آراء وتحليلات
العدو إلى الضفة.. فهل من عودةٍ إلى غزة؟
ثبت قطعًا أنّ غزة عصيّة على الكسر، وأنّها شوكة استعصت على الحلق الصهيوني، لذلك تمّ التوصل إلى اتفاق لوقف النار. وهو بمثابة وقت مستقطع، يعيد فيه العدو جمع شتاته وتجميع إجرامه، ليعيد الكرّة مجددًا وقتما يتسنى له ذلك، ولكن العقلية التي تحكم بقاء الكيان هي الجريمة المنظمة وإرهاب "الدولة".
بناءً على ذلك؛ قرر الكيان أنّ الضفة الغربية هي الحلقة الأضعف، وبالإمكان قضاء الوقت المستقطع بارتكاب الجرائم الموصوفة هناك، ومحاولة تمرير مشاريع الأوهام الصهيونية التي فشل حتى اللحظة بتمريرها في غزة، التهجير أو الضمّ، ضمّ أكبر قدرٍ ممكن من الأرض؛ فبدأ مسلسل جديد من الجرائم تحت مسمى عملية "السور الحديدي". وهي عمليةٌ تأتي في ظلّ تحريضٍ سياسيٍ وإعلاميّ، تمارسه كل أدوات الكيان، خشنها وناعمها، كذلك تأتي في ظل معلوماتٍ عن مقايضاتٍ تمت بين نتنياهو وسموتريتش وبن غفير، وكأنّ الدم العربي والفلسطيني عاد مجددًا ليصبح مجرد ورقةٍ انتخابية بين مصاصي الدماء المتسابقين نحو قمة الهاوية في كيانٍ هاوٍ.
يعتقد العدو أنّ البنية العسكرية في قطاع غزة، وفشله في سبر أغوارها ومجاراة عبقرية صناعتها، والأهم هو العجز عن مجاراة احترافية استخدامها، هي أسبابٌ من ضمن أسبابٍ أخرى، منعته من تحقيق أهدافه المعلنة وغير المعلنة. لذلك ذهب إلى اتفاق وقف النار في غزة، للتفرغ لعملية الضفة الغربية، قبل أن تصبح بنيتها العسكرية أشد مراسًا وأقوى شكيمة، حيث يريد استنساخ تجربة جرائم الإبادة في غزة، ونقلها إلى الضفة الغربية، قبل استطاعة الضفة استنساخ تجربة مقاومة غزة.
لكن هل يستطيع العدو الذي فشل أمام مساحة 365كم² في قطاع غزة، أن ينجح في 5000كم² مساحة الضفة الغربية، مع تعداد سكاني يفوق الثلاثة ملايين فلسطيني؟ كذلك الطبيعة الجغرافية المعقدة في الضفة مقارنةً بالطبيعة السهلية لقطاع غزة، ولا ننسى خطورة التلاصق الجغرافي بين محافظات الضفة الغربية ومدن فلسطين المحتلة العام 48، وهو ما يشكّل ثغرةً أمنيةً غير قابلةٍ للرتق.
هذا فضلًا عن الاستعدادات النفسية الهائلة للتضحية، خصوصًا أنّ الأمر ليس متعلقًا فقط بالقضية الوطنية والقومية أو حتى الدينية، بل هو متعلقٌ حتى بالجانب الشخصي لكل فلسطيني، سيتغول الاحتلال على أرضه وبيته ومصدر رزقه ووجوده عمومًا، فمع هذا الكيان لا وجود لمستقبلٍ تأمن فيه على نفسك أو على أبنائك أو بيتك أو أرضك، بل كلما قدمت تنازلًا طالبك بالمزيد، في دائرةٍ من جشع لا ينتهي.
في هذا السياق؛ لا نستطيع إغفال تصريحات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترمب عن صغر مساحة الكيان، والتي يبدو أنّها مؤشر على التوسعة المنواة، وترامب الذي يعتقد أنّ من حقه ضمّ كندا إلى الأراضي الأمريكية والسيطرة على غرينلاند والسطو على قناة بنما، لن يرى أنّ استيلاء الكيان على الضفة الغربية أمرًا مستهجنًا أو بدعًا من الصلف.
لكن ليس كل ما يقوله العدو أو يفكر به ويتمناه يصبح واقعًا، بل إنّ التجارب تثبت عكس ذلك، وفي المقابل لا يمكن عدّ فشل العدو بلا ثمن، بل هناك أثمانٌ فادحة تُدفع لإجهاض مشاريعه وإخراجها من سجلات التداول. ولكن يبقى هذا الثمن محتملًا مستساغًا مقابل نجاحه أو السماح له بإنجاح مخططاته، حتى لو بلغت التضحيات مراحلها القصوى، ستكون أقل فداحةً من الاستسلام لتلك الأهداف.
ويبقى السؤال الذي تتعذر إجابته قطعيًا، وهو هل هناك من عودة إلى الإبادة الجماعية في غزة، تزامنًا مع عملية الضفة أو بعد انتهائها؟
قد تكون الطموحات كبرى بعدم عودة حرب الإبادة، وكل المؤشرات تقول إنّها احتمالات ضعيفة إن لم تكن منعدمة، ولكن في ظل شعار ترامب "القوة من أجل السلام"، لا يمكن الاعتقاد بأنّ الحرب قد انتهت؛ لأنّ هذا الشعار يعني إجبار الجميع على القبول بالتسيّد "الإسرائيلي" على المنطقة.
في الحقيقة؛ أنّ "طوفان الأقصى"، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، هي حربٌ بدأت ولن تنتهي، وإن اختلفت أطوارها، وما نناقشه هو انتهاء هذا الطور، وهو أحد فصولها وأطوارها على شكل اتفاق وقف نارٍ طال أم قصّر.
غزةالجيش الاسرائيليطوفان الأقصى
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
25/01/2025
العدو إلى الضفة.. فهل من عودةٍ إلى غزة؟
25/01/2025
ما بعد الحرب.. الكيان المحتل مأزوم اقتصاديًا
24/01/2025
خلفيات العدوان على الضفة بعد هزيمة غزة
21/01/2025