آراء وتحليلات
الاعتداء على اليونيفيل.. مجتمع دولي عاجز عن حماية نفسه كيف سيحمينا؟!
"وشهد شاهد من أهلها"، وبقّ المتحدث باسم قوات "اليونيفيل" في لبنان اندريا تيننتي بحصة الحقيقة، حين أعلن أن جيش الاحتلال "الإسرائيلي" طلب ابتعاد هذه القوات عن الخط الأزرق وانسحابها لمسافة خمسة كيلومترات شمالًا داخل الأراضي اللبنانية. والمضحك في الامر أن تيننتي الذي رأى في الاعتداء الصهيوني "تطورًا خطيرًا" شدّد على وجوب "ضمان إسرائيل لسلامة القوات الدولية في لبنان، وضرورة انتشار الجيش اللبناني في الجنوب".
قد يبدو الطلب "الإسرائيلي" عاديًا في الشكل؛ نظرًا إلى اعتياد العدو على ضرب قرارات المنظمات الدولية والمواثيق القانونية والأعراف الإنسانية عرض الحائط، ولعدم احترامه في الأساس لأي قرار أو إجراء صادر عما يسمّى "الجمعية العامة للأمم المتحدة" إلا إذا كان الأمر لمصلحته. وما يزال كلنا يذكر قبل مدة قصيرة حين قام المندوب الصهيوني في هذه الجمعية العرجاء بتمزيق ميثاقها على منبرها، وعلى مرأى من مندوبي دول العالم كله، من دون أن ينبس أحد ببنت شفة معترضًا، فضلًا عن منع الأمين العام نفسه من دخول فلسطين المحتلة وتصنيفه رجلًا "غير مرغوب به".
لكن أن يأتي هذا الطلب في خضم المواجهة المشتعلة على جبهة الحدود اللبنانية - الفلسطينية فهو يستبطن جملة مؤشرات، خصوصًا مع ما سبقه وتلاه من سلسلة اعتداءات "إسرائيلية" مباشرة طالت مراكز "اليونيفيل"، وتسببت بأضرار جسيمة، فضلًا عن سقوط إصابات في عديد هذه القوات الذي يبلغ قرابة العشرة آلاف جندي.
من أهم هذه المؤشرات:
١- استخدام العدو لعناصر "اليونيفيل" دروعًا بشرية ولمراكزها دشم حماية سعيًا لاستدراج المقاومة لضربها ثم اتهامها بالاعتداء على القوات الدولية، وقد فشل هذا المسعى بفضل حنكة المقاومين.
٢- لجوء العدو إلى استهداف عناصر "اليونيفيل" ومراكزها لاستفزاز هذه القوات وعقابًا لها؛ لأنها لم تتجاوب مع "الأوامر" "الإسرائيلية"، وثانيًا لاظهارها بموقع العجز عن التصرف الميداني في ردع المقاومة. وهو الذي كان يسعى كي تشكّل هذه القوات فصيلًا متقدّمًا له في مواجهة المقاومة، ولا يبعد أن يكون الهدف توريط "اليونيفيل" وإقحامها في دور حربي نأت عنه لسنوات طويلة.
٣- ممارسة الضغط على الأمم المتحدة لسحب هذه القوات واستبدالها بقوات متعددة الجنسيات تضطلع بدور يتجاوز تعداد الخروقات باتجاه القيام بمهمة حماية "إسرائيل" من جهة، وفرض حصار على المقاومة وبيئتها في منطقة جنوبي الليطاني وفقًا للتفسير "الإسرائيلي" للقرار ١٧٠١.
٤- الإمعان في تحدّي القرار الدولي وإبلاغ الجميع بأن "إسرائيل" خارجة عن نطاق الالتزام بأي ضوابط متسلّحة في ذلك بالحماية الأمريكية. وسبق أن أعرب مفوض السياسة الخارجية الاوروبية جوزيب بوريل عن أسفه "لعدم وجود أي قوة، بما في ذلك الولايات المتحدة، قادرة على وقف بنيامين نتنياهو"، وهذا إقرار صريح بسقوط المنظومة الدولية أمام الإرهاب الصهيوني بدعم أمريكي.
على الرغم من إعلان العديد من الدول العربية والغربية إدانتها للاعتداء على "اليونيفيل"، إلا أن الفزاعة الأمريكية كفيلة بإبقاء هذه المواقف حبرًا على ورق بلا أي ترجمة ردعية، ويكفي استحضار المجزرة المروّعة التي ارتكبها الاحتلال بحق المدنيين اللبنانيين الذين لجأوا إلى مقر "اليونيفيل" في قانا خلال عدوان نيسان في العام ١٩٩٦، لنتأكد بأن الكيان الصهيوني هو بالفعل خارج على دائرة الحق الإنساني حتى لو ارتدى هذا الحق الثوب الأزرق وانضوى تحت راية منظومة دولية لا تملك سوى الاستسلام أمام الإرهاب الأمريكي.
يبقى المؤشر الأهم في هذا السياق أن "الإسرائيلي" أسقط دون أن يدري مقولة السياديين في لبنان المروّجين لمطلب العدو بنزع سلاح المقاومة بأنّ: "المجتمع الدولي ضمانة لبنان وهو الذي يحمينا وقرارات الأمم المتحدة كفيلة باسترجاع حقوقنا"، فأين ضمانة المجتمع الدولي!؟ هل تجرأ على أن يلزم "إسرائيل" باحترام قراراته وتطبيقها في لبنان وفلسطين وسوريا!؟ هل أمّن هذا المجتمع الحماية للشعب الفلسطيني الذين احتموا في مراكز الأمم المتحدة في قطاع غزة؟! هل استطاع منع العدو من قتل العاملين في منظمات الإغاثة الدولية وفك الحصار عنها؟! كيف سيحمينا هذا "المجتمع الدولي" وهو عاجز عن حماية نفسه!؟
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
19/11/2024