نصر من الله

آراء وتحليلات

التحديات ووحدة المواقف والتوجهات بين بغداد وطهران
11/01/2025

التحديات ووحدة المواقف والتوجهات بين بغداد وطهران

منذ توليه منصب رئاسة الوزراء في العراق قبل أكثر من عامين، زار محمد شياع السوداني، الجمهورية الإسلامية الإيرانية عدة مرات، وآخرها، الزيارة الرسمية في الثامن من شهر كانون الثاني- يناير الجاري، بناء على دعوة رسمية تلقاها من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في ذات الوقت، زار الأخير العراق في شهر أيار-مايو من العام الماضي، وكان مقررًا أن يأتي سلفه، الرئيس الراحل السيد إبراهيم رئيسي للعراق منتصف العام  الماضي، إلا أن رحيله المفاجئ في التاسع عشر من شهر أيار-مايو 2024، جراء سقوط الطائرة التي كانت تقله في محافظة أذربيجان الشرقية، شمال غرب إيران، ألغى وعطل كل شيء.

وما يمكن تسجيله على مسيرة العلاقات العراقية الإيرانية على امتداد العقدين المنصرمين، هو أنها أخذت منحى تصاعديًا في كل الجوانب والمجالات، وأنها تعدت وتجاوزت الكثير من عقد وإشكاليات الماضي المرتبطة بحرب الثمانية أعوام وإسقاطاتها وتداعياتها الكارثية على البلدين، وكذلك فإن مسيرة هذه العلاقات، حافظت على خط سيرها التصاعدي رغم الكمّ الهائل من العوائق والمصاعب والتحديات التي فرضتها وفاقمتها حقائق الواقعين الإقليمي والدولي، وطبيعة المعادلات السياسية وتوازنات القوى والمحاور.  

وحتى لو لم تخرج زيارة السوداني الأخيرة لطهران عن سياق توجهات ومساعي كلا الطرفين بتعزيز وتطوير علاقاتهما بما يسهم في تحقيق المزيد من المكاسب والمنجزات لهما، فإنها تمحورت في جانب كبير منها حول طبيعة التطورات والمستجدات الإقليمية، وتحديداً ما يتعلق بالملف السوري، بعد الإطاحة بحكم الرئيس السابق بشار الأسد، وهيمنة "هيئة تحرير الشام" ("جبهة النصرة" سابقًا المصنفة دوليًا منظمة ارهابية) بزعامة أبي محمد الجولاني "أحمد الشرع" على مقاليد الأمور هناك.

ولعل العراق أوضح منذ وقت مبكر موقفه حيال الوضع الجديد في سورية، عبر التأكيد على جملة مبادئ من بينها، احترام خيارات الشعب السوري في تقرير من يدير شؤونه ويحكمه، وعدم التدخل بالشأن الداخلي السوري، وأهمية إقامة دولة مدنية يحكمها الدستور والقانون والنظام، وترتكز على صون حقوق كل المكونات-لا سيما الأقليات في-المجتمع السوري، وعدم توفير موطئ قدم للكيان الصهيوني، يتيح له التوسع واحتلال أراضٍ عربية أخرى.

وهذا ما تحدثت به الحكومة العراقية عبر بيانات وتصريحات رسمية، وأكدته رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان العراقي، ومختلف دوائر صنع القرار في العراق، فضلاً عن مختلف القوى والفاعليات والزعامات السياسية.

وبنفس الاتجاه، فإن الحكومة الإيرانية، وقبلها قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي الخامنئي، أكدا ذات المبادئ والتوجهات التي تبناها وصرح بها العراق. وفوق ذلك، فإن السوداني أعاد مجددا من طهران التأكيد والتذكير بما تراه وتعتقد به وتتبناه الدولة العراقية، وكذلك فإن السيد الخامنئي، والرئيس بزشكيان، وكل من التقاهم رئيس الوزراء العراقي في طهران مؤخرًا، شدّدوا على المواقف الإيرانية حيال سورية، في ذات الوقت الذي حذروا فيه من مخاطر المشاريع والمخططات الأميركية الصهيونية الغربية التي يراد تمريرها على شعوب ودول المنطقة.

ولا شك أن دخول الولايات المتحد الأميركية منذ بدايات العقد الماضي إلى المنطقة بزخم كبير تحت غطاء وذريعة محاربة الإرهاب في أفغانستان عام 2001، والإطاحة بنظام صدام في العراق عام  2003، تسبب في أزمات ومشاكل كبرى، واضطرابات واهتزازات سياسية وأمنية غير مسبوقة، لأن الجماعات والتنظيمات الإرهابية التكفيرية، وجدت أن ظروف الوجود الأميركي في المنطقة وفر لها أرضيات مناسبة جداً لمد خيوطها والاندفاع إلى مساحات جديدة.

وطبيعي أن تكون لدى العراق وإيران ودول أقليمية أخرى، مخاوف وهواجس حقيقية من تكرار السيناريوهات السابقة في سورية بعد تغيير نظامها السياسي الحاكم، لا سيما وأن هوية الجهة التي تسنمت زمام الأمور هي مثار جدل، ارتباطًا بتاريخها وسجلها الإرهابي في العراق وسورية بالتحديد.

وقد يكون العراق وإيران في مقدمة الدول التي سوف تتأثر سلباً من أي اضطرابات وأوضاع قلقة وغير مستقرة أمنياً على الساحة السورية. ناهيك عن أن تغلغل الكيان الصهيوني في ظل فوضى التغيير، من شأنه أن يعمق مخاوف وهواجس هذين البلدين.

وكان مما قاله الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع السوداني، إن "لدى البلدين هواجس ومخاوف مشتركة فی ما يتعلق بالتطورات الراهنة في سورية، وإن استقرار وسلام سورية والحفاظ على وحدة أراضيها ومواجهة أنشطة الجماعات الإرهابية، وضرورة انسحاب الکیان الصهيوني من المناطق المحتلة، والاهتمام بالمشاعر الدينية، وخاصة في ما يتعلق بالبقاع والأماكن المباركة للشيعة كانت من بين هذه المخاوف، وإن خطر الإرهاب، وإمكانية إعادة نشاط الخلايا الإرهابية، كان من بين اهتمامات ومخاوف الجانبين".

ومما لايختلف عليه اثنان، أن عدم استقرار سورية، وهيمنة الجماعات المتطرفة عليها، يعني في ما يعنيه إعادة تدوير حلقات العنف والإرهاب والفوضى في المنطقة بوتيرة وإيقاع مشابه لما جرى في العراق قبل خمسة عشر أو عشرين عامًا. وهذا السيناريو مع سيناريو التوغل الصهيوني، وإنشاء الولايات المتحدة الأميركية المزيد من القواعد العسكرية، وتعزيز وجودها في سورية والمنطقة، تحت ذريعة محاربة تنظيم "داعش"، بالتأكيد سيربك المشهد الإقليمي، ويهدد أمن الدول الرافضة للسياسات والمشاريع الأميركية والصهيونية، وفي مقدمة تلك الدول العراق وإيران، أو بعبارة أدق، تهديد محور المقاومة بالكامل، خصوصاً وأن سورية كانت، بشكل أو بآخر، تعد أحد أطراف ذلك المحور.

وبالنظر لأهمية كل من العراق وإيران ومكانتهما وتأثيرهما في محيطهما الإقليمي، فلا شك أن تنسيق المواقف والخطوات في ما بينهما، يمكن أن يساهم في توجيه الأمور بمسارات صحيحة، وما يعزز ذلك، أن أطرافًا إقليمية عديدة، تقترب من بغداد وطهران، وتتوافق في رؤيتها وتوجهاتها بشأن التعاطي مع الملف السوري، فضلاً عن أن المصالح المشتركة والمتبادلة للكثير من دول المحيط الإقليمي-وحتى المجتمع الدولي-مع بغداد وطهران، يمكن أن تساهم هي الأخرى في بلورة رؤى واقعية تعكس مصالح ومواقف مختلف الأطراف، وهذا يعني أن زيارة السوداني لإيران، كانت وستكون جزءًا من حراك إقليمي فعال لتجنيب المنطقة مزيدًا من المشاكل والأزمات، ولدفعها إلى المزيد من الهدوء والاستقرار.
 

العراقايرانسورية

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة
العراق يبارك للبنان انتخاب رئيسه الجديد ويتعهّد بمواصلة دعمه وإسناده 
العراق يبارك للبنان انتخاب رئيسه الجديد ويتعهّد بمواصلة دعمه وإسناده 
بالصور| إحياء الذكرى السنوية لاستشهاد السيد محمد باقر الحكيم في النجف الأشرف
بالصور| إحياء الذكرى السنوية لاستشهاد السيد محمد باقر الحكيم في النجف الأشرف
الإمام الخامنئي: للوقوف بحزم في وجه الاحتلال الأميركي الذي يسعى لتوسيع وجوده في العراق
الإمام الخامنئي: للوقوف بحزم في وجه الاحتلال الأميركي الذي يسعى لتوسيع وجوده في العراق
فيديو| مجلس تأبيني عن روحَي القائدين سليماني والمهندس في قضاء تلعفر غرب الموصل
فيديو| مجلس تأبيني عن روحَي القائدين سليماني والمهندس في قضاء تلعفر غرب الموصل
رئيس الوزراء العراقي يصل إلى طهران في زيارة رسمية لإيران
رئيس الوزراء العراقي يصل إلى طهران في زيارة رسمية لإيران
"الشهادة والسيادة" والحضور الدائم للشهداء القادة
"الشهادة والسيادة" والحضور الدائم للشهداء القادة
يقينًا كلّه خير.. والسنون الخمس تشهد!
يقينًا كلّه خير.. والسنون الخمس تشهد!
سقوط النظام في سورية وحساب أولي للربح والخسارة
سقوط النظام في سورية وحساب أولي للربح والخسارة
المشروع التركي في سورية ..  بين النجاح والفشل
المشروع التركي في سورية .. بين النجاح والفشل
التصعيد العسكري الفعلي ضدّ إيران ليس مضمونًا في ولاية ترامب الثانية
التصعيد العسكري الفعلي ضدّ إيران ليس مضمونًا في ولاية ترامب الثانية
لماذا فعّل أردوغان الخطة (ب) للاطاحة بالنظام السوري؟
لماذا فعّل أردوغان الخطة (ب) للاطاحة بالنظام السوري؟
مساعٍ في كيان العدو لتقسيم سورية إلى مقاطعات
مساعٍ في كيان العدو لتقسيم سورية إلى مقاطعات
مندوب الصين لدى الأمم المتحدة: قلقون من منح الجيش السوري رتبًا لإرهابيين أجانب
مندوب الصين لدى الأمم المتحدة: قلقون من منح الجيش السوري رتبًا لإرهابيين أجانب
مشتركات "الرفيقين جيم - جيم".. من يدفع الفاتورة الكبيرة؟
مشتركات "الرفيقين جيم - جيم".. من يدفع الفاتورة الكبيرة؟
هكذا حاولت "إسرائيل" الانقلاب على انتصار المقاومة!
هكذا حاولت "إسرائيل" الانقلاب على انتصار المقاومة!