خاص العهد
العلّامة الراحل الشيخ كوراني.. شعلة نورانية
فاطمة ديب حمزة
العلامة المجاهد سماحة الشيخ حسين كوراني. تعريف يختصر الكثير من مسيرة الراحل إلى بيته الأبدي، إلى حيث مهّد الطريق ورسم أطرافها بعلم ومعرفة وإيمان عميق، وتضحيات ومساهمات ضخمة في سبيل إغناء العقول بالدين المحمدي الأصيل، والرسالة الإلهية العليا، والتأصيل العقائدي الايجابي. إنه ابن ياطر الجنوبية العاملية، الباحث عن وجه الله في كل سوح العلوم، والمؤمن بقدرة الله حتى رمقه الأخير. إنه العلامة المجاهد في سبيل الله، الشيخ حسين كوراني.
من ياطر إلى قم: الرحلة إلى الله
كان قد تخطى السنوات العشر بقليل، حين ترك ياطر - مسقط رأسه - وبلدته الجنوبية العاملية. تركها باكرًا، باحثًا عن علوم تتوق نفسه اليها، علوم الدين والعقيدة، والسير على طريق الله الثابت بمعرفة عميقة ونظرة بعيدة. الى العراق كانت الوجهة الأولى، حيث تابع دراسته الدينية في النجف الاشرف، متأثرا بالسيد الشهيد محمد باقر الصدر، لينتقل بعد انتصار الثورة الاسلامية الخمينية الايرانية إلى طهران. هناك درس العلوم الدينية والفقهية، وتأثر كثيرًا بشخصية وقيادة الإمام الراحل السيد الخميني (رض). الوجهة بعد ذلك كانت لبنان، عائدًا إلى وطن يتهدده الاحتلال الصهيوني، والتفتت الداخلي والطائفي، فانخرط الشيخ في العمل القيادي في حزب الله، منتقلاً من مجلس الشورى إلى التوجيه الديني. كان فعلاً كما جاء في بيان نعيه الذي أصدره حزب الله: "متصديًا للعديد من المسؤوليات المركزية في مجال دعم المقاومة الاسلامية وفي المجال الثقافي والتربوي والتبليغي".
يقول علاء كوراني ابن سماحة الشيخ حسين كوراني لموقع "العهد" الإخباري إن الأسابيع الثلاثة الأخيرة شهدت تراجعًا كبيرًا في حالة والده الصحية: "صار التواصل بيننا وبينه عبر الكتابة، وإلى تلك اللحظة كانت كل عناوين والأفكار الدينية والاجتماعية والثقافية والجهادية التي يؤمن بها حاضرة".
ثم يكشف علاء لـ"العهد" المرتكزات الثلاثة التي كانت منطلق أي فكرة من أفكار العلامة الراحل، وهي "أولاً القضية الفلسطينية، والتي كانت حاضرة بشكل دائم في حساباته وأولوياته، وكان يعتبر أن بوصلة سلامة العقيدة هي فلسطين وتحرير القدس. ثانياً، كشف زيف الوهابية وتبيان الصلة بينها وبين الصهيونية وأنهما من منبت واحد. ثالثاً التوحيد عقائديًا، وذلك على أساس أن لا يكون الموحد موحدًا إلا بحب رسول الله، والبكاء على أبي عبد الله، والتمهيد للمنتظر(ع)".
ثم يذكّر الحاج علاء كل المحبين والأنصار بما كان يوصي به سماحة الشيخ - القريب من هموم الناس وظواهر المجتمع - حيث كان يشدد على "الالتزام بالمناهج الفقهية على أنها هي من أساسيات الوصول الى الله ومرضاته، ومطالعة الكتب الاجتماعية والتحسين الخُلُقي، وكيفية التعامل مع الأفراد، ونشر الألفة والمحبة عبر السلوكيات، والتحرر من الحقد".
من هذه النقطة تحديدًا تنطلق الحاجة منيرة كوراني ابنة أخ الشيخ الراحل، تقول منيرة وهي التي عاشت تحت عباءة الشيخ وفي كنفه: "منهجه في التركيز على بناء النفس والتهذيب الأخلاقي كان له أثر عميق في مطالعاتنا التي تركزت على كتب الأخلاق والقصص السلوكية، واهتمامه الفائق بتدين الأرحام والتزامهم الديني لم يكن شكليًا، كان يدخل في التفاصيل ومع الصغير والكبير، شارحاً لنا الأحكام الشرعية".
ثم تضيف الحاجة منيرة "أذكر جيدًا وبالتفصيل، اهتمامه الفائق لأي سلوك وجهد في سبيل الله والواجبات الدينية والفروض الاسلامية. كان كل ذلك ممزوجًا بروحه المرحة وابتسامته العميقة التي ترسم الأمل في محيّا كل من يقصده".
العلامة المنظّر .. الرؤيوي
الجميع يعلم، أن العلامة الشيخ كوراني لم يكن مجرد رجل دين. بل كان قائدًا مؤثرًا في الميادين الاجتماعية، الثقافية، الإسلامية. كان لدى الشيخ الراحل رؤية ونظرة ومقاربة في القضايا المطروحة، والمعقدة والشائكة، لا بل والدقيقة والمحرجة، وكان يرى في عمله هذا تصديًا للشيطان، ونصرة للدين الإسلامي المحمدي الأصيل.
يقول الكاتب والباحث الايراني محمد صادق الحسيني لموقع "العهد"، وهو من بين أوثق الناس علاقة بالشيخ كوراني الراحل: "العلامة الشيخ حسين كوراني العاملي، كان قدوة علمية وتعليمية، من خلال ذهنه الوقّاد وسلوكه الراقي، وقيمه النهضوية في فضاء الإسلام الأوسع".
يتحدث السيد الحسيني لـ "العهد" عن "تعلق الشيخ كوراني بعاشوراء المدرسة، والعبرة، والنهج الكربلائي العميق وفهمه المبكر، وإدراكه العميق لمفهوم الولاية، وجعله فلسطين في قلب بوصلته الجهادية".
يودّع "الحسيني" الشيخ كوراني بحسرة، يقول له: "وداعًا أيها القائد الصديق، المؤمن والموجه والمربي". لكن بعد الوداع يؤكد السيد الحسيني للشيخ كوراني، أنه باق في كل البيوت، وفي كل القلوب، وفي كل السطور اللاهثة وراء الخشوع والصلاح، وراء الله". يختم الحسيني لموقع "العهد".
ثلمة لا تُسد
إنها ثلمة في الإسلام. رحيل عالم وعلاّمة ترك أثرًا في صناعة الفرد، والمجتمع الاسلامي الصحيح. لكن ربما أجمل ما قدمه وأراده الشيخ كوراني الراحل، هو أن وصاياه بيننا ومعنا ولا شيء يمنع المحبين من الاقتداء بها.
الحديث عن عالم مجاهد كالعلامة الشيخ حسين كوراني لا يُختصر بكلمات أو أسطر ولا حتى ببضعة كتب. وربما تكون الأيام والسنوات القادمة خير فرصة للاستفادة من الارث الثقافي والعلمي والديني الثمين الذي تركه الشيخ لنا.
ومن منبر "العهد"، يوجّه الشيخ علي كوراني، شقيق العلامة الراحل: "الشكر العميق الى سيد الوفاء والقيم، العالم المجاهد والقائد الموهوب، السيد حسن نصر الله، على اهتمامه بأخي العلامة الشيخ حسين كوراني، في مراحل معالجته وفي مراسم تشييعه. هذا الوفاء للمقاومة والعلماء والأصدقاء صفة ذاتية للسيد. والشكر الموصول إلى سيدنا القائد المعظم الخامنئي دام ظله على عنايته وألطافه، ونسأل الله أن يرينا على يديهما تحقق الهدف الذي آمن به وعمل له الشيخ حسين في نصرة الحق ومقاومة الباطل".