آراء وتحليلات
مشروع "ممر داود" الصهيوني وإسقاطاته الخطيرة على العراق
قبل بضعة أيام، بثّت القناة 12 "الإسرائيلية" تقريرًا مفصلًا عما يسمّى بمشروع "ممر داود" من حيث مساراته الجغرافية وأهدافه وأبعاده الإستراتيجية، حيث أظهرت الخرائط التي تضمنها التقرير وصول المشروع إلى عمق الأراضي العراقية، لينتهي عند نهر الفرات، وربما أبعد من ذلك.
ولم تكن القناة المذكورة، هي المصدر الأول للحديث عن "ممر داود" والكشف عن الكثير من تفاصيله، بل إن أوساطًا وشخصيات سياسية وعسكرية وأمنية "إسرائيلية"، أسهبت خلال الشهور القلائل الماضية في الترويج والتنظير والتبشير به، وليتحول الكلام النظري بعد سقوط النظام السوري في الثامن من شهر كانون الأول - ديسمبر 2024 إلى تطبيقات وممارسات عملية على أرض الواقع، عبر استغلال مظاهر الفوضى وغياب السلطة المركزية القوية، وتراجع وانحسار دور وحضور وتأثير قوى وأطراف إقليمية ودولية، ارتباطًا بتداعيات التغييرات الدراماتيكية السريعة في المشهد السوري.
وكان من بين التطبيقات والممارسات العملية لمشروع "ممر داود" على أرض الواقع، دخول الجيش الصهيوني إلى عمق الأراضي السورية، ووصوله إلى تخوم العاصمة دمشق، وقيام سلاح الجو الصهيوني بتدمير العديد من المنشآت العسكرية والاقتصادية الإستراتيجية في سورية، من مخازن أسلحة وقواعد عسكرية ومصانع ومعامل، ناهيك عن دخول جهاز المخابرات الخارجية (الموساد) بقوة إلى سورية بالتنسيق مع أجهزة مخابرات إقليمية ودولية، وكذلك عبر التنسيق مع السلطات الجديدة هناك.
وبدلًا من أن يكون الجيش الصهيوني محاصرًا ومهدّدًا وقلقًا في مرتفعات الجولان، توسع وتمدد ميدانيًا، وبات اليوم يصول ويجول في مساحات غير قليلة من الجغرافيا السورية، بلا رادع، ليقترب بقدر أكبر من العراق.
خلاصة مشروع "ممر داود" الذي يعد جزءًا من التشويهات الدينية التأريخية للكيان الصهيوني، تتمثل في جانب منها بالامتداد من النيل إلى الفرات، وهذا يقتضي تدمير وتخريب وتقسيم وإخضاع ثلاث دول عربية كبيرة ومؤثرة، هي مصر وسورية والعراق. ويرى ساسة الكيان الغاصب أنهم نجحوا نسبيًا في إخضاع مصر وسلبها زمام المبادرة من خلال إبرام اتفاق كامب ديفيد قبل سبعة وأربعين عامًا، وأصبحت الطريق أمامهم سالكة لإنهاء الدولة السورية، وتحويلها إلى دويلات متناحرة ومتصارعة في ما بينها، ليؤسس له وجودًا هناك، يتيح له الوصول إلى العراق، بمساعدة ومباركة الولايات المتحدة الأميركية، وأطراف أخرى، كأن تكون دولًا ومنظمات وأحزاب وشخصيات.
وإذا كانت مشاريع ومخطّطات إغراق العراق بالفوضى والعنف والإرهاب بواسطة الجماعات والتنظيمات الإرهابية التكفيرية، كالقاعدة و"داعش" قد باءت بالفشل، فإن الدوائر الخارجية - الأميركية والصهيونية بالتحديد - لن تستسلم وتيأس، بل إنها سوف تبقى تجّب وتحاول، مثلما جربت وحاولت في السابق. ولعل "ممر داود" لايختلف كثيرًا من حيث الجوهر والمضمون عن مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، أو مشروع "صفقة القرن"، أو عموم ما يطلق عليه بـ"السلام الإبراهيمي".
ولا شك أن المخطّطات والمشاريع الصهيونية التي تستهدف تفكيك وحدة العراق، وتقسيمه وتشظيته جغرافيًا، وبث الفتن والصراعات بين مكوناته، تعود إلى المراحل الأولى لتأسيس الكيان الغاصب قبل نحو ثمانية عقود من الزمن، وقد تصاعدت وتيرة تلك المخطّطات والمشاريع بعد خضوع العراق للاحتلال الأميركي عام 2003، إلا أن عوامل وظروف عديدة ساهمت في أحباط وإفشال كلّ ما سعت إليه "تل أبيب" ومعها واشنطن وعواصم إقليمية ودولية أخرى، من بينها وجود المرجعيات الدينية، والوعي المجتمعي، ووجود الغالبية الضامنة، وطبيعة العلاقات الرصينة مع جهات صديقة.
وبينما تواجه سورية اليوم تحديات وتهديدات كبيرة للغاية، وتبدو الصورة ضبابية ومشوشة فيها إلى حد كبير، فإن العراق نجح أيّما نجاح سابقًا في التغلب على ذات التحديات والتهديدات، وتحويلها إلى فرص وآفاق واعدة. بيد أن ذلك لا يعني أن الأمور باتت على ما يرام بالكامل، انطلاقًا من جملة حقائق لا بد من أخذها بعين الاعتبار، ومن بين تلك الحقائق:
- إنّ الأمن القومي العراقي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن القومي لجيرانه وعموم محيطه الإقليمي، لذا فإن أي اضطراب وفوضى سواء في سورية أو غيرها من دول الجوار الجغرافي، لا بد أن تنعكس سلبًا على أمن العراق، وهو ما يتطلب التحسب لذلك كثيرًا.
- وبما أنّ مخطّطات ومشاريع الكيان الصهيوني التوسعي، تكاد تكون واحدة حيال كلّ دول وشعوب المنطقة، فإن نجاحها - أي المخطّطات والمشاريع الصهيونية - في دولة ما لا يعني انتهاء الأمر عند ذلك الحد، وإنما على العكس، يعني التحفز والاندفاع بوتيرة وإيقاع أكبر نحو الأمام. ووصول الكيان الصهيوني إلى سورية، لا بد أن يشجعه على ضع العراق في سلم أولوياته للمراحل اللاحقة.
- وجود نقاط التقاء وتقارب وتماثل في المصالح والأهداف بين الكيان الصهيوني والتنظيمات الإرهابية التكفيرية التي عاثت في الأرض فسادًا في العراق قبل خمسة عشر أو عشرين عامًا، والتي أصبحت تحكم سورية اليوم.
فالجماعات والتتظيمات الإرهابية التكفيرية تحلم بالعودة إلى خلط الأوراق مجددًا في العراق، وأكثر من ذلك، ربما رفع وصول هيئة تحرير الشام إلى مقاليد الحكم في سورية، من سقف طموحاتها ومطامعها وإمكانية تكرار سيناريو عام 2014 انطلاقًا من الموصل أو من أي محافظة عراقية أخرى.
في ذات الوقت، فإنّ الكيان الصهيوني، يسعى جاهدًا لاختراق الجغرافيا العراقية وتفكيكها وتشظيتها وتقسيمها عمليًا، وبالتالي الاقتراب أكثر فأكثر من إتمام هدفه الإستراتيجي المتمثل بتدمير وتخريب وإخضاع مصر وسورية والعراق، وفوق ذلك، الاقتراب من إيران والعمل على محاصرتها، وإضعاف محور المقاومة.
هذا التلاقي والتوافق في المصالح والأهداف بين "تل أبيب" والتنظيمات الإرهابية، يعني في ما يعنيه، أن العراق واقع في بؤرة الاستهداف ضمن مشروع تفتيت المنطقة وتوسيع مساحات الكيان الصهيوني وهيمنة ونفوذه، وهذا ما ينبغي التنبه إليه والحذر منه، رغم أن مجمل الدلائل والمؤشرات والمعطيات، تؤكد أن وضع العراق الأمني والسياسي والمجتمعي اليوم يختلف كثيرًا عما كان عليه في عام 2014 وما قبله.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
19/03/2025
طورٌ جديد من أطوار حربٍ لن تنتهي
التغطية الإخبارية
أوكرانيا| القوات الروسية شنت هجومًا واسع النطاق بالمسيرات على ميناء أوديسا
سورية| طيران العدو يواصل الهجوم على مناطق عدة في أرياف العاصمة السورية دمشق
إعلام العدو: نتنياهو ورؤساء الأحزاب يفكرون في تقديم موعد إقالة رونين بار إلى 28 آذار الحالي
فلسطين المحتلة| قوات الاحتلال تقتحم بلدة ترمسعيا شمال رام الله
إعلام العدو عن وزير الحرب الأسبق أفيغدور ليبرمان: كان على نتنياهو أن يتحمل المسؤولية ويستقيل
مقالات مرتبطة

بالصور | النجف الأشرف: جموع المؤمنين تحيي ليلة القدر الأولى عند مرقد الإمام علي (ع)

أكثر من 100 مطعم يتنافس في مهرجان الموصل السنوي للمأكولات الشعبية

إدانات عراقية واسعة للعدوان الأميركي على اليمن

العتبة الحسينية تحيي مولد الإمام الحسن (ع) بمحفل قرآني كبير

مقتل قيادي كبير من تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق ورفض لزيارة وزير الخارجية السوري

القوات المسلحة اليمنية تنفّذ عملية نوعية ضدّ هدف عسكري للعدو جنوب يافا المحتلة

العدو يتابع مسلسل اغتيالاته في غزة

مستوطنو "سديروت" بعد تعطّل سكك الحديد: الحماية لا تعني الأمن

"هآرتس": كيف يمكن العودة للقتال في غزة بقيادة رئيس حكومة كهذا؟
