آراء وتحليلات
ماذا تريد واشنطن فعلاً... الحرب أم التفاوض مع ايران؟
شارل ابي نادر
ليس بالضرورة أن تكون واشنطن فعلا لا تريد الحرب مع ايران، حتى لو صدرت تصريحات اميركية رسمية حول ذلك، فربما هذه التصريحات تأتي من ضمن مناورة التحضير للحرب بنجاح، عبر إبعاد الشبهات والأنظار ونقل الوحدات وتجهيزها. في المقابل، ليس بالضرورة ان تكون واشنطن فعلا تريد الحرب، حتى لو حشدت في الخليج والمنطقة آلاف القطع البحرية الاستراتيجية ومئات الآلاف من جنود المارينز والوحدات الخاصة .
وحيث يسود المنطقة حاليا، وخاصة منطقة الخليج، توترٌ غير مسبوق، زادت من حدَّته - دون اية اثباتات او معطيات ملموسة - اتهامات اميركية وغربية مباشرة لايران بتنفيذ اعتداءات تخريبية على أكثر من ناقلة نفط وسفينة تجارية، على سواحل ميناء الفجيرة الاماراتي وفي خليج عدن، وحيث ايضا يتزامن وبنفس الوقت مع هذا التوتر، تضاربٌ واضحٌ في تصريحات المسؤولين الاميركيين، أين هي حقيقة الموقف الاميركي؟ وماذا تريد فعلا واشنطن، الحرب أم التفاوض مع الجمهورية الاسلامية الايرانية؟
لناحية قرار الحرب
العناصر والمعطيات العسكرية التي تملكها واشنطن في المنطقة أو المنظومة القتالية، والتي تسمح لها بشن الحرب جاهزة، من بوارج وغواصات وقاذفات استراتيجية وقواعد عسكرية جوية منتشرة في المنطقة بشكل واسع، كما أن الذريعة التي تحتاجها اعلاميا وديبلوماسيا لاتخاذ قرار الحرب هي ايضا اصبحت جاهزة، بعد أن "دوزنتها" استنادا لاتهامها الغامض لايران بالاعتداء على ناقلات نفط عالمية وعلى تهديد الملاحة الدولية في الخليج، ليأتي نقل مجموعتين عسكريتين ونشرهما في المنطقة، بين ايار الماضي (1500 جندي) وما قبل الامس (1000 جندي)، ليؤكد اكتمال هذه المنظومة فيما لو كان ينقصها بعض الوحدات النوعية المتخصصة بأعمال دقيقة أثناء الحرب، ومنها الحرب الالكترونية أو وحدات الدفاع الجوي المضادة للصواريخ وللطائرات المسيرة، وهي اكثر ما تحتاجه الوحدات الاميركية وحلفاء الولايات المتحدة في اية مواجهة عسكرية مع ايران.
صحيح أن أغلب الدول الفاعلة والاطراف المؤثرة على الساحة الدولية هي ضد الحرب لاسباب عدة، خاصة انه لم يتغير شيء من الناحية الاستراتيجية في موقع وقدرات ايران منذ وقَّعت هذه الدول الاتفاق النووي مع طهران بمشاركة اميركية اساسية، لكن هذه الدول تعلم جيداً، ان هذه الحرب فيما لو حصلت، ستكون طبعا بقرار شبه أحادي من قبل واشنطن، والاساس سيكون ان قرار الحرب هو قرار شخصي من الرئيس ترامب بشكل كامل تقريبا، وسيكون قراراً ناتجاً عن نزعة فردية بعيدة عن اية معطيات وعناصر استراتيجية دولية، كتلك التي تؤدي عادة الى الحروب تاريخياً، ولن يكون قراره بالذهاب نحو الحرب مختلفا كثيرا في عشوائيته، عن قراراته السابقة التي اتخذها بشكل أحادي ومنها الانسحاب من معاهدة خفض الصواريخ ومن معاهدة المناخ وربما على الطريق من حلف الناتو مثلا.. الخ.
يبقى في هذا الموضوع العنصر الأكثر تأثيراً في إبعاد شبح الحرب، هو ليس طبعا موقف الدول الغربية المعارضة، وليس طبعا عدم قانونية ذريعة الحرب، والتي لا تختلف كثيراً عن تلك التي خلقوها لتبرير غزو العراق عام 2003، يبقى الأساس والأهم في استبعاد قرار الحرب، حتى مع تعرُّض ايران الأكيد لخسائر ضخمة ومؤلمة وربما مدمرة، الأساس في استبعاد الحرب هو حجم الخسائر غير المتوقعة التي سوف تسقط للاميركيين ولحلفائهم في المنطقة، وعلى رأسهم "اسرائيل"، بالاضافة للدمار الجزئي أو الكلي الذي سوف تصاب به بنية النفط والغاز في المنطقة، والتي لن يكون بوسع أحد في العالم تحمل تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية.
لناحية التفاوض
حتى الآن، تعلم واشنطن جيدا ان ايران لا تراوغ حين تقول انها لا تريد التفاوض معها لان سوابق التفاوض والاتفاقات مع الاميركيين لم تكن ابدا مشجعة، وما هو معروف عنهم لناحية عدم الالتزام بأي اتفاق لن يتغير، كما أن تصريحات المسؤولين الايرانيين جميعا، وعند التكلم عن امكانية التفاوض، أشارت الى شرط أساسي بشكل ضمني طبعاً، وهو أنه لن يكون هناك اي تفاوض بوجود نفس المعطيات الحالية، والمقصود هو رضوخ واشنطن للانطلاق نحو التفاوض من اتفاق موجود ونافذ (الاتفاق النووي)، وبظروف خالية من أية ضغوط، أساسها إلغاء العقوبات الاقتصادية والمالية على طهران .
النقطة الأخرى التي تعلمها واشنطن جيداً، ويصرح بها دائما المسؤولون الايرانيون، هي أن التفاوض على قوة ايران الاستراتيجية - خارج المجال النووي الذي لم تهدف اليه اصلا - وعلى نفوذها في المنطقة والمرتبط بامنها القومي وبحضورها الثقافي والاجتماعي والديني من ناحية، والمبدئي لناحية العداء مع الكيان الصهيوني من ناحية اخرى، هي ثوابت لا مجال للمساومة او للتفاوض عليها.
من هنا، حيث من المستبعد اتخاذ واشنطن قرارا بشن الحرب على ايران، للأسباب العديدة التي ذُكرت.. وحيث من جهة اخرى، تضيق امكانية التفاوض في ظل الشروط الايرانية الثابتة من جهة، وفي ظل الطلبات الاميريكة الحساسة، والتي من شبه المستحيل قبول ايران بها من ناحية اخرى .. وحيث تتعقد المشكلة دوليا بعد أن أعربت غالبية الأطراف الفاعلة عن عدم تشجيعها، لتكوين اجماع شبه دولي من خارج مجلس الامن، بهدف تأمين حماية الملاحة الدولية في الخليج بالقوة.. لهذه الاسباب والمعطيات يمكن القول ان هناك امكانية لفتح ثغرة في هذا الجدار بدأت تلوح في الأفق، وهذه الثغرة تقوم على التالي:
بعد تصريح ترامب الأخير الغريب والمثير للجدل، والذي دعا فيه ايران للالتزام بمندرجات الاتفاق النووي، لناحية عدم رفع نسبة تخصيب اليورانيوم وعدم الاحتفاظ بالماء الثقيل، أو بمعنى أوسع الذي دعاها فيه للتقيد بالاتفاق النووي، يمكن الاستنتناج ان الرئيس ترامب تخلى عن موقف " الانسحاب من الاتفاق النووي " وهو كما يبدو يبعث برسالة ضمنية، على الأطراف الدولية تلقفها والتوجه نحو ايران لبلورتها والعمل انطلاقا منها لفتح باب التفاوض، باعتبار الاتفاق النووي قائما ونافذا، ويحتاج لملحق خاص يخضع لموافقة جميع اطرافه وفي مقدمتهم ايران طبعا، وبظروف ومعطيات عادية خالية من اية عقوبات على ايران .
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024