خاص العهد
"تعميم مصرف لبنان" بين المسكّنات والعلاج
فاطمة سلامة
هل سيحل التعميم الأخير الصادر عن مصرف لبنان بشأن تمويل استيراد المشتقات النفطية والدواء والقمح أزمة الدولار، أم أنّ السوق اللبنانية معرّضة لتجارب مماثلة؟. للإجابة على السؤال المذكور لا بد من الإشارة الى أنّ لبنان يستورد سنوياً ما يقارب ملياري دولار من المشتقات النفطية، مليار و300 مليون دولار أدوية، و600 مليون دولار قمح. مجموع تلك الفاتورة يصل حد الأربعة مليارات دولار. إجمالي الواردات التي تصل الى لبنان سنوياً تبلغ 20 مليار دولار. إذاً، نحن نتحدّث عن حل أزمة الدولار لسلع أساسية تبلغ قيمتها حوالى 20 بالمئة من مجمل السلع المستوردة الى لبنان. ماذا يعني ذلك؟، يعني أنّ باقي السلع التي لم يلحظها التعميم ستجد نفسها مضطرة لتأمين الدولارات للاستيراد، ما سيدفعها للتوجه الى سوق الصيرفة، الأمر الذي سيوجد حكماً سعري صرف للدولار، واحد في المصرف المركزي وآخر لدى الصيارفة، مع ما يحمله هذا النهج من تبعات سلبية سترفع حُكماً من أسعار بقية السلع الاستهلاكية غير المشمولة بالتعميم، وستؤدي الى تآكل القدرة الشرائية، وفق ما يؤكّد الوزير السابق شربل نحاس لموقع "العهد" الإخباري.
لا يرى نحاس من خلال رؤيته الاقتصادية والوقائع على الأرض أنّ التعميم المذكور سيحل الأزمة نهائياً، فهو لم يعمل سوى على تغطية حاجة السلع الثلاثة الأساسية والاستراتيجية من احتياطي المصرف المركزي من العملات الصعبة، وهي موجودات قليلة ومتضائلة، أما بقية المواد فتُركت لشأنها ما يُمهّد أمام سعري صرف في الأسواق، الأمر الذي سيكون له انعكاسات سلبية على الاقتصاد اللبناني، بحيث سترتفع الأسعار من جهة، وستتآكل القدرة الشرائية لدى المواطنين ويقل الاستيراد من جهة ثانية.
من وجهة نظر نحاس، لا يجوز أن يمر الاجراء الذي اتخذه مصرف لبنان مؤخراً، وهو اجراء بنيوي وأساسي تماماً كما الكثير من الاجراءات التي لا يجوز أن تمر مرور الكرام، بل يجب التوقف عندها ملياً، خصوصاً أنّها تحاكي تلك الإجراءات التي اتخذت في البلدان التي حصلت فيها أزمات كبيرة. برأي المتحدّث، لا يجوز أن تُلقى المسؤولية والتبعات على موظّفين، بينما السلطة السياسية عاجزة عن مواجهة الوقائع ومقاربة التطورات بجدية.
وزني: الآلية تعالج مشكلة محدودة
الخبير الاقتصادي غازي وزني يُشدّد على أنّ الآلية الجديدة لا تعالج المشكلة الأساسية التي يعاني منها لبنان الذي يستورد بـ20 مليار دولار سنوياً. الآلية تعالج مشكلة محدودة ومتعلّقة بالسلع الاستراتيجية والنوعية. بقية المستوردين سيتجهون بطبيعة الحال الى سوق الصيرفة فسيجدون سوقاً موازياً للقطاع المصرفي، وطبعاً سيبدو سعر الدولار مختلفاً عن السعر الرسمي. وهنا ستبرز الضغوط مجدداً، لكنها لن تكون بالحدة التي رأيناها سابقاً.
ينطلق المتحدّث في مقاربته من التعريف بماهية التعميم الجديد. إنّه بكل بساطة يحاول ضبط التوتر والضغوط في سوق الصيرفة عبر تأمين الدولارات لمستوردي النفط، والقمح والدواء عبر المصرف المركزي. آلية التعامل تتم بطبيعة الحال عبر المصارف التي تتحوّل الى وسيط بين المصرف المركزي والمستوردين الذين يضعون الأموال في المصرف التجاري بالليرة اللبنانية ويأخذونها دولاراً وفق السعر الرسمي 1515. "الدولارات" سيجري تأمينها من احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية. وهنا تبرز مشكلة أخرى ومهمة ـ برأي وزني ـ إذ إن أحد المخاطر الرئيسية للتدبير الجديد تتجلى في استنزاف احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية والبالغة 35.5 مليار دولار. هذا المبلغ مرصود بطبيعة الحال لحماية الاستقرار النقدي، كما يؤمّن احتياجات سنوية للدولة بقيمة 6.5 مليار دولار بين سندات يوروبوند (ملياران ونصف دولار)، وخدمة دين (مليارا دولار)، ومشتقات نفطية للكهرباء (مليارا دولار). التدبير الجديد سيُضيف ـ وفق وزني ـ ضغطاً إضافياً على احتياطات المصرف المركزي.
وهنا يُشير وزني الى أنّ دور مصرف لبنان حماية الاستقرار النقدي لا تمويل الاقتصاد عبر عمليات الاستيراد كما يحصل الآن. هذا الأمر من مهمة الحكومة التي لا بد من قيامها بدورها في تمويل الاقتصاد واتخاذ التدابير المناسبة لمنع الانزلاق، خصوصاً أنّ لبنان يستورد سنوياً 20 مليار دولار مقابل عدم دخول أموال بالعملات الصعبة الى لبنان لأسباب عديدة. يعود وزني ليشدّد على ضرورة قيام الحكومة بمهامها والوقوف عند مسؤولياتها، وهذا الدور يبدو صعباً في ظل حكومة عاجزة، ومن هنا تبدو الآمال الايجابية ضئيلة، يختم وزني.
أبو شقرا: التعميم غير واضح
تعميم مصرف لبنان الذي نصّب فيه المصارف كوسيط بين المستورد والبنك المركزي، قابلته العديد من الانتقادات التي رأت فيه كمن يضع "العصي في الدواليب" خصوصاً أنّه وضع شروطاً على المستوردين من ضمنها أن يودع في كل حساب وكل اعتماد 15% من قيمته بالدولار، و100% من قيمته بالليرة اللبنانية، وفي هذا الصدد، علّق ممثّل شركات موزّعي المحروقات فادي أبو شقرا لموقع "العهد" قائلاً ان "تعميم مصرف لبنان غير واضح خصوصاً أن المصارف لم تبد تعاوناً واحداً بالمئة مع الشركات المستوردة للنفط وترفع من شروطها مطالبةً بفتح اعتمادات لمدة طويلة، فيما الاستيراد يتم خلال بضعة أيام من فتح الاعتمادات". وقد طالب أبو شقرا بتطبيق الآلية ومعالجة الثغرات الموجودة في التعميم، موضحاً أنّ لقاء سيجمعهم اليوم الأربعاء برئيس الحكومة سعد الحريري لهذه الغاية.