضادة.

لم يقدم هايمن جديداً عندما أعلن أن الضغط الاميركي هو ما دفع حزب الله لاطلاق مواقفه بخصوص الصواريخ الدقيقة. خاصة وأنه اكتفى بهذا التوصيف مع أنه ينطوي بذاته على أكثر من رسالة ودلالة.

فهو يعني أن حزب الله لم يرضخ للضغوط الاميركية، ونجح في انتزاع كرة المسؤولية من أحضان المسؤولين اللبنانيين بعدما حاولت الادارة الاميركية الضغط عليهم بهذه القضية. وتصدَّر بنفسه الرد على الضغوط الاميركية.

الى ذلك، عطَّل حزب الله عبر المواقف التي أطلقها سماحته، الورقة الاسرائيلية التي كان يستند اليها الاميركي في ضغوطه. فحاول الضغط على القيادات الرسمية اللبنانية عبر القول لهم اما أن حزب الله يلبي مطالبه بخصوص ما يزعم من مصانع، واما أن اسرائيل ستهاجم نقاط محدَّدة على أساس مصانع.

يمكن التقدير أن مواقف المبعوث الاميركي ديفيد ساترفيلد الذي حمل راية الضغوط، استندت الى رهان يبدو أنه حضر بقوة في الحسابات السياسية والاستخبارية ، يقوم على مفهوم مفاده أنه ليس من مصلحة حزب الله، في الوقت الذي يواجه ضغوطا اميركية عليه وعلى ايران، فتح جبهة مع اسرائيل، التي ستكون مكلفة، سواء من موقع المبادرة، أو كرد الفعل على ضربات قد يشنها جيش العدو، وقابلة للاستيعاب (بنظر المسؤولين في تل أبيب)، تستهدف قدرات المقاومة الاستراتيجية.

ولا يبعد أن يشكل هذا التقدير أرضية ما ـ ولو من موقع نظري ـ لبلورة خيارات عملانية إسرائيلية تستهدف قدرات الحزب الاستراتيجية. كامتداد للضربات التي ينفذها العدو في سوريا.

المؤكد أن التزام السيد نصر الله العلني بالرد المباشر والقاسي ألغى إمكانية عدم الرد أو الرد الرمزي من دائرة الاحتمالات التي قد يفترض أنها حاضرة على طاولة القرار السياسي والأمني في تل أبيب. ونتيجة ذلك، باتت قيادة العدو تدرك أن أي تجاوز للخطوط التي رسمها حزب الله، يعني أنها ستتلقى ردوداً مؤلمة تستوجب منها، منذ الآن، تحديد ما هي خياراتها العملانية على قاعدة خطوتين إلى ثلاث خطوات إلى الأمام.

في ضوء ذلك، باتت إسرائيل أمام مروحة خيارات:

1 ــــ الامتناع عن أصل الاعتداء الذي يستوجب الرد الذي التزمه حزب الله.

2 ــــ المبادرة إلى الاعتداء وتلقي الرد الذي توعد به الحزب ثم الانكفاء.

3 ــــ المبادرة إلى الاعتداء والرد على الرد.

في السيناريو الأول، يكون العدو قد امتنع عن أي مغامرة عسكرية، ويكون حزب الله قد حقق هدفه الردعي.

في السيناريو الثاني، يكون العدو قد ارتدع في نهاية المطاف، لكن بعد اختبار جدية حزب الله عملياً. ويكون الحزب قد حقق هدفه الردعي مع ثمن مؤلم للعدو.

أما في السيناريو الثالث، فيكون العدو أمام خيار التدحرج نحو مواجهة أوسع. لكنه أقدم على الاعتداء الابتدائي، مع علمه بأن ذلك سيؤدي إلى مواجهة واسعة. ولكن هذ السيناريو بعيد جدا، لأن العدو يدرك حجم الاثمان التي سيدفعها.

في الخلاصة، من الواضح أن الرسائل المتبادلة بين حزب الله وكيان العدو، ومن ورائه واشنطن، كشفت حجم الردع الذي استطاع حزب الله أن فرضه ويكرسه على ارض الواقع. وأكدت مرة اخرى على حاجة لبنان الى القوة التي توفر له الامن والحماية من أي عدوان اسرائيلي. وأن حاجته الى المقاومة غير مرتبطة فقط باحتلال مساحات محددة من الارض اللبنانية، وانما ايضا من أجل حفظ أمنه وثرواته وحقه في بناء وتطوير قدراته الدفاعية... فضلا عن وجوده.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات