آراء وتحليلات
رهانات نتنياهو على ترامب تصطدم بصمود ومفاجآت المقاومة
عندما تتواتر التقارير حول صعوبات عودة مستوطني الشمال في فلسطين المحتلة بسبب الأضرار التي الحقتها المقاومة في لبنان وبسبب انتظار تقدير المستويات السياسية والأمنية وحالة عدم اليقين لدى المستوطنين، وعندما تدب الخلافات الداخلية في الكيان على خلفية أزمة التجنيد ويُقال وزير الحرب غالانت من الكنيست ويتربص بنتنياهو في الليكود أملاً في إطاحة قريبة به، وعندما تتصاعد الصراعات الداخلية في الكيان بسبب إهدار فرص التسوية السياسية والاستمرار في الحرب، فإن صورة النصر التي يحاول الكيان تصديرها تصبح باهتة، وتنتفي تماماً مع صور الرعب والهرولة للملاجئ، بسبب الصواريخ اليمنية المتصاعدة وصواريخ غزة وتصريحات الصمود والتلويح بالعودة للقتال الصادرة من لبنان.
ومع تقديرات سائدة بأن نتنياهو ينتظر استلام الرئيس ترامب رسميًا، يبرز سؤال كبير حول رهانات نتنياهو وما ينتظره من هذه الإدارة الجديدة رغم ما بات معلوماً في السياسة بالضرورة من قاعدة مفادها أن الإدارات تشكل مجرد واجهات لنخبة إستراتيجية أمريكية تدير الصراعات والهيمنة، وأن جميع الإدارات تجتهد في حماية المشروع الصهيوني وفرضه على المنطقة باعتباره رأس حربة أميركا في المنطقة وأداة متقدمة لها في الصراع الدولي، وما الذي يمكن أن يقدمه ترامب أكثر مما قدمته إدارة بايدن الصهيوني وفقاً لاعترافه وتفاخره بذلك؟
وقبل الخوض في هذا السؤال واستكشاف رهانات نتنياهو، يجب إبراز المستجدات الصادمة للكيان، والتي أعاقت صورة النصر وحالة الزهو التي حاول تصديرها، والتي تمثلت في غزة ولبنان واليمن، بل وحتى في سورية التي ظن العدو أنها أصبحت لقمة سائغة بعد سقوط النظام وصدور إشارات من سورية الجديدة بأنها لا تنوي الاشتباك وأنها ترغب في التطبيع.
أولاً: في غزة:
نتنياهو الذي حاول برفعه لخرائط الشرق الأوسط الجديد وتوظيفه لسقوط النظام السوري التوغل وكسب الأرض باعتبارها فرصة تاريخية سانحة، اصطدم بصواريخ تنطلق من شمال غزة التي تطبق بها خطة الإخلاء والتدمير وتبدع الفرقة 252 في الإجرام باجتهادات شخصية في التدمير والجريمة المنظمة، كانت أحدث فضائحها ما كشفته "هآرتس"، في تحقيق نشرته حول قائد الفرقة 252، يهودا فاخ الذي نفذ عمليات في قطاع غزة من تلقاء نفسه، وسمح لشقيقه بتشكيل قوة خاصة للهدم والتخريب بعيداً عن سلطة الجيش.
وقد نفذت المقاومة في غزة عمليات جديدة ضد قوات الاحتلال المتوغلة في جباليا، وكشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مقتل 40 عسكرياً إسرائيلياً، منذ بدء العملية العسكرية المستمرة بمحافظة شمال غزة في تشرين الأول الماضي.
ثانياً: في لبنان:
ونتنياهو الذي يتمادى في الخروقات في جنوب لبنان محاولاً توظيف وقف إطلاق النار في تصدير صورة مزعومة بأن المقاومة مردوعة، اصطدم بتصريحات الصمود من كل المستويات السياسية بحزب الله، بأن الصبر على الخروقات ما هو إلا احترام للاتفاقيات والتعهدات، وأن اليوم 61 سيكون مختلفاً وسيشهد كلاماً آخر.
وأكد الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن المقاومة مستمرة، وقد استعادت عافيتها، ولديها من الإيمان والثّلة المؤمنة ما يمكّنها من أن تصبح أقوى.
كما أكد نائب رئيس المجلس السياسي في حزب الله الحاج محمود قماطي أن المقاومة حاضرة وجاهزة وقوية ومستعدة، وبالنسبة لاتفاق وقف إطلاق النار إما أن يكون هناك التزام من الجميع وإما لا يكون هناك التزام من الجميع أيضاً، وأن الحزب التزم بالصبر 60 يوماً، وفي اليوم الـ61 يوم آخر والموضوع سيتغير وتصبح القوات الموجودة قوات احتلال، وسيتم التعامل معها على هذا الأساس.
ثالثاً: في اليمن
اصطدم نتنياهو ورعاته من نخبة الحرب الأمريكية بصواريخ اليمن التي تدك عمقه وتدشن معادلة المطار بالمطار ومحطة الكهرباء بنظيرتها، في مشهد أثبت عجز منظومات الدفاع الصهيونية والأمريكية عن حماية الكيان، والأهم هو استهداف الراعي الأمريكي بشكل مباشر عبر استهداف حاملات الطائرات الأمريكية وإسقاط طائرات أميركا بشكل أصبح روتينياً ومعتاداً.
وخلال الأسابيع الأخيرة، أطلق اليمن صواريخ باليستية كل ليلة تقريباً، الأمر الذي أدى لإرسال ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ.
وما تفعله اليمن هو باختصار إعلان عن وجود محور للمقاومة لا يزال ينسق بين جبهاته ومنها من يقوم بالتهدئة ومنها من يقوم بالتصعيد، بينما هناك استمرارية لإيلام الكيان واستهداف عمقه، وأن أميركا لا تستطيع حماية الكيان، وأنها ستتورط مع الكيان باستهدافها واستهدام مصالحها وهيبتها.
رابعا: في سورية
ورغم المشهد الإستراتيجي البائس بسقوط النظام وسيطرة الصهاينة على مواقع إستراتيجية بشكل غير مسبوق، فإن هناك شواهد لبذور مقاومة قابلة لإحياء حركات مقاومة جديدة ظهرت عبر احتجاجات على التوغلات الصهيونية ورفض بعض المخاتير لإملاءات وأوامر العدو بالإخلاء، وبرزت مخاوف في مراكز الدراسات الأمريكية ودوائر الاستخبارات من وجود فرص كبيرة لإحياء المقاومة في سورية، على غرار ما حدث بالعراق عقب الاحتلال الأمريكي ودور إيران وحزب الله في تبني الشباب المقاوم وتشكيل حركات مقاومة في وقت قصير.
وربما كانت كلمة السيد الخامنئي موحية ولها دلالات كبيرة عندما استرشد بتجربة الشهيد قاسم سليماني ودوره في تبني ثلة من الشباب المقاوم الرافض للاحتلال وبناء المقاومة العراقية، وتأكيد السيد الخامنئي بثقة بالغة على حتمية طرد أميركا على يد الشباب السوري المقاوم.
رهانات الكيان على ترامب
وحول رهانات نتنياهو والكيان على استلام ترامب للحكم، فإن هذه الرهانات ربما تستند إلى دعم ترامب القوي للكيان خلال فترة ولايته الأولى، عندما شكل سابقة أولى للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان ونقل السفارة الأمريكية إليها، وهو ما جعل نتنياهو يشيد بترامب على هذه الخطوة، وشبهه بالرئيس هاري ترومان، ووزير الخارجية البريطاني اللورد بلفور، والإمبراطور الفارسي كورش الكبير.
كما أصبحت أميركا في عهد إدارة ترامب الأولى أول دولة في العالم تعترف بسيادة "إسرائيل" على مرتفعات الجولان وهو ما يشكل رهانًا على اعترافه بضم جبل الشيخ والأراضي الجديدة التي استولى عليها العدو مؤخراً.
كما أن دعم ترامب للكيان وفقاً للتقارير، يعكس ارتباطه الشخصي بالدولة اليهودية، بما في ذلك الروابط العائلية من خلال صهره الصهيوني المتحمس، جاريد كوشنر الذي لديه مصالح تجارية في "إسرائيل" والذي انضم إلى إدارته كمستشار كبير، فضلاً عن تاريخ من الصداقة الوثيقة مع نتنياهو.
وربما يعظم رهانات نتنياهو ما أقدم عليه ترامب من اختيارات وترشيحات شملت جمهوريين لديهم سجل طويل من الدعم القوي لإسرائيل والآراء المتشددة بشأن إيران، مثل ماركو روبيو، المرشح الذي اختاره ترامب لمنصب وزير الخارجية، ومايك والتز، مستشار الأمن القومي المعين، وهما من المؤيدين للكيان منذ فترة طويلة، وكذلك اختيار ترامب للنائب إليز ستيفانيك، والمعروفة بانحيازها الكبير للصهاينة، لتكون سفيرته لدى الأمم المتحدة.
كما أعلن ترامب أنه اختار حاكم أركنساس السابق مايك هاكابي سفيراً له في الكيان. وطالما جاهر هاكابي بعدة تعليقات تدعم التوسع الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، رافضاً القول، إن الأراضي الفلسطينية تحت "الاحتلال"وقال: لا يوجد شيء مثل الضفة الغربية؛ إنها يهودا والسامرة، ولا يوجد شيء اسمه المستوطنات، وهو ما يشكل رهاناً لنتنياهو بالتجرؤ على ضم الضفة واعتراف إدارة ترامب بذلك.
ولكن الأمور لا تسير بهذه السلاسة، لأن هناك تناقضات وفجوات بين الرهانات والواقع، وخاصة في ظل وجود مقاومة تفجر هذه التناقضات.
فقد تعهد ترامب أيضاً بإنهاء الحروب في غزة وأوكرانيا، مما يشير إلى أنه قد يكون غير صبور إزاء التكاليف المالية للحرب بالنسبة للولايات المتحدة ووقوع خسائر محتملة.
وترامب مطالب بتحقيق التوازن بين الحفاظ على الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط ودعم الكيان من جهة، واحتواء التحدي العسكري والجيواقتصادي من جانب الصين، من جهة أخرى.
كما أن ترامب قد يكون مستعداً لاستمرار ممارسة سياسة الضغط القصوى على إيران ولكن غير مستعد للتورط عسكرياً بحرب مباشرة معها.
وقد بدا ترامب بالفعل خلال حملته الانتخابية غير متحمس للحرب مع إيران، وقال في نوفمبر الماضي "لا أريد أن ألحق الضرر بإيران"، وفي مقابلة أجريت معه في أكتوبر، أوضح نائب الرئيس المنتخب جيه دي فانس أن "إسرائيل" والولايات المتحدة قد يكون لديهما أحياناً مصالح متباينة، "ومصلحتنا تكمن في عدم الدخول في حرب مع إيران".
وكذلك فإن هناك نخبة عسكرية وإستراتيجية واقتصادية تتحكم في قرارات البيت الأبيض وليست الأمور متروكة لأهواء الرؤساء وطبائعهم، وهذه النخبة تعلم أن تورط أميركا في الحرب سيذهب بهيبتها وقد ينهي مصالحها ووجودها بالمنطقة، ولهذا تفضل أن ينوب الكيان عنها والاكتفاء بالدعم العسكري والسياسي.
وهنا يأتي صمود المقاومة كمفجر لصواعق التناقض بين الراعي الأمريكي وكيانه الوظيفي الصهيوني، حيث هناك جبهات مثل اليمن وإيران لا يستطيع الكيان التعاطي معها بمفرده دون تدخل أمريكي وتحالف دولي، يصعب تشكيله بسبب جرائم الحرب الصهيونية الصريحة، وبسبب إبداء المقاومة شجاعة المواجهة لأميركا شخصياً عبر نموذج اليمن الذي أسقط الطائرات واستهدف حاملاتها.
وإذا ما أصر الكيان على التمادي في حربه وتصدير صورة المنتصر فإنه سيجد عمقه مستهدفاً من جميع الجبهات من اليمن ولبنان وانزلاقات قد تجر إيران للمواجهة، ومفاجآت قد تحدث من سورية من مقاومات وليدة لم يحتسب لها، ويجد الأمريكي نفسه متورطاً في الصراع، ويجد الكيان جبهته الداخلية أكثر تفتتاً وانقساماً وصراعاً بعد إهدار جميع فرص التهدئة والتسوية السلمية.
غزةاليمنبنيامين نتنياهودونالد ترامبالمقاومةالجيش الاسرائيليسورية
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
05/01/2025
في اليوم الواحد والستين.. للمقاومة كلام آخر
01/01/2025