خاص العهد
خطاب السيد ومعادلة الرد في السماء.. قوة واقتدار
فاطمة سلامة
في كل مرة تستمع فيها الى خطاب الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله تخرج بسلسلة انطباعات واستنتاجات على درجة عالية من الأهمية. جرعات من القوة والمعنويات تستمدها من هذا الخطاب الذي لا يُشبه ما قبله حُكماً، وإن تشابهت العناوين. قبل خطاب الأحد (25 آب/ أغسطس 2019)، كانت الساعات التي سبقت احتفال "التحرير الثاني" ثقيلة على العدو الصهيوني ومن يقف وراءه. تزامُن يوم الخطاب مع الاعتداء العدواني الذي شهدته الضاحية الجنوبية لبيروت، أعطى كلمة السيد نصر الله بعداً استراتيجياً، ما جعل العدو يحسب بالدقائق والثواني إطلالة السيد، تلك الإطلالة التي رسمت معادلة جديدة في التعاطي مع الخروقات "الإسرائيلية" للسيادة اللبنانية، معادلة قوامها الآتي: المسيّرات "الإسرائيلية" التي تدخل إلى لبنان لم تعد مُسيّرات خرق سيادة أو جمع معلومات بل مسيرات تفجير وعمليات انتحارية، ستواجهها المقاومة وتعمل على إسقاطها.
وقد اعتادت الطائرات الصهيونية أن تسرح وتمرح في سماء لبنان في مهمات استطلاعية تجسسية، لم تكن نتيجتها سوى خرق السيادة الوطنية والقرار 1701. المقاومة لطالما حذّرت من هذه الانتهاكات "العدوانية". وعلى مدى السنوات الماضية وثّق الجيش اللبناني في بيانات عديدة آلاف الخروقات الصهيونية التي قُدّمت الى "اليونيفيل"، ومنه الى المجتمع الدولي ولم يحرّك أحد ساكناً. وقد
والجدير ذكره أنّ ما شهدته سماء لبنان من خروقات (503) خلال ما يزيد على النصف عام ليس بالأمر الهيّن، فهذا الرقم خير دليل على الاستباحة الجوية التي حاولت "إسرائيل" ترسيخها وفرضها كأمر واقع على لبنان. وبطبيعة الحال، فإنّ هذه الاستباحة ليست "عصيّة" على المقاومة التي تستطيع بقدراتها العسكرية تلقين العدو درساً لن ينساه. إلا أنّ المقاومة اتبعت سياسة "كظم الغيظ" لاعتبارات بعضها داخلي. هذه السياسة لم تعد سارية المفعول طبعاً بعد كلام السيد نصر الله بالأمس، وعقب تحول مهام الطائرات المسيّرة من استطلاعية الى مسيّرات تنفّذ عمليات قتل وتستهدف مواقع حزبية. وعليه، فإنّ حادثة ليل السبت ـ الأحد رسمت قواعد اشتباك جديدة لن يسمح بعدها أن تأتي الطائرات "الإسرائيلية" لقصف أي مكان في لبنان ويبقى الكيان الغاصب لفلسطين آمناً، وفق ما أكّد سماحته.
قراءة في الخطاب الاستراتيجي...
ولا شكّ أنّ
بزي..خطاب السيد نسف ما أراده نتنياهو
المحلّل السياسي وسيم بزي يُشير في حديث لموقع "العهد" الإخباري الى أنّ خطاب سماحته التفّ باكراً على تطورين خطرين وغير مسبوقين في الصراع المرير. التفّ على قواعد الاشتباك من جهة، وعلى الخطوط الحمراء التي تحكم الصراع والتي من وحيها تتكرّس معادلات الردع ويجري تثبيتها عادةً من خلال إدراك كل طرف حدود القوة لدى الطرف الآخر.
ويُشدّد بزي على أنّ خطاب السيد نصر الله نسف باكراً ما أراده رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو والمؤسسة العسكرية لدى العدو على السواء ـاذا سلمنا بالتقاطع بينهماـ. وما أرادوه هو التالي:
١ـ كسر الخطوط الحمراء التي رسمها سماحته بالذات إزاء أي استهداف لحزب الله وعناصره في سوريا، وبأنّ الرد تلقائياً في لبنان، وهي قواعد اشتباك تكرست ما بعد الاعتداء على مزارع الأمل في القنيطره وحينها الرد أتى في مزارع شبعا وبالأمس فتح سماحته الرد الحتمي الى الخط الازرق والـ١٧٠١ وحتى أوسع من ذلك.
٢ـ أراد العدو عبر واقعتيْ عقربا ومعوض المتلازمتين من حيث التوقيت وتداخل الساحات والأهداف المتوخاة والتداعيات، أراد توسيع المدى الحيوي للصراع وفتحه على آفاق جديدة مثل أن تكون ضربة معوّض فاتحة لتطوير أسلوب الاستهداف وأدواته، وهنا أيضاً استفاد سماحة السيد من كل الظروف التي أحاطت بالحادثة ليُدخل معادلة جديدة توقف عربدة مسيرات العدو في سماء لبنان وقد مضى عليها أكثر من عقدين دون ردع والعدو يعتبرها من خطوطه الحمراء التي يعني إسقاطها إصابة العدو بالعمى، وهذا يؤسس لاحقاً لإدخال الطيران الحربي لدى العدو في معادلة الردع وبالتالي توفر الوسيلة لدى المقاومة التي تتيح تحقيق هذين الهدفين.
٣ـ ا
٤ـ دخل سماحة السيد في صلب الهدف الذي يريده نتنياهو من حملته الأخيرة والتي شملت ساحات سوريا، العراق ولبنان ودائماً فلسطين، ورسم خطاً بين مصلحة نتنياهو الانتخابية ربطاً بانتخابات السابع عشر من أيلول/ سبتمبر القادم وبين مصلحة الكيان والمؤسسة العسكرية، خاصةً في ضوء التداعيات التي ستنتج عن الرد الحتمي، والذي أدخل السيد توقيته في إطار الاستنزاف النفسي والمعنوي والاعلامي وأيضاً العسكري والاستراتيجي ربطاً بطبيعة الهدف الذي سيمثله الرد القادم.
٥ـ تجاوز سماحته كل الاعتبارات الداخلية حيث أشاد بحالة الاحتضان الوطني المصاحبة لما جرى في معوض ولكن اتخذ القرار الاستراتيجي بالرد القادم في ظل أولوية وحيدة تتعلق بمنطق الصراع وعدم المسْ بالموقع العالي والمنتصر والمعتز لهذا اللبنان في معادلات المواجهة المندلعة في المنطقة.
ويختم بزي كلامه بالتشديد على أن الرد قادم وهو حتمي ومتخيل وصورة مزارع الأمل لا زالت قائمة وعقربا ومعوض وجمهور المقاومة على موعد مع الثأر القادم لدماء الشهداء. برأيه،