إنا على العهد

آراء وتحليلات

إيران تبطل الرهانات الأمريكية بمستوياتها المختلفة
14/03/2025

إيران تبطل الرهانات الأمريكية بمستوياتها المختلفة

في توقيت حاسم يشهد محاولات لقلب التوازنات الإستراتيجية التي تشكلت منذ قيام الثورة الإسلامية وأهم مفاعيلها المتمثل في ضبط التوازن الإقليمي بعد خروج مصر والنظام الرسمي العربي بغالبيته من الصراع، تحاول أميركا فرض "إسرائيل الكبرى" عبر عزل وحصار الجمهورية الإسلامية وحركات المقاومة بذرائع سياسية مختلفة يأتي على رأسها البرنامج النووي الإيراني.

وفي قراءة خاطئة ترى أميركا أن الوقت ملائم لفرض الإملاءات على إيران وجبهات المقاومة، بتصور مفاده أن غياب رموز المقاومة بعد شهادتهم في جرائم الاغتيالات، وبعد سقوط النظام في سورية وبعد اتضاح عجز النظام الرسمي العربي عن مواجهة أميركا والكيان، يمكن أن يشكل وضعًا مأزقيًا لإيران يقودها إلى الاستسلام والتخلي عن مبادئ الثورة لحماية نفسها من العزلة والاستهداف العسكري.

ومن هنا جاءت أهمية كلمة قائد الثورة الإمام السيد علي الخامنئي، والتي أكدت الثبات والصمود ورفض الإملاءات، ومن هنا جاءت أهمية كلمة الرئيس بزشكيان لتؤكد الاصطفاف وراء القائد ولتبطل الرهانات الأمريكية والصهيونية على أي انقسامات أو تمايزات بين أجنحة الثورة الإسلامية.

وهنا نحاول بيان مضمون التوجه الأمريكي تجاه إيران وجبهات المقاومة والرهانات على الوقيعة بين مكونات المجتمع الإيراني، وكذلك بيان النفاق الأوروبي وانقياد أوروبا لأميركا في مخالفة القانون الدولي والأعراف والاتفاقيات، وبيان رسالة الصمود الإيرانية وقطعها للطريق على هذه الرهانات وذلك تاليًا:

- الخطط والتوجهات الأمريكية تجاه إيران:

تقول الحكومة الأمريكية علنًا أنها تسعى إلى عزل إيران عن الاقتصاد العالمي ووقف عائداتها من صادرات النفط بهدف إبطاء تطوير طهران للسلاح النووي، رغم النفي الإيراني الدائم للسعي لامتلاك أسلحة نووية وإعلان إيران الدائم أن برنامجها سلمي.

 وفي هذا الإطار، فرضت واشنطن سلسلة من العقوبات على طهران بسبب برنامجها النووي، ولكن السبب الحقيقي هو دعم إيران لحركات المقاومة وقيادتها لجبهات مواجهة الهيمنة الأمريكية والصهيونية.

وفي الفترة الأخيرة تعالت نبرة التهديدات، حيث قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جيمس هيويت: "كان الرئيس دونالد ترامب واضحاً في أنه يجب على النظام الإيراني أن يتخلى عن طموحاته للحصول على سلاح نووي وإلا فسيواجه أقصى قدر من الضغوط. نأمل أن يضع النظام مصالح شعبه والمنطقة فوق سياساته المزعزعة للاستقرار".

كما  كشف ترامب في مقابلة مع قناة "فوكس بيزنس"، أنه أرسل رسالة إلى المرشد قال فيها: "آمل أن تتفاوضوا، لأن دخولنا عسكرياً سيكون شيئاً مروّعاً".

ولا يخفى أن أميركا تحاول دوماً استخدام مصطلح الشعب الإيراني لخلق وقيعة بين الشعب ونظام الجمهورية الإسلامية كما تفعل دوماً مع بيئة المقاومة ومحاولة مغازلتها والوقيعة بينها وبين قادة المقاومة بتحميل القيادات مسؤولية الحصار والاستهداف، كما تلعب أميركا على ورقة التنوع داخل النظام الإسلامي بين المحافظين والإصلاحيين لتصدير صورة بأن هناك من يرغب في التفاوض وهناك من يتشدد وأن هذا الملف يمكن أن يشكل انقسامًا وصراعًا.

- الموقف الإيراني الحاسم: 

وقبل تسلُّم طهران الرسالة، جاء الرد المبدئي على أعلى المستويات، فقد جاء الرد من القائد الإمام الخامنئي ومعه رد من رئيس الجمهورية، وهو ما يعني رداً موحداً من الشعب الإيراني بأجنحته كافة، يقطع الطريق على الرهانات الأمريكية على الانقسام.

وبالتالي، فإن الرد الموحد جاء شكليًا ليقطع الطريق على الوقيعة، وجاء المضمون ليقطع الطريق على الإملاءات وليرسل رسالة بالثبات والصمود.

فقد اعتبر السيد الخامنئي دعوة الرئيس الأميركي إلى التفاوض محاولة لتضليل الرأي العام الدولي وأن التفاوض مع هذه الإدارة الأميركية لن يؤدي إلى إلغاء العقوبات، بل سيزيدها تعقيداً، وأكد القائد مجدداً أن إيران لا تريد السلاح النووي، ولا تسعى إلى امتلاكه، وأن إيران لا تبحث عن الحرب، لكن إذا ارتكبت الولايات المتحدة وأذنابها حماقة، فالردّ الإيراني سيكون حاسماً ومؤكداً.

وفي سیاق متصل، أفاد موقع «أكسيوس» الإخباري الأميركي، نقلاً عن مصدر مطّلع، بأن المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، زار أبو ظبي الثلاثاء، والتقى الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، وسلّم الإماراتيين رسالة ترامب ليسلّموها للإيرانيين. وفيما لم يتّضح مضمون الرسالة، يعتقد العديد من المراقبين بأن الهدف منها الضغط على إيران لقبول التفاوض مع الأميركيين، وفق تصوّرات البيت الأبيض، الذي يحاول وضع طهران أمام خيارين لا ثالث لهما: «إما الاتفاق أو الحرب»، أي إمّا قبول المطالب الأميركية، أو التعرّض لهجوم عسكري.

وكان السيد الخامنئي، قد قال قبل ذلك بأيام خلال لقائه مع المسؤولين الحكوميين، إن إصرار بعض الحكومات المتغطرسة على التفاوض ليس لحل القضايا، بل لفرض إملاءاتها، وأن إيران لن تقبل هذه الإملاءات إطلاقًا.

ومن أهم ما جاء في تصريحات السيد القائد هو تأكيده على أن إيران لو أرادت صناعة أسلحة نووية لما تمكنت أمريكا من منعها، وكذلك تأكيده على أن غياب الشهداء، إبراهيم رئيسي والسيد حسن نصر الله والشهداء إسماعيل هنية والسنوار ومحمد الضيف رغم كونه خسارة كبيرة، فإن ذلك لا يعني التراجع والضغف إذا توفر عاملان رئيسيان هما الهدف والجهد، وأن إيران تواصل مسيرة القوة والتقدم.

وهذه التصريحات ترسل رسائل نارية لأميركا والكيان، بأن إيران ليست هي الساعية إلى التسوية والتفاوض ولا تتحدث من موقع ضعف وعزلة وشعور بضيق الخناق كما يحاول الأعداء تصدير هذه الصورة، وإنما تتحدث من موقع ثبات وصمود وتمسك بالثوابت ولن تركع وترضخ لأي إملاءات ولن تجبر على أي تنازلات.

وهو ما أكده الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، عندما قال إن بلاده لن تخضع للتهديدات، لافتاً إلى أنّ الإقبال على المفاوضات لا يعني الركوع بذلّ أمام أي طرف، وقال نصاً: "إننا نموت بعزّة، لكننا لن نعيش في الذل".

ولعل إشارة بزشكيان إلى ما حدث مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في البيت الأبيض، كانت لافتة وموحية، حيث قال، إن ما فعله الرئيس الأميركي مع زيلينسكي أمر مخجل، وأن يُقال لشخص، نحن نعطيك الأوامر لتفعل هذا وذاك، وإن لم تفعل فسنفعل بك كذا، هو أمر مهين".

كانت الإشارة واضحة بأنها تمييز بين المرتهنين لأميركا وبين الأحرار ذوي الكرامة والسيادة، وهو ما أكده بزشكيان عبر مخاطبة  ترامب مباشرة بالقول: "أنا شخصياً لن أجلس معك، وافعل ما شئت".

- الإجراءات الأمريكية المتوقعة:

بعد إبداء إيران الصمود والثبات فإنها تبطل الرهانات على أمرين رئيسيين:

أولهما: الرهان على الوضع الإقليمي الراهن، والذي شهد صعوبات كبيرة وخسائر لجبهات المقاومة، حيث تبعث برسالة ثبات وأن المواقف لن تتغير، وتعلن الجهوزية لأي سيناريوهات وخطوات حمقاء.

وثانيهما: الرهان على انقسامات داخل أجنحة النظام الثوري ومكونات وتنوعات الشعب الإيراني، بإيصال رسالة مفادها أن الموقف موحد وأن الجميع يصطف وراء القيادة.

وهنا، فإن أميركا ليس أمامها إلا أحد سيناريوهين:

 الأول، محاولة تعميق العزلة والحصار الاقتصادي والسياسي، مثل الخطوة التي أقدمت عليها بإنهاء الإعفاءات الممنوحة للعراق لشراء الكهرباء من إيران، وكذلك اجتماع مجلس الأمن لمناقشة ملف ايران النووي ومحاولة اتهام إيران بمخالفة القانون الدولي رغم أن ايران تحترم الاتفاقيات وأن اميركا هي التي أخلت بالاتفاق وانسحبت منه.

والثاني: هو الإقدام على خطوة حمقاء بالعدوان على إيران إما بشكل مباشر أو عبر الذيل الصهيوني لأميركا والممثل في الكيان الإسرائيلي.

وفي الحالتين، فإن إيران اعلنت الجهوزية عبر إجراءات اقتصادية مقاومة ونشاط حكومي برعاية القائد لدفع عجلة الاقتصاد المقاومة لمواجهة هذه المؤامرات، وكذلك باستدعاء لسفراء الدول التي اجتمعت في مجلس الأمن للاحتجاج على نفاقها واتخاذ مواقف سياسية قوية تجاهها.

كما أعلنت إيران الجهوزية العسكرية للرد على أي حماقة عبر مناوراتها المشتركة مع روسيا والصين والاستعدادات الدائمة والمتطورة لمواجهة العدوان.

وما ينطبق على إيران ينطبق على جميع الجبهات المقاومة في لبنان واليمن والعراق، حيث لن تفضي الضغوط إلا إلى مزيد من الصمود والثبات، وجميع الجبهات تتحضر لجميع السيناريوهات بما فيها أشدها حماقة وعدوانًا.

الجمهورية الاسلامية في إيرانالإمام الخامنئيالمقاومة

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة
بقائي: الحظر الجديد على إيران دليل على زيف ادّعاءات أميركا عن التفاوض
بقائي: الحظر الجديد على إيران دليل على زيف ادّعاءات أميركا عن التفاوض
البيان المشترك الصيني الإيراني الروسي: لحل الملف النووي الإيراني بالحوار 
البيان المشترك الصيني الإيراني الروسي: لحل الملف النووي الإيراني بالحوار 
إيران تستدعي سفراء فرنسا وألمانيا وبريطانيا للتنديد بـ "اجتماع استفزازي" حول النووي الإيراني
إيران تستدعي سفراء فرنسا وألمانيا وبريطانيا للتنديد بـ "اجتماع استفزازي" حول النووي الإيراني
بزشكيان: مؤامرات الأعداء ضد الشعب الإيراني لن تحقق غايتها
بزشكيان: مؤامرات الأعداء ضد الشعب الإيراني لن تحقق غايتها
التفاوض مع هذه الإدارة الأميركية لن يفضي إلى رفع الحظر
التفاوض مع هذه الإدارة الأميركية لن يفضي إلى رفع الحظر
الإمام الخامنئي: ادعاء أمريكا رغبتها في المفاوضات تضليل للرأي العام
الإمام الخامنئي: ادعاء أمريكا رغبتها في المفاوضات تضليل للرأي العام
خطاب الإمام الخامنئي حول المفاوضات مع أميركا تصدّر الصحف الإيرانية
خطاب الإمام الخامنئي حول المفاوضات مع أميركا تصدّر الصحف الإيرانية
الإمام الخامنئي: إصرار بعض الحكومات المستبدة على المفاوضات ليس لحل القضايا بل للهيمنة
الإمام الخامنئي: إصرار بعض الحكومات المستبدة على المفاوضات ليس لحل القضايا بل للهيمنة
كلمة الإمام الخامنئي في مناسبة يوم الشجرة
كلمة الإمام الخامنئي في مناسبة يوم الشجرة
عضو مجلس أمناء حركة التوحيد الإسلامي لـ"العهد": العدوّ الصهيوني الغدار لا تردعه إلا القوّة والمقاومة
عضو مجلس أمناء حركة التوحيد الإسلامي لـ"العهد": العدوّ الصهيوني الغدار لا تردعه إلا القوّة والمقاومة
هل أضاع العرب قمة الفرصة الأخيرة بمخرجات تخلو من الأنياب؟
هل أضاع العرب قمة الفرصة الأخيرة بمخرجات تخلو من الأنياب؟
العرب بعد قمة القاهرة.. إلى أين؟
العرب بعد قمة القاهرة.. إلى أين؟
في نينوى.. معرض فني عن قادة النصر والمقاومة
في نينوى.. معرض فني عن قادة النصر والمقاومة
مرقد الشهيد السيد نصر الله يعجُّ بالمُحبين.. "ممنونون لك يا سماحة السيد"
مرقد الشهيد السيد نصر الله يعجُّ بالمُحبين.. "ممنونون لك يا سماحة السيد"

خبر عاجل