آراء وتحليلات
حينما يكون المرجع السيستاني في دائرة الاستهداف الصهيوني
من غير الممكن المرور على قيام الكيان الصهيوني بإدراج اسم المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد علي السيستاني، في قائمة الشخصيات التي ينوي تصفيتها، مرورًا عابرًا، وكأنّ الأمر حدث عادي، حاله حال الكثير من الوقائع والأحداث التي تعج بها الساحتان الإقليمية والدولية.
في هذا الصدد؛ وحتى تتضح طبيعة ذلك الاستهداف وأهدافه وخلفياته، لا بدّ من التوقف عند مصدره، وعند حجم الشخصية المستهدفة وتأثيرها وحضورها، وتوقيت الاستهداف، ثم الأهداف المرجوة من ورائه.
في ما يتعلق بمصدر الاستهداف؛ فهو القناة 14 "الإسرائيلية"، والتي تعدّ الصوت المعبّر عن توجهات وسياسات اليمين الصهيوني العنصري. وهي تعدّ من أبرز وسائل الإعلام الصهيونية المدافعة عن مجمل جرائم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وفريقه الحكومي، وخصوصًا ما يتعلق بحربه العدوانية على غزة ولبنان. هذا فضلًا عن أن وسيلة إعلامية من هذا القبيل، وفي ظل الظروف الراهنة، لا بدّ أن تدار من جهات وشخصيات قريبة جدًا من مركز القرار، وتعمل وفقًا لسياقات دقيقة ومحددة.
كما لأنه ربما لم يكن متوقعًا أن تكون حجم ردود الأفعال العراقية الغاضبة بذلك المستوى، أقدمت القناة المذكورة على بث تغطيات حاولت من خلالها التقليل من أهمية ما أقدمت عليه، والادعاء بأنّ إظهار صورة السيد السيستاني كونه إحدى الشخصيات المراد تصفيتها، كان أمرًا عفويًا غير مخطط له، قام به موظف فني عادي، حيث نقلت عن مسؤول القسم المرئي فيها، قوله: "إنّ مصمم الغرافيك وأنا اخترنا الصور عشوائيًا، فلدينا الكثير من العمل والتغطيات خلال هذه المرحلة"!. وفوق ذلك ادعى المذيع: "أن القناة مجرد وسيلة إعلامية، وليست مؤسسة عسكرية أو تدير الدولة لتقرر من ستسهدفه أم لا"!.
لعلّ هذا الكلام التضليلي والتسويغ الساذج، لم يقنع حتى بعض المحللين "الإسرائيليين" أنفسهم، والذين استضافتهم القناة، فضلاً عن التصور والفهم العام بأنّ تعقيدات الظروف الراهنة ومخاطرها لا تحتمل تصرفات واجتهادات فردية تمس شخصيات دينية عالمية يتبعها عشرات الملايين من مختلف انحاء العالم.
أمّا في ما يتعلق بطبيعة الشخصية المستهدفة، فلا يخفى على الكثيرين أن السيد السيستاني يعدّ منذ حوالي ثلاثة عقود من الزمن من أبرز وأهم المرجعيات والزعامات الدينية في عموم العالم الإسلامي، وعند المكوّن الشيعي، على وجه الخصوص. إذ بعد الإطاحة بنظام "صدام حسين" وخضوع العراق للاحتلال الأميركي، في ربيع العام 2003، كان للمرجع السيستاني دور محوري في وضع أسس ولبنات النظام السياسي الجديد، خلافًا للرغبات والاجندات والمخططات الأميركية، وفيما بعد، كان له دور مماثل في درء الفتنة الطائفية وتجنيب البلاد السقوط في مستنقع الحرب الداخلية، على أثر قيام تنظيم "القاعدة" الإرهابي بتفجير مرقد الإمامين العسكريين (ع) في مدينة سامراء، في شهر شباط-فبراير من العام 2006.
كما؛ في صيف العام 2014، كان لفتوى الجهاد الكفائي التي أصدرها المرجع السيستاني الأثر الحاسم في التصدي لتنظيم "داعش" الإرهابي ودحره خلال أعوام قلائل، فيما كانت الدوائر الأميركية والغربية والصهيونية تروج بأن القضاء على ذلك التنظيم قد يستغرق ثلاثين عامًا!.. وعلى مدى أعوام طويلة، فشلت الإدارات الأميركية المتعاقبة في التواصل مع السيد السيستاني، الذي عدّ التعامل مع الاحتلال الأميركي خطًا أحمر.
ممّا لا شكّ فيه أن هذا التوجه المبدئي للمرجع السيستاني، والذي ينطلق من الثوابت الدينية الشرعية والتقدير الدقيق والحرص العالي على مصالح الأمة، مثّل استمرارًا وتعزيزًا لتوجهات مختلف مراجع الدين السابقين والحاليين في التعاطي مع المحتل وفي الدفاع عن قضايا المسلمين ومحاربة اعدائهم. مثل المرجع السيد محسن الحكيم والسيد أبو الحسن الإصفهاني والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والسيد الشهيد محمد باقر الصدر، والسيد أبو القاسم الخوئي والإمامين الخميني والسيد علي الخامنئي.
لقد تجلّى ذلك التوجه، خلال الحرب العدوانية للكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وكذلك الشعب اللبناني. إذ منذ الأيام الاولى للحرب قبل عام، أوضح المرجع السيستاني موقفه المندّد بالكيان الصهيوني وجرائمه المروّعة، والداعم بالوسائل كلها للشعب الفلسطيني. وكان موقفه بالوضوح نفسه حيال مجازر الكيان الغاصب ضد الشعب اللبناني، والتي وصلت إلى استهداف كبار قيادات المقاومة هناك، وفي مقدمتهم الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصر الله. ولا يمكن لأحد أن ينكر أو يتجاهل التأثير والأثر الكبير لنداء المرجع السيستاني، والصادر في الثالث والعشرين من شهر ايلول/سبتمبر الماضي، بمساعدة الشعب اللبناني بالسبل والوسائل المتاحة كلها.
بعبارة أخرى، لقد صعّدت كل تلك المواقف والتوجهات عقيرة الكيان الصهيوني الغاصب لوضع المرجع السيستاني في جدول جرائمه ومجازره. وهذا لم يك بالأمر الغريب؛ لأنه في الواقع يندرج في سياق المؤامرات والمخططات الأميركية-الصهيونية لتصفية القيادات والزعامات الدينية والسياسية المؤثرة والفاعلة في العالم الإسلامي، وفي دول محور المقاومة تحديدًا. وإن أي استهداف للمرجع الكبير لا يبتعد عن سلسلة طويلة من جرائم واشنطن و"تل ابيب"، ومن يساندهم ويقف ورائهم من القوى الغربية والإقليمية.
لذلك؛ يمكن أن نفهم وندرك سرّ توقيت وضع الكيان الصهيوني اسم آية الله العظمى السيد علي السيستاني في بنك الأهداف الإجرامية في هذه المرحلة تحديدًا. فهذا الكيان، كان وما يزال وسيبقى يستهدف ويلاحق من يوجه له الضربات القاصمة، ومن يسهم بإضعافه ومحاصرته وعزله. وبيد أنه غالبًا ما كان يخطئ في حساباته وتقديراته، ليتكبد المزيد من الخسائر والخيبات، ويتعرض للمزيد من الهزائم والانكسارات، وهذه المرة بان واتضح ذلك سريعًا، من دون الكثير من الانتظار والتأخير.
العراقآية الله العظمى السيد علي السيستانيإعلام العدو
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
19/11/2024