خاص العهد
شركات التأمين الالزامي و"التحايل" على الضمان
فاطمة سلامة
يروي لنا أحد اللبنانيين المقيمين في ألمانيا حادثة حصلت معه منذ فترة في برلين، فيقول "بينما كنت متوجّهاً الى سيارتي التي ركنتها لبعض الوقت، وإذ أجدها قد تعرّضت لـ"ضربة". اقتربت منها أكثر فوجدتُ رقم هاتف صاحب السيارة التي تعرّضت لسيارتي وقد كتب تحته "الرجاء الاتصال بي". في هذه اللحظات، اقترب بعض الأصدقاء، وقد بدأوا يقولون لي على سبيل المزاح "مبروك". قلت لهم "تباركون لي وقد ضُربت سيارتي؟!"، فجاء الرد بالإشارة الى أنّ شركة التأمين ستدفع لك "حقّك مع حبّة مسك". وبالفعل، هذا ما حصل يتابع المتحدّث الذي يُشير الى أنّ المبلغ الذي رُصد له لم يكن متوقّعاً أبداً.
هذه عيّنة بسيطة عن الطريقة "المحترمة" التي تتصرّف بها شركات التأمين حيال زبائنها. ونحن نتحدّث هنا عن أضرار مادية تتعلّق بالسيارة فقط، فما بالك بالأضرار الجسدية؟! أما في لبنان، فتبدو الأوضاع مغايرة. على سبيل المثال، فإنّ "التأمين" الإلزامي للمركبات البرية بات فرصة لبعض شركات التأمين لـ"التشاطر" و"التحايل" على الضمان الاجتماعي ومالكي المركبات. بعض تلك الشركات عمل على التهرّب من دفع الالتزامات لحاملي بوالص التأمين الإلزامية، ملقياً مهمة "تطبيب" المصابين في حوادث السير على الجهات الرسمية الضامنة لهم، ما كبّد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي خسائر بمئات الملايين على مدى السنوات الفائتة، الأمر الذي دفع بإدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الى إصدار تعميم بعدم الموافقة على طلبات الاستشفاء الناتجة عن حوادث السير للمضمونين، إلّا بعد أن توافق مصلحة القضايا في الصندوق.
وفي هذا السياق، يوضح رئيس مصلحة القضايا صادق علوية لموقع "العهد" الإخباري أنّ الإجراء المذكور من قبل الضمان ليس جديداً، بل يعود لما يزيد عن السنتين، إلا أنّ ما استجد في القضية أنّ رئيسة لجنة مراقبة هيئات الضمان بالانابة نادين الحبال التي أصدرت بيانات عدة خلال عامي 2016 و2017 حول هذه القضية، عادت وأصدرت بياناً الشهر الماضي توجّهت فيه الى شركات التأمين بضرورة تحمل مسؤولياتهم في هذا السياق.
وفي معرض حديثه، يوضح علوية أنّ المرسوم الاشتراعي الصادر عام 1977 والذي تم تفعيله عام 2003، يلزم "كل سائق بإجراء عقد ضمان يغطي المسؤولية المدنية التي يمكن أن تترتب عن الأضرار الجسدية التي تسببها مركبته للغير، وعليه إثبات هذا العقد بموجب بطاقة تسلّم له، كما يلزم السائق بلصق طابع خاص يشير الى هذا الضمان في الزاوية اليسرى العليا من زجاج المركبة الأمامي". وقد صدر عام 2009 مرسوم آخر حدد أسس التطبيق. تبعاً لهذه المراسيم، توجّه أصحاب المركبات البرية الى شركات التأمين للحصول على "بوليصة" التأمين.
وهنا يُشدّد علوية على أنّ ما بين شركات التأمين والمؤمِّنين ليس ورقة فقط بل اتفاقية يدفع بموجبها مالكو المركبات مبلغاً من المال مقابل التأمين الالزامي، وهذا يعني أن من يتقاضى حق "البوليصة" ملزم بحكم القانون بـ"تطبيب" المؤمّنين. يلفت علوية الى أنّ قطاع التأمين في لبنان رائد ومحترم ولا يجوز لبعض الشركات أن تعمل على تشويه صورته وسمعته بالتمنع عن القيام بمسؤولياتها، وتدفع المواطن المضمون الى التوجه للضمان الذي يتحمّل أعباء ليست من واجبه.
ويؤكّد علوية أنّ ما قامت به لجنة مراقبة هيئات الضمان هو إجراء داخلي هدفه "تطبيب" الناس أولاً، وحماية أموال الضمان ثانياً، فبعض الشركات وتحت ضغط التحرك الذي قمنا به بدأت تتجاوب. ويوضح أن الضمان سيستمر في تغطية الحالات والاستثناءات التي ذُكرت في المرسوم. وهنا يستغل الفرصة لمطالبة وزير الاقتصاد منصور بطيش بالعمل على إزالة هذه الاستثناءات من المرسوم الاشتراعي، داعياً الجميع للالتزام بالقانون.
في المقابل، أكّد مصدر يعمل في مكتب تابع لاحدى شركات التأمين في حديث لموقع العهد الإخباري أنّ بعض الشركات تعمل على جذب الزبائن عبر إنزال سعر "البوليصة" ما يُشكّل "مصيدة" لمالكي المركبات الذين بدل أن يهتموا بموضوع الثقة يولون الأهمية للتوفير. ويُشدّد المصدر على أنّ بعض الشركات التي تتخلّف عن القيام بواجباتها "تضرب" سمعة البقية، ومن هنا فإنّ المطلوب من قبل المعنيين والحريصين فضح أمر هذه الشركات في الاعلام كي لا يقع المواطنون ضحية لهم.