آراء وتحليلات
عودة متزامنة بانتظار العودة الكبرى
عادوا كأن لم يخرجوا قطّ منها. عادوا كأنّهم الريح التي تسابق الوقت. عادوا من جنوب قطاع غزة إلى شماله، ومن شمال الليطاني إلى جنوبه، في تزامنٍ تحسبه مصادفةً، بينما هو تزامن الوقت وتزامن التوقيت، وهو وحدة الدم والمصير، واتحاد الدمع والألم، كأنّ الدمّ الراعف شمالًا وجنوبًا هو من الشريان ذاته، ومن ذات المآقي سُفح الدمع، إنّها الوحدة التي تكسرت على جلمودها بربرية العدو وهمجية عدوانه.
إنّ مشاهد العودة في غزة وفي لبنان، وبكل هذا الإصرار، كانت أشبه بإحاطة رقبة الكيان بحبل المشنقة، وكل ما مارسه من إجرامٍ في سبيل كيّ وعيّ الناس، عبر تدفيعهم ثمن فكرة المقاومة، جاءت بنتائج عكسية تمامًا، حيث ازداد تمسك الناس بالفكرة، وتألقت أكثر وصارت أشدّ وهجًا، وتشبثوا بالأرض حد امتزاج الروح وانصهار الأبدان، فكل الحرب كانت قائمةً على ترسيخ تفوق العدو، حدّ استحالة مجابهته، وأنّ بقاءه على هذه الأرض مؤبد، فجاءت مشاهد العودة لتقول له، إنّك محاطٌ بالثأر المرّ، من كل اتجاهٍ وعلى كل جانب، وأنّها مجرد"بروفة" للعودة الكبرى.
إنّ العين لا تخطئ ذاك التشابه حدّ التطابق، بين تلك الوجوه شمالًا وجنوبًا، هي الملامح ذاتها التي تحمل الإصرار رغم التعب، واللهفة رغم الألم، والحنين رغم الشوك، والتصميم الهائل رغم فداحة الثمن، والعدو الذي يرصد كل كبيرةٍ وصغيرة، يرصد بعينٍ ملؤها الإحباط كل ذلك، ويعترف قادته متقاعدهم ومعترضهم، بأنّ الهزيمة أكبر من تغطيتها بألعابٍ صبيانية على طاولة التفاوض.
في غزة اختلق ذريعة أسيرةٍ لينتزع فرح الناس بالعودة، وكسر احتفاءهم بمقاومتهم واحتفالهم بعودتهم، وفي لبنان اختلق الذرائع بالأمن لتأجيل انسحابه، وتكريس أنّه صاحب اليدّ العليا، فالعودة تمرّ بقراره حصرًا لا المقاومة، وانّه وحده من يقرر توقيت العودة، باعتباره دليلًا على انتصاره، لكن ما حدث كان عكس ما أراد وتوقع، حيث كانت عزيمة الناس أقوى وجلَدهم على صفاقته وإجرامه أكبر.
كثيرة هي التوصيفات التي أطلقها الإعلام العبري والإعلاميون الصهاينة، على تلك المشاهد وعلى اتفاقيات وقف النار، منها استسلام"إسرائيل" التام، والهزيمة المطلقة. والثمن المؤجل الذي سيفوق الثمن في السابع من أكتوبر/تشرين الثاني، كذلك ساسة الكيان المعترضون لفكرة وقف الحرب، وصفوا ما يجري بأنّه الهزيمة والاستسلام، وتساءلوا أين النصر المطلق؟ وحماس أعادت السيطرة على القطاع كله شمالًا وجنوبًا، وعادت رايات حزب الله ترفرف على الحدود.
وتساءلوا إحباطًا وكمدًا، أين هي وعود النصر الناجز؟ وكيف تنسحبون من "نتساريم"؟ وقد علمتم أهميته لحماس، ولماذا لم تتركوه كورقةٍ تفاوضية لمرحلة المفاوضات التالية؟ وعن لبنان قال ما يعرف برئيس مستوطنة المطلة" من المحزن أنّ هذا هو الاتفاق مع لبنان".
بينما صحيفة "يديعوت أحرونوت" قالت : "أمام غزة وأمام لبنان، فشل "إسرائيلي" مزدوج، في لبنان، لم نُصرّ على إقامة منطقةٍ عازلة، وحزب الله يُظهر وجوده مرة أخرى، في غزة التنازل عن محور نتساريم جاء مبكرًا جدًا، وسنعرف قريبًا ثمن هذه الأخطاء".
والحقيقة أنّ الأثمان لن تتأخر، خصوصًا إذا استمر وقف إطلاق النار ودخل المرحلة الثانية، وهو ما يتعزز شيئًا فشيئًا مع عودة النازحين، حيث ستصبح حكومة نتنياهو على المحك، مهما حاول إبقاءها على قيد الحياة، ولو عبر تصريحات ترامب عن التهجير إرضاءً لسموتريتش، لإقناعه بالبقاء في الحكومة، وستتفاعل الخلافات داخل الكيان بشكلٍ متسارع، وستتفاقم مشاكله داخليًا وخارجيًا، خصوصًا أنّه ما زال هناك الكثير مما تخفيه المقاومة من أسرار الحرب وأسرار السابع من أكتوبر، حيث المفاجآت التي قد تفجر عدوانية الكيان على نفسه.
الكيان الصهيونيغزةبنيامين نتنياهوالمقاومةالجنوب
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/01/2025
شعب المقاومة يبدّد حفلة المجون الأميركيّة
29/01/2025