نصر من الله

آراء وتحليلات

ما بعد الحرب.. الكيان المحتل مأزوم اقتصاديًا
25/01/2025

ما بعد الحرب.. الكيان المحتل مأزوم اقتصاديًا

مع دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، وقبلها بشهرين في لبنان، بدأت معالم الصفعات تتضح على وجه الاقتصاد "الإسرائيلي"، بنحوٍ يُظهر حجم التأثير الكارثي الذي حلّ بقطاعاته على اختلافها. ما يقارب الخمسة عشر شهرًا من الحرب، والاقتصاد الصهيوني يتكبّد خسائر فادحة، ستمتد تداعياتها السلبية إلى سنوات طويلة قادمة وفقًا للخبراء الاقتصاديين.

الخسائر الاقتصادية التي جاءت على لسان خبراء ومحلّلين صهاينة، والتي تعد أكثر فداحة في تاريخ الكيان، وفقًا للمحلل الاقتصادي اليمني الدكتور رشيد الحداد، كشفت عنها الصحف "الإسرائيلية" ومراكز إحصائية عدة،  بالرغم من الضبابية الإعلامية التي تسود هذا المشهد كما غيره، وقد دفعت هذه "الضبابية" المحللين الصهاينة أنفسهم للتساؤل عن الحجم الحقيقي والفعلي للكارثة التي لحقت باقتصادهم.

الحديث عن الخسائر الاقتصادية يترافق إلزامًا مع الإحصاءات الرقمية الصادرة في هذا الشأن. وفي السياق تتصدر المؤشرات المالية، وعلى رأسها العجز المالي في الكيان المحتل القائمة، فقد سجل العجز معدل 6.9% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2024، أي نحو 136 مليار شيكل (36.1 مليار دولار)، بينما شككت صحيفة "كالكاليست" "الإسرائيلية" بذلك، مشيرة أن التحليلات تُظهر أن العجز الحقيقي يصل إلى 7.2% من الناتج المحلي الإجمالي، أي نحو 142 مليار شيكل (37.7 مليار دولار).

كما يشير الدكتور الحداد إلى أن العدو الصهيوني تحدث عن خسائر بقيمة 67.5 مليار دولار من جراء الحرب، لكن هذا الرقم هو بالطبع غير دقيق، إلا أنه بكل الأحوال لم يسبق أن تكبد العدو هكذا خسائر في أي جولة من جولات الصراع العربي- "الإسرائيلي" السابقة.

ترافق العجز المالي مع عجز في موازنة الاحتلال، فقد بدأ عند معدل 4.5% مع بداية العام المنصرم، ليرتفع إلى معدل 8.2% في تشرين الثاني، ويستقر عند حدود الـ 7.7 % في كانون الأول الماضي، بينما وصل عجز الميزانية وفقًا لتصريح حكومة العدو في الشهر الماضي إلى 19.2 مليار شيكل(5.2 مليار دولار)، معزيةً الأمر، بشكل أساسي، إلى ارتفاع نفقات تمويل الحرب في غزة ولبنان. إذ أشارت الصحيفة عينها إلى أن تكلفة الحرب على قطاع غزة فقط بلغت نحو 250 مليار شيكل (67.57 مليار دولار) حتى نهاية العام 2024.

في سجل المؤشرات المالية، يذكر المحلل الاقتصادي أن مؤشر النمو الاقتصادي للكيان تراجع إلى صفر بالمئة، بعد أن كان العدو يسعى لتحقيق معدل نمو 6% في العام 2024، مع عجز في الميزانية وصل إلى 41 مليار دولار وفقًا لتقارير صادرة عن مؤسسات العدو.

من المؤشرات المالية إلى القطاعات الخدماتية والإنتاجية، والبداية هنا مع القطاع السياحي الذي يعوّل عليه الاقتصاد "الإسرائيلي" على نحو كبير جدًا. إذ بسبب الحرب على غزة وجبهات أخرى، تدهورت صناعة السياحة الوافدة إلى "إسرائيل" بنسبة فاقت 70% خلال العام الماضي، مقارنة بـالعام 2023، حين تراجعت السياحة الوافدة إلى 885 ألف سائح وزائر خلال الشهور الـ11 الأولى من 2024. كما تراجعت السياحة بمعدّل أكثر من 80%، ووفقًا لبيانات حكومية "إسرائيلية" فقد أغلقت نحو 60 ألف شركة ومشروع صغير ومتوسط أبوابها في العام 2024، بزيادة 50% مقارنة بالسنوات السابقة.

كما لم يكن قطاع البناء "الإسرائيلي" بمعزل أيضًا عن موجة الخسائر الكبرى، حيث شهد هذا الأخير حالًا من الشلل شبه الكلي، بعد إغلاق ما يقارب الـ50% من مواقع البناء بسبب نقص العمالة، فقد بلغ نقص العمالة فيه 140 ألف عامل، ووصلت مدة التأخير في تسليم الأبنية الجديدة إلى 36 شهرًا، ووصلت قيمة الخسائر الأسبوعية إلى نحو 644 مليون دولار في هذا القطاع.

هذا؛ ويعتمد الاقتصاد "الإسرائيلي"، في الجزء الأكبر منه، على الاستثمارات في قطاعاته المختلفة، وفي هذا الإطار؛ كان لهذا البند نسبة كبيرة جدًا من التداعيات السلبية المؤلمة التي طالت قطاعات مختلفة، خاصة قطاع التكنولوجيا. وشعور المستثمرين بالقلق نتيحة تردّي الاوضاع الأمني وعدم الاستقرار، دفعهم إلى تجنّب الخوض في أي تجربة استثمارية غير مضمونة المسار والنتائج، ما أدى تاليًا إلى انخفاض عدد المستثمرين الأجانب بشكل ملحوظ.

في سياق متصل؛ يشير تقرير لصحيفة "غلوبس" الاقتصادية "الإسرائيلية" الى تراجع الاستثمار في رأس المال المخاطر (الشركات الناشئة) للشركات "الإسرائيلية" 6% في المرحلة الممتدة من تشرين الأول 2023 إلى أيلول 2024، إلى جانب انخفاض حاد بنسبة 30% في عدد الاستثمارات الأجنبية و"الإسرائيلية"، ويذكر الدكتور رشيد أن ما يقارب الـ 49% من هذه الشركات قد ألغت استثماراتها.

القطاع الزراعي كان له، أيضًا، نصيب من الخسائر، خاصة وأن معظم ما كان يحصل عليه الكيان من فواكه وخضروات هو من غلاف غزة الذي تحول إلى ساحة حرب مفتوحة، وفي المنطقة الشمالية التي تضم النسبة الأعلى من الأراضي الزراعية، وكذلك المصانع الكبرى والثقيلة في الكيان المحتل.. وربما من الحالات النادرة أن يجري الحديث عن تزايد "معدلات الفقر"، في الكيان الصهيوني، لكن اللافت أن نحو ربع "الإسرائيليين" يعيشون تحت خط الفقر، وفقًا لتقرير الفقر للعام 2024 في "إسرائيل" الصادر منذ شهر تقريبًا، في حين تضرر 65% من الإسرائيليين ماليًا، الأمر الذي يهدد الأمان الاجتماعي بين الصهاينة.

كذلك ترافقت الخسائر الاقصادية المتنوعة، أيضًا وفقًا للدكتور الحداد، مع تداعيات الحصار البحري الذي فرضته اليمن، والذي فرض إقفال ميناء إيلات ما يقارب العام، ما خفّض نسبة الواردات إلى 42% وفقًا لصحيفة "غلوبس". وقد تقاطع هذا الأمر مع مفاعيل المقاطعة الاقتصادية التي فرضها ردّ فعل إنساني على جرائمه، ما أدى إلى إغلاق العديد من فروع الشركات العالمية التي تضررت بفعل المقاطعة وسحبت استثماراتها، وما يتبع ذلك من تسريح لليد العالمة، وبالتالي ارتفاع في معدلات البطالة.

التداعيات الاقتصادية شملت، أيضًا، جوانب غير مباشرة، طالت مثلًا تكاليف علاج الصدمات والتأثيرات النفسية والرعاية الاجتماعية بين المستوطنين من جراء الحرب، والتي تقدر وفقًا للدراسة التي نشرها "موقع الأعمال الخيرية اليهودية الإلكترونية"، بأكثر من 50 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، وهي جزء من مبادرة كبيرة لعلاج تداعيات السابع من أكتوبر/تشرين الأول. 

التداعيات الحالية ترسم، بالطبع، مسار الاقتصاد "الإسرائيلي" المستقبلي، إذ تشير التوقعات أنه لن يستطيع العودة إلى ما كان عليه سابقًا قبل 5 أو 10 سنوات، بالرغم من الدعم الأميركي الكبير جدًا، وذلك بسبب الارتفاع العالي لمعدل الإنفاق، وأن صورة هذا الكيان الإجرامية ولّدت قناعة عند المستهلكين في العالم بضرورة مقاطعة منتجاته، لا سيما بعد أن أصبحت المقاطعة ثقافة شعبية دائمة. 

على مقلب آخر، يبحث الكيان الصهيوني حاليًا، في ظل سياسات ترامب وتكريس اتفاقيات إبراهام، إلى فتح الأسواق العربية وتعزيز التبادلات التجارية. وهذا الأمر سيكون من الصعب جدا تحقيقه على مدى السنوات القادمة، يُضاف إلى ذلك أن الكيان فقد ثقة المستثمرين في الداخل والخارج، وسيكون غير قادر مستقبلًا على إعادة هذه الثقة، حتى وإن قدّم الكثير من الامتيازات.
 

الكيان الصهيونيالاقتصادالمقاومة

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة
ميقاتي: وطنية الجنوبيين مثالٌ يُحتذى.. وعلى الدول الراعية للاتفاق إجبار العدو "الإسرائيلي" على الإنسحاب
ميقاتي: وطنية الجنوبيين مثالٌ يُحتذى.. وعلى الدول الراعية للاتفاق إجبار العدو "الإسرائيلي" على الإنسحاب
جيش العدوّ يواصل خروقاته: إحراق النادي الحسيني في يارون وتفجيرات وتوغلات في عدّة قرى 
جيش العدوّ يواصل خروقاته: إحراق النادي الحسيني في يارون وتفجيرات وتوغلات في عدّة قرى 
آفي أشكنازي: هذه شروط السعودية للتطبيع مع "إسرائيل"
آفي أشكنازي: هذه شروط السعودية للتطبيع مع "إسرائيل"
"يديعوت أحرونوت": هذه هي صورة الوضع قبيل نهاية أسبوع حاسم‎
"يديعوت أحرونوت": هذه هي صورة الوضع قبيل نهاية أسبوع حاسم‎
62 % من مؤيدي الليكود يطالبون نتنياهو بالاستقالة
62 % من مؤيدي الليكود يطالبون نتنياهو بالاستقالة
غوتيريش اجتمع مع بو حبيب في المطار: سنبذل كل الجهود لتمكين لبنان من تحقيق الانتعاش الاقتصادي
غوتيريش اجتمع مع بو حبيب في المطار: سنبذل كل الجهود لتمكين لبنان من تحقيق الانتعاش الاقتصادي
التضخم يتغلغل في الاقتصاد "الإسرائيلي" والحكومة تفعل بخلاف التوصيات
التضخم يتغلغل في الاقتصاد "الإسرائيلي" والحكومة تفعل بخلاف التوصيات
عام 2025 .. سورية إلى أين؟
عام 2025 .. سورية إلى أين؟
عام التحولات الدراماتيكية وليس الحسم
عام التحولات الدراماتيكية وليس الحسم
"البريكس".. حرب استنزاف "الدولار" وعالم بلا عقوبات
"البريكس".. حرب استنزاف "الدولار" وعالم بلا عقوبات
إشكالية المصطلح في حرب الدعاية على المقاومة
إشكالية المصطلح في حرب الدعاية على المقاومة
تحت مسمّى "السور الحديدي".. جيش العدو يبدأ عدوانًا على جنين
تحت مسمّى "السور الحديدي".. جيش العدو يبدأ عدوانًا على جنين
هكذا تكلّمت "غزّة"...
هكذا تكلّمت "غزّة"...
غزة انتصرت بمقاومتها وبدعم جبهات الإسناد
غزة انتصرت بمقاومتها وبدعم جبهات الإسناد
غزة تنتصر  والاحتلال ينتظر التداعيات الكارثية لهزيمته
غزة تنتصر والاحتلال ينتظر التداعيات الكارثية لهزيمته

خبر عاجل