نصر من الله

آراء وتحليلات

قرار التهجير لا يخضع لأوامر ترامب ولا موافقة مصر والأردن
04/02/2025

قرار التهجير لا يخضع لأوامر ترامب ولا موافقة مصر والأردن

عندما يطلب رئيس أكبر دولة في العالم وبشكل علني وليس من وراء الكواليس تهجير شعب، ويوجه طلبه إلى رئيس مصر وملك الاردن، فهو أمر يجب ألا يُستهان به أو وضعه في خانة جس النبض أو بالونات الاختبار أو المناورات السياسية، خاصة وأنه كرر حديثه أكثر من مرة وبعد إعلان مصر والأردن رفضهما علناً، مما يشي بأن هناك إصرارًا أمريكيًا وأن هناك أوراق ضغط أمريكية تجعل من الحديث الأمريكي حديثًا متعاليًا وواثقًا بهذا القدر.

ومن المعلوم، أن ملف تهجير أهل غزة إلى مصر والأردن ليس وليد اللحظة، وإنما هو ملف قديم وقابع في أدراج وثائق الأمن القومي الصهيوني، ومن المعلوم أيضاً أن الشعب الفلسطيني أفشله في أكثر من محطة بسبب تمسك الشعب بأرضه، وبسبب وجود مقاومة باسلة تقاوم محاولات التهجير القسري المستمرة، مما يؤكد أن التهجير ليس قراراً أمريكيًا ولا صهيونيًا ولا يخضع لموافقة الدول العربية من عدمه، ولكن يقود الإصرار عليه إلى تداعيات خطيرة على الشعب الفلسطيني، وخاصة في ملف إعادة الإعمار، وكذلك إلى تداعيات نذر المواجهة بين الأنظمة الرافضة وأميركا وتداعيات ذلك على المنطقة.

وهنا نحاول إلقاء الضوء على ملف التهجير وخلفيات دعوة ترامب وعوامل الرفض العربي ومدى صدقها وإمكانية صمودها وهل توجد أوراق قوة لدى هذه الأنظمة، وكذلك العامل الشعبي الذي استدعته الأنظمة للاستقواء به وأهميته، وذلك تالياً:

1- ملف التهجير القديم المتجدد:

فكرة التهجير تولَّدت مع النشأة المشؤومة للكيان الصهيوني القائم على الاحتلال والاستعمار الاستيطاني، وفكرة تهجير أهل غزة نوقشت في مخططات تفصيلية وبشكل جدي بعد حرب العام 1967 في حكومة "ليفي أشكول" عبر "موشي دايان" وعدة وزراء، وكانت خطة "يغال ألون" من أبرز وأشهر خططها، وكانت تحت مسميات مخففة وهي التشجيع على الهجرة الطوعية، وهو نفس المسمى الذي يستخدمه "بن غفير" و"سموتريتش" حالياً.

وكانت خطة الجنرالات التي يكمن وراءها "إيغورا آيلاند" جزءًا من هذه الخطة في شمال غزة، ويعد إيغورا أبرز الداعين إلى تهجير أهل غزة، وقد أعاد إحياء الفكرة في مطلع القرن الحالي.

ولعل إدارة ترامب التي اعلنت أن مساحة "إسرائيل" صغيرة، والتي اعترفت بضم الجولان في ولايتها الأولى وكذلك نقل السفارة للقدس هي الوجه الأمريكي الملائم لطرح الفكرة علناً وممارسة هذا الضغط غير المسبوق على النظامين المصري والأردني، وهو نوع من تحصيل الهدف عبر السياسة جراء العجز عن تحصيله بالقوة بعد عام وثلاثة أشهر من حرب الإبادة صمدت خلالها المقاومة وصمد خلالها الشعب على أرضه، وتم تكليل المشهد بعودة أهل شمال غزة باحتفالات شعبية تحتضن المقاومة.

2- الإدارة الأمريكية وتوزيع الأدوار:

بات من المعلوم بالضرورة في السياسة، أن الإدارات الأمريكية هي واجهات لنخبة إستراتيجية حاكمة عابرة للرؤساء، بدليل عقد اتفاقيات إستراتيجية كبرى عابرة للإدارات المتعاقبة، ولا يتم ترك حرية الانقلابات الإستراتيجية لأهواء الرئيس ولفترته الرئاسية المحدودة.

وقد سعت إدارة بايدن إلى تهجير الشعب الفلسطيني بطريقة خبيثة عبر دعم حرب الإبادة وتحويل غزة إلى مكان غير قابل للعيش، في الوقت الذي كانت تتظاهر فيه بدور الوساطة وتتغنى به بالمطالب الإنسانية والمساعدات وتدعي وجود خلافات وتمايزات بينها وبين حكومة نتنياهو المجرمة والمطلوبة للمحكمة الجنائية الدولية.

ومع تصدي شخص فج مثل ترامب لتمثيل "الإمبراطورية الأمريكية"، حاول ترامب ممارسة الإستراتيجية الامريكية التي قوامها الحضور بالصورة وامتلاك مفاتيح الحل الإستراتيجي، ولكن جاء في لحظة أوشكت فيها الجبهة الصهيونية على الانهيار وأوشكت فيها أميركا على التورط بشكل مباشر في الصراع بعد اشتباكها المباشر مع اليمن وخسائرها من الطائرات المسيرة واستهداف حاملات طائراتها بشكل مباشر.

وهنا كان قرار وقف إطلاق النار وبشكل ضاغط حقيقي لاحتواء تدهور الأوضاع مع لبنان بعد استهدافات المقاومة في لبنان للعمق الصهيوني بشكل نوعي وبعد يأس العدو من الاحتلال واختراق القرى عبر القوة العسكرية، وبعد الخسائر اليومية في غزة دون تحقيق أي هدف أو تحرير أي من الأسرى.

وبعد ما بدا أنه هزيمة صريحة للعدو باعتراف السياسيين والإستراتيجيين الصهاينة، وبعد نذر تفكك الائتلاف الحاكم وحالة الإحباط التي عمت الجبهة الداخلية للكيان، خرج ترامب بأوامر التهجير للأنظمة الرسمية كنوع من أنواع استرضاء اليمين الصهيوني وحماية حكومة نتنياهو من الانهيار وكبديل لمواجهة المقاومة بقراءة مفادها أن الضغط على الأنظمة الرسمية يمكن أن يحقق الأهداف التي فشلت بمواجهة المقاومة.

3- الموقف الحقيقي لمصر والأردن من التهجير:

لا شك أن موقف النظامين المصري والأردني من رفض التهجير هو موقف صادق، لأنه لا يتناقض مع الأمن القومي للدولة المصرية والأردنية فقط، بل يتناقض مع امن النظامين.
ودون تفتيش في النوايا الوطنية أو تقييم لتوجهات النظامين المطبعين مع العدو، فإن في مخيلة الأنظمة وذاكرتها التاريخية، تكمن مشاهد التورط في الصراع بعد وجود جموع فلسطينية يتم تهجيرها قسرًا ولا تخلو من مقاومة ومطالب للعودة.

حيث توجد في الذاكرة الإستراتيجية للأنظمة مشاهد تواجد منظمة التحرير في الأردن ومقاومتها للعدو "الإسرائيلي" من داخل الأردن ثم الاشتباكات التي حدثت بينها وبين الجيش الأردني في ما عرف بأيلول الأسود بعد الضغط على الأردن لكبح جماح المقاومة، وكذلك توجه منظمة التحرير للبنان ومقاومتها للعدو من الجنوب وما تبع ذلك من تداعيات الحرب الأهلية والاجتياح الصهيوني للبنان.

وبالتالي فإن النظامين المصري والأردني على الأقل يخشيان من التورط في صراع وحرب مع "إسرائيل" إذا ما تسبب التهجير في انطلاق مقاومة من أراضي الدولتين أو احتكاك مع العدو يورط الدولتين بشكل مباشر في الصراع.
وبالتالي فإن السؤال ليس هو مصداقية الرفض للتهجير من عدمه، ولكن السؤال هو عن القدرة على التحدي والصمود والثبات على الرفض وتحمل تداعيات ذلك، خاصة وأن ترامب لوح بعصا المساعدات الأمريكية، وهي لا تقتصر على المساعدات الاقتصادية والعسكرية، بل تدخل إلى نطاق الشرعية التي تغطي هذه الأنظمة وتوفر لها شرعية دولية وأهلية للاستدانة ورفع للحصار والمضايقات التي تحاول أميركا بها إسقاط الأنظمة الخارجة عن الطوع.

4- أوراق القوة لدى الأنظمة لمواجهة أميركا:

لا شك أن النظامين المصري والأردني فرطا كثيرًا في أوراق القوة عبر الاعتماد على الاستدانة وعدم امتلاك اقتصاد مقاوم، كما تم تحييد القوة الشعبية في مصر والتي استدعتها مصر مؤخراً لتظاهرات بالتنسيق مع الأمن المصري لإيصال رسالة شعبية إلى ترامب، وربما لو كان النظام المصري ترك الإرادة الشعبية للتعبير عن نفسها منذ بداية الأزمة لما كنا قد وصلنا لهذه اللحظات الحرجة.

ولكن يبدو أن مصر والأردن قد اعتمدا على الدعم الخليجي سياسياً بتدشين مؤتمر سداسي تحضره مصر والأردن وقطر والإمارات والسعودية وجامعة الدول العربية، وهو أمر لا يشكل ورقة قوة لأن بياناته تشابه بيانات القمم العربية التي لم تمنع حرب الإبادة، والتي تخلو من أوراق الضغط.

ولو كان هناك دعم خليجي سياسي حقيقي، فإن الأنظار تتوجه للسعودية التي وعدت ترامب باستثمارات قدرها 600 مليار دولار، ويريد ترامب زيادتها إلى تريليون دولار مقابل التوجه للسعودية كزيارة أولى بدلاً من بريطانيا، وبالتالي لا بد من جعل هذه الاستثمارات مشروطة لو أراد الخليج منع التهجير ومساندة مصر والأردن والفلسطينيين.

ولا شك أن احتضان البلدين لخيار وثقافة المقاومة والانفتاح على حركات المقاومة هو الرادع الأكبر، ولكن تاريخ الأنظمة منذ "كامب ديفيد" لا يجعل من هذا الأمر محل تفاؤل كبير.

والخلاصة أن هناك صراع إرادات بين أميركا التي تدافع عن هيبتها بحتمية الانصياع لأوامرها من الدول التابعة وبين إرادة هذه الأنظمة للبقاء، وهو ما قد ينتج مشاهد جديدة في المنطقة، وهناك عرقلة محتملة لملف إعادة الإعمار لإجبار الفلسطينيين على الهجرة بعد ترك غزة ركامًا ورمادًا، وهناك نوايا واضحة للغدر وخرق وقف إطلاق النار وتجديد العدوان، ولكن لا خوف على المقاومة وعلى الشعب الفلسطيني إذا ما صمدت المقاومة وإذا ما تمسك أهل غزة والضفة بالأرض، فالتهجير ليس قراراً أمريكيًا ولا موافقة عربية ولا حرباً إجرامية للإبادة، وإنما هو رضوخ وكسر للإرادة، وهو ما لم يحدث مع المقاومة والشعب الفلسطيني ولن يحدث  بعد إثبات المقاومة وجبهاتها والشعوب إصرارها على الانتصار والبقاء بعزة وكرامة مهما كانت التضحيات.

غزةدونالد ترامبالمقاومةالحكومة الاسرائيليةالترانسفير

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة
الإعلام الحكومي: الاحتلال يُماطل في تنفيذ البروتوكول الإنساني
الإعلام الحكومي: الاحتلال يُماطل في تنفيذ البروتوكول الإنساني
الإمام الخامنئي: غزّة الصغيرة ستتغلّب على قوّة عسكرية عظمى كأميركا
الإمام الخامنئي: غزّة الصغيرة ستتغلّب على قوّة عسكرية عظمى كأميركا
الذكاء الإعلامي لحركة "حماس" وأهالي الجنوب اللبناني يؤرِّق العدو
الذكاء الإعلامي لحركة "حماس" وأهالي الجنوب اللبناني يؤرِّق العدو
إعلام العدو: الإفراج عن الأسرى كان عرضًا لقوة وقدرات حماس
إعلام العدو: الإفراج عن الأسرى كان عرضًا لقوة وقدرات حماس
فيديو| القسام تنشر مشاهد من تسليم الدفعة الرابعة من الأسرى الصهاينة في قطاع غزة
فيديو| القسام تنشر مشاهد من تسليم الدفعة الرابعة من الأسرى الصهاينة في قطاع غزة
تشاؤم في "إسرائيل" بخصوص إكمال المراحل التالية من "الصفقة"‎
تشاؤم في "إسرائيل" بخصوص إكمال المراحل التالية من "الصفقة"‎
 لقاء مصيري في البيت الأبيض: أولويات نتنياهو وعلامات الاستفهام حول ترامب‎
 لقاء مصيري في البيت الأبيض: أولويات نتنياهو وعلامات الاستفهام حول ترامب‎
فورين أفيرز: أصوات صهيونية بارزة تُحرّض واشنطن على إيران
فورين أفيرز: أصوات صهيونية بارزة تُحرّض واشنطن على إيران
تحليل أميركي: على ترامب كبح نتنياهو  
تحليل أميركي: على ترامب كبح نتنياهو  
مرحلة جديدة تنتظر المنطقة بعد عودة جزار العصر من أميركا..
مرحلة جديدة تنتظر المنطقة بعد عودة جزار العصر من أميركا..
هل تنجح المقاومة السورية في قلب المعادلات الصهيو-أميركية؟
هل تنجح المقاومة السورية في قلب المعادلات الصهيو-أميركية؟
"سياديو عوكر" ومشروع "إسرائيل الكبرى"
"سياديو عوكر" ومشروع "إسرائيل الكبرى"
التحرير الثالث.. شعب المقاومة يهزم  جيش العدو مجددًا
التحرير الثالث.. شعب المقاومة يهزم جيش العدو مجددًا
الجنوبيون يدخلون قراهم "بسلامٍ آمنين"
الجنوبيون يدخلون قراهم "بسلامٍ آمنين"
نتنياهو يحذر من إضعاف حكومته عشية زيارته لواشنطن‎
نتنياهو يحذر من إضعاف حكومته عشية زيارته لواشنطن‎
تجميد ميزانيات إعادة إعمار شمال الكيان وجنوبه.. ووزارة المالية تحذّر من كارثة
تجميد ميزانيات إعادة إعمار شمال الكيان وجنوبه.. ووزارة المالية تحذّر من كارثة
القسّام تُسلم الأسيرات "الإسرائيليات" الأربع للصليب الأحمر
القسّام تُسلم الأسيرات "الإسرائيليات" الأربع للصليب الأحمر
استطلاع للرأي: 70% من المستوطنين يريدون استمرار تنفيذ "اتفاق" إعادة الأسرى 
استطلاع للرأي: 70% من المستوطنين يريدون استمرار تنفيذ "اتفاق" إعادة الأسرى 
مسؤولون أمنيون يُحذّرون من عواقب وخيمة إذا تخلت "إسرائيل" عن السيطرة على رفح
مسؤولون أمنيون يُحذّرون من عواقب وخيمة إذا تخلت "إسرائيل" عن السيطرة على رفح
الحاج حسن: أميركا تقود العدوان على غزة فكيف تصوّت لوقف إطلاق النار؟
الحاج حسن: أميركا تقود العدوان على غزة فكيف تصوّت لوقف إطلاق النار؟