نصر من الله

آراء وتحليلات

فك شيفرة لغز سرقة المساعدات في غزة؟
05/12/2024

فك شيفرة لغز سرقة المساعدات في غزة؟

لا يختلف اثنان على أن سياسة حصار وتجويع المدنيين هي جريمة حرب مكتملة الأركان، ولكن الأمور تزداد خسة وجرماً مع الكيان الصهيوني الذي يتظاهر بإدخال مساعدات إنسانية بيد، ويتعاون مع عصابات من اللصوص والإرهابيين لسرقتها باليد الأخرى، كما يتضح من خلال محاولة "فك شيفرة" هذا اللغز المحيّر. 

ومؤخراً، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، أنها أوقفت تسليم المساعدات من خلال معبر كرم أبو سالم بين "إسرائيل" وقطاع غزة، عقب نهب شاحنات المساعدات.

وكشف فيليب لازاريني، المدير العام للوكالة، في منشور عبر منصة "إكس" السبب نصًا: "لم يكن طريق الخروج من هذا المعبر آمنًا منذ أشهر. في 16 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، سرقت عصابات مسلحة قافلة كبيرة من شاحنات المساعدات. وبالأمس، حاولنا إدخال عدد قليل من شاحنات الغذاء عبر الطريق نفسها. ولكنها سُرقت جميعها".

والأمر الأكثر إيلامًا هو أن تقارير متواترة تفيد بضلوع دولة من المفترض أنها عربية وإسلامية مثل الإمارات في هذه الجريمة عبر تنسيق ورعاية هكذا عصابات إجرامية، كجزء من دورها في مساعدة العدو الإسرائيلي لترتيب ما يعرف باليوم التالي في غزة والخالي من المقاومة كما يتوهم العدو ومن يتواطأ معه من الأنظمة العربية وبرعاية أمريكية كاملة، تحاول هندسة هذا المشروع الشيطاني.

وهذه الجريمة، وبالأحرى، الفضيحة، كشفتها تقارير منظمات دولية وإغاثية ونشرت في مذكرات داخلية للأمم المتحدة، وتحدثت عنها وسائل إعلام كبرى مثل بي بي سي، وتم تداولها في صحف أمريكية كبرى وصحف صهيونية.

وتُجمع هذه التقارير على أن جيش الحرب "الإسرائيلي" يغض الطرف ويسهل عمل عصابات مسلحة لسرقة شاحنات المساعدات في مناطق سيطرته في قطاع غزة وهو ما قد يعد "جزءًا من سياسة تجويع سكان غزة"، وفقاً لتقرير شبكة "بي بي سي" الإعلامية.

وسبق أن أفادت تسع وعشرون منظمة دولية غير حكومية، في تقرير، بأن الجيش "الإسرائيلي" يشجع على نهب المساعدات الإنسانية في قطاع غزة عن طريق مهاجمته قوة "سهم"، وهي قوة تنفيذية خاصة داخل حركة "حماس"، والتي تشن حملة أمنية لمطاردة اللصوص وتأمين دخول المساعدات للشعب الفلسطيني المحاصر.

كما نقل تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" أن مذكرة داخلية للأمم المتحدة أشارت إلى أن عصابات سرقة المساعدات في غزة "تستفيد من تساهل - إن لم يكن حماية - الجيش الإسرائيلي"، وأن قائد عصابة أنشأ ما يشبه قاعدة عسكرية في منطقة سيطرة للجيش "الإسرائيلي".

وهذا القائد الذي لم تذكر "واشنطن بوست" اسمه، كشفت هويته تقارير أخرى، حيث نقلت هذه التقارير عن مصادر دبلوماسية متعددة، خفايا علاقات دولة الإمارات و"إسرائيل" مع موالين لتنظيم "داعش" في غزة وتغذيتهما أعمال بلطجة وفوضى ممنهجة بهدف تقويض النظام المدني في القطاع وزيادة نفوذهما عبر نهب شاحنات الإمدادات الإنسانية.

وأجمعت هذه التقارير على أن سلطات الإمارات استعانت منذ أشهر بعدد من البلطجية الموالين لتنظيم "داعش" سواء تنظيمياً أو فكرياً، وعلى رأسهم المدعو "ياسر أبو شباب" لتحقيق خطط أبو ظبي والكيان في فرض ترتيبات اليوم التالي للحرب.

وبحسب هذه المصادر فإن "أبو شباب"، وهو من أشد الموالين لتنظيم "داعش" في غزة، عقد عدة مباحثات هاتفية مع ضباط إماراتيين وآخرين من جهاز الأمن العام "الإسرائيلي" "الشاباك" من أجل توجيه أنشطته الإجرامية إلى نهب قوافل المساعدات ودعمه من أبو ظبي بما يحتاجه من مال وعتاد عسكري.

ولم يقتصر الأمر على الصحيفة الأمريكية، بل وصلت القضية للصحف الصهيونية مثل صحيفة "هآرتس" التي نقلت عن مصادر في منظمات الإغاثة الدولية العاملة في غزة، أن "المسلحين المرتبطين بعشيرتين معروفتين في منطقة رفح، يقومون بعرقلة جزء كبير من الشاحنات التي تدخل القطاع عبر معبر كرم أبو سالم، بطريقة ممنهجة، ومن خلال تحويل مسارها بشكل متعمد".

ولم تكن الاتهامات للعدو "الإسرائيلي" جزافية، بل جاءت بناء على رصد للاتصالات، كما أفاد مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، والذي كشف  أن غالب العصابات تعمل بالتنسيق مع "إسرائيل"، وأن الأجهزة الأمنية رصدت اتصالات بين عصابات اللصوص وقوات الجيش "الإسرائيلي"، من أجل الحصول على تغطية أعمال النهب، كما أنهم تلقوا توجيهات مهام، وتوفير غطاء أمني، وأن "إسرائيل" تزود اللصوص بخريطة وموقع تحرك شاحنات المساعدات وأنواعها وموعدها، من أجل السطو عليها وسرقتها تحت نظر الطيران الإسرائيلي.

وهذه التقارير منشورة وربما بحاجة لنفي إماراتي لو أرادت الإمارات نفي ذلك، إلا أن ما لم تستطع الإمارات نفيه، هو التعاون مع الكيان في ترتيبات "اليوم التالي" والتي كشفتها رسمياً وسائل إعلام غربية باستضافة الإمارات لاجتماعات صهيونية أمريكية لمناقشة أوضاع غزة بعد الحرب وتقديم خطط لاقت استحسان نتنياهو ووافق عليها غالانت، وهو ما وصفته بدقة صحيفة "jewish press"، عندما قالت، إن الإمارات " تشتري مقعداً على الطاولة لليوم التالي للحرب، حيث ستكون أجندتها هي تنصيب الرئيس السابق لأجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، محمد دحلان، محافظاً لغزة، ربما كخطوة أولى في وضعه رئيساً للسلطة الفلسطينية بعد محمود عباس".

وقضية دحلان الذي يعمل مستشاراً لرئيس دولة الإمارات لأكثر من 12 عاماً، طرحتها أيضاً القناة 12 "N12" العبرية التي كشفت أن الأجهزة الأمنية "الإسرائيلية" أجرت مؤخراً مناقشات حول إمكانية تولي محمد دحلان، المسؤول الكبير السابق في حركة فتح، مقاليد السلطة في غزة بعد الحرب، والذي وضع نفسه خلال الحرب كمشرف على المساعدات الإماراتية المهمة لغزة.

وحدد دحلان بنفسه الخطوط العريضة للحل ـ من وجهة نظره ـ في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، والمتمثلة في خطة تقوم بموجبها "إسرائيل" وحماس بتسليم السلطة إلى ما وصفه بزعيم فلسطيني جديد ومستقل يمكنه إعادة بناء غزة تحت حماية قوة حفظ سلام عربية.

وقال دحلان، بحسب الصحيفة الأمريكية، إنه في حين تواجه هذه الخطط تحديات كبيرة، فإن زعماء مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة منفتحون على دعم العمليات التي تشكل جزءًا من الجهود التي تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية.

وهذا التصريح يتسق مع تقرير "أكسيوس" الذي نشر خبر استضافة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد لاجتماع إماراتي أمريكي صهيوني، استعرض مقترحاً إماراتياً جاء في مقال للرأي كتبته المبعوثة الإماراتية للأمم المتحدة لانا نسيبة، والتي دعت إلى نشر بعثة دولية مؤقتة في غزة، وقالت إن هذه البعثة ستستجيب للأزمة الإنسانية، وترسي القانون والنظام، وتضع الأساس للحكم.

وقد صرحت الإمارات بأنها مستعدة لأن تكون جزءًا من هذه القوة، وبالمقابل فقد رحب نتنياهو بإرسال الإمارات قوات، وأعرب عن رغبته في أن تدفع الإمارات تكاليف إعادة الإعمار وإصلاح نظام التعليم في غزة من أجل "إزالة التطرف" من السكان.

هذا هو الدور العربي الخفي وراء الكواليس، والذي تشكل الإمارات نموذجاً منه، وما خفي عنها وعن غيرها أكثر، فلم يكن للعدو أن يتجرأ ولا لأميركا أن تَفجُر في نفاقها بهذه الصورة لولا هذا التواطؤ الذي تقف المقاومة ومحورها بوجهه لأكثر من عام في صمود أسطوري.

الإمارات العربية المتحدةغزةالجيش الاسرائيلي

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة
مقتل حاخام صهيوني في الإمارات
مقتل حاخام صهيوني في الإمارات
غزة محاصرة والإمارات تنقذ مؤسسات "إسرائيلية" من الإفلاس
غزة محاصرة والإمارات تنقذ مؤسسات "إسرائيلية" من الإفلاس
هذا ما طرحه الإماراتيون على الأميركيين والصهاينة لليوم التالي في غزة
هذا ما طرحه الإماراتيون على الأميركيين والصهاينة لليوم التالي في غزة
لقاء سري بين العدو والأميركيين والإماراتيين: خطة اليوم التالي في الصدارة
لقاء سري بين العدو والأميركيين والإماراتيين: خطة اليوم التالي في الصدارة
مساعٍ "اسرائيلية" لحثّ الإمارات على المشاركة في خطة "اليوم التالي" في غزة‎
مساعٍ "اسرائيلية" لحثّ الإمارات على المشاركة في خطة "اليوم التالي" في غزة‎
العدوان على غزّة.. قصف "إسرائيلي" مستمر واستهداف لمستشفيات شمال القطاع 
العدوان على غزّة.. قصف "إسرائيلي" مستمر واستهداف لمستشفيات شمال القطاع 
مبادرة تبعث على الأمل لشباب غزة
مبادرة تبعث على الأمل لشباب غزة
مجزرة جديدة في غزّة والاحتلال يفجّر "روبورتات" في محيط مستشفى
مجزرة جديدة في غزّة والاحتلال يفجّر "روبورتات" في محيط مستشفى
 المجلس النرويجي للاجئين: مليون فلسطيني يواجهون الشتاء بلا مأوى في غزة
 المجلس النرويجي للاجئين: مليون فلسطيني يواجهون الشتاء بلا مأوى في غزة
 الدفاع المدني في غزّة: الاحتلال يبرّر كاذبًا للعالم ادعاءاته باستهداف طواقمنا
 الدفاع المدني في غزّة: الاحتلال يبرّر كاذبًا للعالم ادعاءاته باستهداف طواقمنا
سورية بعد الأسد تواجه فوضى الهوية وخطر التقسيم.. حذارِ الأخطبوط "الإسرائيلي"
سورية بعد الأسد تواجه فوضى الهوية وخطر التقسيم.. حذارِ الأخطبوط "الإسرائيلي"
بين عبد الناصر والسيد نصر الله أكثر من وجه شبه وأمل بنصر قريب
بين عبد الناصر والسيد نصر الله أكثر من وجه شبه وأمل بنصر قريب
ما الذي اختلف بين سورية ولبنان في مواجهة العدوان الإسرائيلي؟
ما الذي اختلف بين سورية ولبنان في مواجهة العدوان الإسرائيلي؟
بين الحربين الأولى والثالثة.. هكذا يقاس انتصار المقاومة
بين الحربين الأولى والثالثة.. هكذا يقاس انتصار المقاومة
خلال ساعات.. "إسرائيل" ألقت 1800 قنبلة على أكثر من 500 هدف في سورية
خلال ساعات.. "إسرائيل" ألقت 1800 قنبلة على أكثر من 500 هدف في سورية