آراء وتحليلات
من يحكم قبضته على الكيان الصهيوني؟
إن الحديث عن سياسة وزير المال الصهيوني "بتسلئيل سموتريتش" يعبر عمّا وراء القراءة في ”اعرف عدوك“، إنه يمثل سياسة النظام الصهيوني المستجد. ومن يراقب أحداث الضفة الغربية، من احتلال للأراضي وقلع لأشجار الزيتون والحمضيات التي تعتبر أهم مصادر عيش الفلسطينيين، وطردهم المنظّم من أراضيهم، وزجهم في السجون والاعتداء عليهم فيها، وبناء المستوطنات الجديدة ما بين المستوطنات القديمة وما بين المدن الفلسطينية، يمكنه أن يفهم أن هذا استيلاء، وليس احتلال فقط. الضفة الغربية، بالنسبة للصهاينة المحتلين، هي "يهوذا والسامرة"، ولذلك فهي تمتلئ بقطعان المستوطنين المدججين بالسلاح والكارهين لجميع "الغوييم" في فلسطين، وأولهم "بتسلئيل سموتريتش".
"سموتريتش" ابن الحاخام المتعصب، "حاييم يروحام"، يهودي أوكراني قادم من مدينة صغيرة اسمها "سموتريتش"، إحدى مدن ممالك الخزر القديمة، وإليها تنتسب عائلته. يتحدث اللغة "الإشكنازية"، لغة مملكة الخزر، فهو درس في المعاهد الدينية "الإشكنازية" في القدس المحتلة، واليهود "الإشكناز"، هم آباء الحركة الصهيونية، وواضعو تعاليم كتاب "حكماء بني صهيون"، وهم من يحكمون الدولة الصهيونية منذ بداية تأسيسها وحتى اليوم.
يعد "سموتريتش" شخصية عنصرية صاعدة هدفها وصول أذرعه بهدوء لإدارة سياسة الكيان الصهيوني الجديدة. ولكي يصل لـ"الكنيست" خلال الانتخابات الأخيرة في العام 2022، توقف عن مهاجمة تجمع الشاذين جنسياً ليكسب دعمهم وتأييدهم، فدخل حزبه "الكنيست" بسبعة مقاعد.
ما نشهده في الضفة الغربية، تقوم به الحكومة الصهيونية بعيداً عن الإعلام العالمي المشغول بأحداث غزة، فجيش الكيان يمارس العقاب والقتل الجماعيَّين، ويستخدم الأسلوب ذاته في مخيماتها. إذ يستهدف البنى التحتية ويقصف ويجرف الشوارع فيها. فمخيمات الضفة تتصدر المشهد المقاوم بامتياز. وما شهدناه يوم الجمعة من اقتحام لمخيم طولكرم يعد مثالاً عمّا يحدث في باقي المخيمات. وبحسب "تلفزيون فلسطين"، فقد أظهرت كاميرات المراقبة اقتحام "سموتريتش" مع مجموعة من المستعمرين قرية "المالحة" شرق بيت لحم الأحد الماضي. وبات واضحاً أن الصهاينة يصعدون في غزة ويماطلون باتفاق وقف إطلاق النار فيها، مستغلين إراقة الدم الفلسطيني فيها من أجل سفك المزيد من الدماء في الضفة الغربية والدفع بأهلها نحو التهجير، هذه المماطلة بدت واضحة في كلام لرئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، قال فيه إن قرار الاتفاق "سياسي" ويتعلق به فقط، ما يؤكد أنه العقبة الأساسية أمام اتفاق تبادل الأسرى الصهاينة الـ115.
سعى "سموتريتش" منذ وصوله إلى "الكنيست" الصهيوني لاستلام إحدى أهم ثلاث وزارات مؤثرة في استمرار عمليات الاستيطان في الكيان الصهيوني، وهي "المالية" و"العدل" و"الشتات". وتحقق حلمه في العام 2022 فأصبح وزيرًا للمالية. وتم بدعمه وبمجموعة "ائتلاف الأحزاب" التي قام بتشكيلها هندسة ما يسمى بمشروع "قانون المعقولية" الذي يحد من قدرة المحاكم على وقف القوانين والقرارات التي تتخذها الحكومة، ويعطيها السلطة المطلقة. وأظهرت نتائج القانون الذي أقر في "الكنيست" على الرغم من رفض المعارضين له، أن نتنياهو بمعارضته أي اتفاق مع الفلسطينيين بات يتصرف كديكتاتور خاضع لقرار اثنين من أفراد حكومته، واللذين إذا خرجا منها ”فرطت“، وهما "إيتمار بن غفير"، المندفع، و"بتسلئيل سموتريتش" الصامت كـ"حية التبن".
منذ اللحظة التي جرت فيها عملية تبادل الأسرى الصهاينة في أيار/مايو الماضي، ساد الحديث عن طريقة تعامل "حماس" الإنساني معهم. وهذا ما يتعارض مع مشروع "سموتريتش" الذي ينشر في الضفة الغربية الكراهية ضد الفلسطينيين وينادي بمشروعية قتلهم وطردهم من الضفة من أجل إعادة السيطرة التامة عليها. وأي إتفاق آخر سيقوم بتعزيز الصورة الإنسانية للفلسطينيين، حينئذ سيتم تعزيز إظهار وجه المقاومة الفلسطينية، و"حماس" تحديداً، على أنها قوة مقاومة ولديها معايير إنسانية تعمل ضمن إطارها. وهذا ما سيعرقل خطط "سموتريتش" الرامية إلى إنهاء نتنياهو و"الليكود" كآخر معاقل العلمانيين الصهاينة. و"الليكود"، بالتأكيد أكثر يسارية من باقي الأحزاب التي عمل "سموتريتش" بدهاء على جمعها لتصبح قوة سياسية واحدة.
ابتدأ "سموتريتش" العمل السياسي من خلال والده الذي نشط مع حزب "تكوما" [الاتحاد الوطني]، خلال نشأته في مستعمرة "بيت إيل" في الضفة الغربية، وهو يعتنق كأباه وكمتطرف نظرية "نقاء العرق اليهودي" داخل فلسطين من النهر إلى البحر، ويؤمن بأن "التوراة" يجب أن تكون مصدر التشريع. وقد استطاع في آب/أوغسطس العام 2023، قبل شهرين من عملية "طوفان الأقصى"، إقناع حزب "البيت اليهودي" بحل نفسه وجمع عدة أحزاب وتيارات يمينية متطرفة تحت قيادته باسم "الحزب الديني القومي" مما مكّنه من جمع هذه القوى المتطرفة تحت قيادته.
أهم ما يمثله "سموتريتش" هو الكراهية التي تكنها المجموعات في الكيان لبعضها بعضاً، وحتى داخل مجموعة "الأشكناز" الواحدة. فـ"سموتريتش" ولد في مستعمرة "حسبين" في الجولان المحتل، وهي تضم كباقي المستوطنات محدودي الدخل من "الأشكناز" الذين يشعرون بالكراهية للأغنياء قاطني المدن الساحلية. فالحقد دفين على هؤلاء الأغنياء العلمانيين، لذلك يعمل "سموتريتش" منذ دخوله المعترك السياسي على إنهاء النظام السياسي العلماني القديم، والذي انتهى فعلياً في العام 2000 وتحديدًا منذ تبوء إيهود أولمرت رئاسة حكومة العدو، والذي مثّل حالة انتقالية حقيقية باتجاه طغيان الجماعات المتطرفة والمتعصبة على السلطة.
يعيش "سموتريتش" في بيت خارج إطار مستعمرة "كيدوميم" التنظيمي، وهو ضد محدودية الاستيطان، ولا يستطيع أن يرى الفلسطيني كصاحب دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد كتب على منصة "أكس" منذ أيام فقط: "الجمهور الإسرائيلي بأغلبيته الساحقة يدرك جيداً أن إقامة دولة فلسطينية في الضفة من شأنه تعريضنا للخطر". وأكد:"سأحارب بكل قوتي خطر إقامة دولة فلسطينية، ومن أجل دولة إسرائيل ومواطنيها سأواصل عبر صلاحياتي تطوير الاستيطان وتعزيز الأمن". وبرأيه أن ذلك ممكن التحقيق عبر توسيع الاستيطان مما سيقوض حرية عمل المقاومة الفلسطينية.
"سموتريتش" الذي وصل إلى "الكنيست" في العام 2015، مدير لجمعية "رغافيم" العنصرية والتي تلاحق الفلسطينيين في الضفة وتحث السلطات الحكومية على استصدار أوامر لهدم البيوت العربية بحجة أنها أبنية غير مرخصة على جميع الأراضي الفلسطينية بما فيها النقب.. يرى أنه لا يمكن للفلسطينيين العيش في فلسطين إلا إذا قبلوا أن يكونوا تحت السيادة الصهيونية، ولذلك يرى أن أمامهم اختيار أحد طريقين إما الإذعان وإما الموت أو المغادرة. ومهما يكن من أمر، فالحديث في نهاية الأمر للميدان، وخيار الفلسطينيين معروف: الصمود والانتفاضة ثم المقاومة حتى النصر.
فلسطين المحتلةالكيان الصهيونيغزةبنيامين نتنياهو
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
19/11/2024