آراء وتحليلات
ترامب والمضاربة بالملف السوري لصالح "إسرائيل"
محمود الأسعد
"لا يعرف أحد من يقف وراء الطرف الآخر (في سورية)، وأنا أعرف. هذه تركيا... إن تركيا تقف وراء ذلك.. إنهم كانوا يريدون ذلك منذ ألف سنة، وهو حقق ذلك، وإن الناس الذين دخلوا البلاد هم تحت سيطرة تركيا">
كان هذا هو الموقف الأول للرئيس الأميركي ترامب تعليقاً على سقوط النظام السوري، وجاء هذا الموقف قبيل استلامه لمهامه في البيت الأبيض، ويبدو واضحاً من خلاله بأن ترامب قارب الحدث من زاوية مسؤولية النظام التركي عمّا جرى، سواء لجهة وقوف تركيا خلف المخطط الذي تسبب بسقوط نظام الأسد، أو لجهة تبعية الفصائل المسلحة (جبهة النصرة وحلفائها) لتركيا.
من الواضح، أن الرئيس الأميركي ترامب تعمّد من خلال هذه المقاربة والموقف أن يوجه رسائله للنظام التركي، كأنه يريد القول للرئيس أردوغان، إن مسؤولية ما سينتج عن هذا الأمر تقع عليكم، وإن موقفنا من ذلك مرتبط بما ستقدمه تركيا لواشنطن في هذا الملف أو مقابله، وبمعنى آخر فإن ترامب المعروف عنه بميله للمضاربات في السياسة يريد القول لأردوغان "هات ما عندك كي نمرر لك هذا الفعل".
تلقفت أنقرة على وجه السرعة إشارات ترامب المبكرة بارتياب وقلق، وهي التي حرصت من باب التحوط "الجيوسياسي" على إنجاز إسقاط نظام الأسد، قبل دخول ترامب للبيت الأبيض تخوفاً من انقلاب أوراق اللعبة في المنطقة ضد مصالحها بعيد فوزه بالانتخابات.
بدا الارتياب والقلق واضحين من خلال تصريحات وزير الخارجية التركي حقان فيدان الذي ردّ على تصريحات ترامب بنفي مشاركة بلاده في العملية التي أدت لسقوط نظام الأسد، وعلى الرغم من إدراك فيدان أن هذا النفي يرقى لدرجة السذاجة، فإنه أراد منه أن يسجل اعتراضاً على بازار المضاربة الذي أراده ترامب، بعد أن توجّس رغبة أميركية بالحصول على تنازلات تركية، وهو -أي فيدان - كان ينتظر مع رئيسه أردوغان أن يكون النصر "الجيوسياسي" الذي حققوه في سورية سبباً للحصول على مكاسب إستراتيجية من واشنطن على وجه التحديد أولاً، ومن أوروبا وقوى الإقليم تالياً.
لاحقاً، لذلك سربت هيئة البث "الإسرائيلية" معلومات عن مسؤولين أميركيين عن خطط للرئيس ترامب لسحب قوات بلاده من سورية، لكن الرئيس الأميركي وفي ثاني تعليق له حول الموضوع السوري، والأول بعد توليه منصبه نفى أن يكون اتخذ قراراً بهذا الخصوص:
"لا أعرف من قال ذلك، لكننا سنتخذ قرارًا بشأن سورية..نحن لا نتدخل في سورية. لديهم ما يكفي من المشاكل والفوضى هناك، هم لا يحتاجون إلى تدخلنا".
لا يحتاج المتابع لكثير من الجهد ليعرف أن ما سربته "هيئة البث الإسرائيلية" كان متعمدًا، وربما بطلب جهات من إدارة ترامب نفسها، ويؤكد ذلك قيام ترامب نفسه بالتعليق على تلك التسريبات، والتي كان بإمكانه تجاهلها، غير أن ترامب أراد بنفسه للمرة الثانية أن يرمي الكرة في ملعب اللاعبين الإقليميين في الشأن السوري، وعلى رأسهم تركيا، ومن بعدها الدول العربية الفاعلة والمحيطة بسورية، وهو ترك مرة أخرى الأمر معلقاً بانتظار ما يطرح من قبلهم ويحقق له مصالح واشنطن. وفي الوقت الذي تستعجل فيه أنقرة و عواصم الإقليم العربية على وجه التحديد إتمام الخريطة السياسية الداخلية في سورية، فإنه من الواضح أن الاميركيين ليسوا في عجلة من أمرهم، ولسان حالهم يقول للمستعجلين: "ليطرح كل منكم خياراته على الطاولة الآن.. ثم ننظر لاحقاً".
وعند الحديث عن مكاسب واشنطن التي يريدها ترامب، فالأمر لا يحتاج للتفكير كثيرا، فالمصالح الأميركية تبدأ وتنتهي بمصالح الكيان "الإسرائيلي"، وخاصة مع ترامب وإدارته كداعم مطلق يسعى ليسجل نفسه كأكثر رئيس أميركي قدم لـ"إسرائيل" عبر تاريخها.
لقد بات معلوماً، أن ترامب حدد هدفين رئيسيين لسياساته في الشرق الأوسط وهما: " تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، ومساعدة "إسرائيل" على التوسع وزيادة مساحتها"، ولا شك فإن موقفه المؤجل من الملف السوري يستهدف تطويع هذا الملف لتحقيق هذين الهدفين، وبالتالي يريد من تركيا والدول العربية أن تقدم أوراقها لتحقيق هذين الهدفين، مقابل ما يمكن أن يتخذه من مواقف خاصة بالملف السوري الذي بات يشكل هاجساً لهم، ويسعون للحصول على اعتراف أميركي بسلطة الأمر الواقع في دمشق التي يمثلها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة سابقاً المصنفة منظمة إرهابية) والفصائل المتطرفة المتحالفة معه، في الوقت الذي شكلت الإشارات الصادرة عن مسؤولين في إدارة ترامب وعلى رأسهم وزير الخارجية "ماركو روبيو" ، ورئيسة الإدارة الوطنية للمخابرات الأمريكية "تولسي غابارد" عوامل غير مشجعة تجاه السلطة في دمشق لجهة القلق على حقوق الأقليات وانتماء رموز تلك السلطة لتنظيم "القاعدة"، وهو ما يعني أن إدارة ترامب تلوّح بعدم شرعية تلك السلطة واتهامها بالإرهاب، وأن الموقف النهائي متعلق بتحقيق واشنطن لأهدافها.
وفي إطار شروط واشنطن لتحقيق أهدافها فإن آخر ما تسرب، أن ترامب اشترط على أردوغان أن يعيد علاقته بـ"إسرائيل"، قبل أن يتخذ موقفاً بخصوص الانسحاب من سورية، حيث تقف القوات الأميركية الداعمة لقوات سورية الديمقراطية "قسد" عائقًا في وجه التدخل العسكري التركي المباشر، كما أن ترامب رمى ملف تهجير الفلسطينيين إلى مصر بوجه السيسي الذي عاجل بمباركة الحكم في دمشق في محاولة للدخول باللعبة ولو متأخراً، ظناً منه أن ذلك قد ينفع في المقايضة لاحقاً مع واشنطن.
وحقيقة الأمر أن السيد الأميركي يقول ما زال الوقت مبكرًا للالتفات إلى الملف السوري.. قالها ترامب : "ما شأننا بالفوضى هناك".. عبارة تحمل من التهديد ما يكفي لدب الرعب في أنظمة الحكم في الإقليم، ولذلك كان واثقاً من نفسه كثيراً عندما سُئل عن موقف مصر والأردن الرافض لتهجير الفلسطينيين بقوله "سيفعلون ذلك".
تركياجبهة النصرةدونالد ترامبرجب طيب أردوغانسورية
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
03/02/2025