خاص العهد
الشيخ دعموش لـ"العهد": حزب الله كربلائي الهوية والشهادة
فاطمة ديب حمزة
لم يُعرف في التاريخ عن العطاءات أعظم من عطاء النفس، عطاء الفناء في سبيل ما يجعل الإنسان كريماً عزيزًا. عطاء الدم الذي ينزف صراطًا جميلاً الى المحب. ولم يُعرف في التاريخ أيضًا أعظم من مشهدية كربلاء، عندما ذاب آل بيت النبوة الشريفة في سبيل الدين، وفي سبيل الله، وفي سبيل الإنسان. لم يشهد التاريخ أنصع من تلك الصورة، عندما أرخص الحسين (ع) ماله وملكه وأهله وأبناءه دفاعًا عن شرائع الله، وإرث جده (ص). كانت هذه أيقونة العطاء، وأرقى ما يمكن أن يُقدم كنموذج للبشرية، أنْ: هكذا تُحفظ الكرامات، وهكذا تُقدم التضحيات، وهكذا ترخص الأرواح والأجساد في سبيل المحبوب.
فكيف امتد ذلك الحبل المضيء من كربلاء إلى يومنا هذا؟ صورة يستلهم منها حزب الله مدرسة يحتذي بها، ويقتدي بقدوتها، ويسير في دربها.
نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله سماحة الشيخ علي دعموش يقدم رؤية واضحة في تفسير هذه الصورة، فيقول "لا شك أن شهداء حزب الله استلهموا إيمانهم وجهادهم ومقاومتهم وشجاعتهم وثباتهم ووفاءهم واستعدادهم للعطاء والتضحية من كربلاء. تعلموا في مدرستها كلّ معاني الكرامة والإباء والوفاء، وتربوا في نهجها على التمسك بالقيم والجهاد والمقاومة، وعلى العطاء والتضحية في سبيل الأهداف الكبرى، حيث إن كربلاء التي استشهد فيها الحسين(ع) وسبعون من أهل بيته وأصحابه كانت أعظم نموذج للبذل والتضحية والشهادة في سبيل الأهداف الكبرى، وقد مثلت النموذج والقدوة في التربية على العطاء والشهادة في مواجهة الطغاة والظالمين. وقد تخرج شهداؤنا من مجالس الحسين(ع) وعاشوراء، ومنها استلهموا روحية الاستشهاد في سبيل الله، وفيها تعلموا حب الشهادة وادركوا عظمة انجازات الشهداء وعطاءاتهم، فانطلقوا في مواجهة الاحتلال الصهيوني لبلدنا ودافعوا عن أرضنا وأعراضنا وكرامتنا، واستطاعوا أن يحققوا الكثير من الانجازات والانتصارات للوطن وللأمة".
يغوص سماحة الشيخ دعموش أكثر في تفسير مسيرة الحسين (ع) في شهداء حزب الله، فيعتبر أن "كل واحد من هؤلاء الشهداء الذين خرجوا في هذه المقاومة من فاتح عهد الاستشهاديين الشهيد أحمد قصير الى آخر شهيد سقط على طريق المقاومة الى الشهيدين حسن زبيب وياسر ضاهر، كان مصداقا حقيقيًا للذين قتلوا في سبيل الله ومن أجل أهداف مقدسة وفي معركة الدفاع عن بلدنا ومن أجل حماية وطننا وأهلنا وأعراضهم وكراماتهم".
ثم يقارب المشهد واقعيًا، فيؤكد لموقع "العهد" أن ""المقاومة كسبت في معادلة الردع التي حاول العدو الاسرائيلي اسقاطها من خلال عدوانه الأخير، أمرين جديدين، الاول: حق لبنان في الرد على اي اعتداء اسرائيلي من اي نقطة في لبنان على اي منطقة في فلسطين المحتلة بعدما كان الرد ينحصر سابقا ضمن مزارع شبعا. والثاني: فتح معركة المسيّرات وتثبيت حقنا في اسقاطها".
هكذا اذاً، تصبح الصورة أوضح، الدم هو زرع الله الذي نجني ثماره في الدينا والآخرة، "وهؤلاء هم الشهداء، لأنهم هم نماذج معتدلة ومستقيمة لا تميل يمينًا أو يسارًا ولا تأخذها الأهواء والشهوات إلى غير الاتجاه الذي يريده الله، وبذلك هم المقياس والمعيار والميزان، هم مقاييس للآخرين، ومعايير للحق وللهدى، بهم يُعرف الحق من الباطل والخير من الشر"، يقول الشيخ دعموش.
حزب الله الكربلائي .. هادي نموذج
هنا، لا نتحدث عن مجرد مقاومة، بل تجربة مديدة وحاضرة. حزب الله - المقاومة التي أخذت من كربلاء عبرة، فقاومت المخرز، بقليل من العتاد والعديد، وبكثير من الايمان والتضحية والإرادة. "هذا ما لمسناه في مسيرتنا، فان كل واحد وخاصة من القادة الشهداء من الشيخ راغب الى السيد عباس الى الحاج عماد أعطى دفعًا خاصًا للمسيرة وللمقاومة، وبعد شهادة كل واحد من هؤلاء القادة الكبار كنا نجد أن المقاومة تدخل في مرحلة جديدة تكون فيها أكثر تقدمًا وتطورًا وقوة وصلابة وارادة وعزمًا ويكون المجاهدون فيها أكثر تصميمًا على مواصلة طريق المقاومة"، يقول الشيخ دعموش لموقعنا، مشيرًا إلى أن "دماء الشهداء حركت الآلاف من الشباب لينخرطوا في صفوف المقاومة وأطلقت دماؤهم حوافز كبرى داخل المقاومة. وهذا هو عطاء الدم المستمر، لأن شهيدًا واحدًا يصنع روح الإيثار والتضحية عند العشرات بل المئات بل الآلاف من الناس، وخاصة اذا كان الشهيد من الكبار".
ولا ينتهي الحديث عن النماذج في هذه المقاومة، التي قدمت القادة قبل المجاهدين، ودفعت بالأبناء الى سوح القتال. يقول سماحة الشيخ دعموش إن "الصورة الكربلائية التي جسدها الشهيد محمد هادي نصر الله ابن قائد المقاومة سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله أنه ابن القائد الذي جاهد وقاتل بين يدي أبيه وتحت لوائه وخاض بكل شجاعة المعركة ضد الصهاينة حتى الرمق الأخير وسقط شهيدًا، ثم وقف والده في الخطاب الذي نعاه فيه بكل صلابة وشموخ ليخاطب ربه (ارضيت يا رب؟ خذ حتى ترضى) هذا هو جوهر المشهد الكربلائي الذي جسده الشهيد هادي".
يضيف سماحته "الشهيد هادي هو الشهيد الشاب الذي اتخذ عليا الأكبر قدوة له وتخلى عن كل شيء وخرج بملء ارادته في طريق المقاومة وبكامل اختياره وأبى الا أن يشارك في عمليات المقاومة، وشارك في عملية الجبل الرفيع وارتقى شهيدًا بعد مواجهة مع العدو. لم يكن والده هو الذي دفعه للجهاد والمشاركة في عمل المقاومة، تمامًا كما لم يكن الحسين (ع) هو الذي دفع ولده عليًّا الأكبر للشهادة، بل هو من اختار هذا الطريق، كان بامكان الشهيد هادي أن يعيش مكرمًا كونه ابن الأمين العام وأن يبني حاضره ومستقبله على أكمل وجه ولكنه لم يفعل ذلك بل خرج ليصنع كربلائه الخاصة وليكون نموذجًا وقدوة لكل الشباب في الجهاد والحماسة وعشق الشهادة في سبيل الله. وقد لفتني مقطع من وصيته وهو يكمل المشهد حيث يقول فيه: إنني - وبعون الله - مجاهد من مجاهدي المقاومة الإسلامية. التحقت بالمقاومة بهدف التحرير والدفاع عن دين الله تعالى، فاخترت عملي هناك، حيث الجبال العالية - جبال مليتا وصافي وعقماتا واللويزة، أبتغي الدفاع عن رايتي وولائي، عن نهجي وعن أمتي، لأبيد عدو الله وعدوي، جرثومة الفساد الكيان الصهيوني، راجيًا الله تعالى أن يرزقني الشهادة في سبيله".
الشهيد هادي نصرالله .. رسالة الشهداء
هذه هي كربلاء اذاً. العطاء بلا حساب، وبلا اعتبارات، وبلا نقصان. العطاء الكامل الصافي، حتى رمقه الأخير. العطاء بكل ما نملك حتى نملك عند الله كل ما نسعى اليه. ربما كانت صورة الشهيد هادي نصر الله وقد افترش جسده تراب الوطن، هي الرسالة الأسمى، والأسرع إلى الله، وكذلك الى العدو. يرى الشيخ دعموش في مقابلته مع موقع "العهد" أن "الرسالة التي تقدمها شهادة الشهيد هادي للعالم، للأجيال، هي ما قاله سماحة الامين العام مخاطبًا العدو يوم شهادة ولده: "نحن لسنا حركة أو مقاومة يريد قادتها أن يعيشوا حياتهم الخاصة ويقاتلوكم بأبناء الاوفياء والاتباع والانصار الصادقين الطيبين من عموم الناس، شهادة الشهيد هادي هي عنوان اننا في حزب الله لا نوفر أولادنا للمستقبل، ونفخر بأولادنا عندما يذهبون الى الخطوط الامامية ونرفع رؤوسنا باولادنا عندما يسقطون شهداء. وأقول لهذا العدو عليه أن يفهم رسالة شهادة السيد هادي وإخوانه الشهداء على وجهها الحقيقي، إننا في حزب الله، في كل المواقع، رجالاً ونساءً وأطفالاً، مصممون على متابعة طريق السيد عباس والشيخ راغب والإمام الخميني (قده) وعلى مواصلة درب الجهاد مهما كانت التحديات والاخطار والتضحيات، هذا عهد وهذا قسم وهذه بيعة لا عودة عنها على الاطلاق، هذه رسالة استشهاد هؤلاء الشهداء الطيبين".
يستشهد الشيخ دعموش بكلمات قائد المقاومة السيد نصرالله، ليختم بأن "شهداءنا بذلوا في سبيل الله كل ما يملكون بلا تردد ومن غير حساب، انطلاقًا من وعيهم وبصيرتهم ويقينهم بعدالة القضية وبالحق وبسلامة الطريق، ومن يعطي ويبذل بلا حدود ومن غير حساب فهو جدير بأن يرزقه الله كل ما يتمنى من رحمته بلا حدود ومن غير حساب".