خاص العهد
"تمنُّع" شقير والجراح بين السياسة والقانون
فاطمة سلامة
لم يكن المشهد الذي رأيناه الأسبوع الماضي عبر "تمنُّع" وزيري الاتصالات الحالي محمد شقير والسابق جمال الجراح عن الحضور الى القضاء، سوى مشهد أقرب الى "السريالية". فأن تُوجّه دعوة قضائية للوزير للإدلاء بإفادة ما أو شهادة ما عن فترة تسلمه الوزارة، يعلن عن عدم تلبيتها، متفاخراً بالأمر عبر الاعلام، ليست أمراً "بديهياً". في ذلك خطوة تطرح الكثير من علامات الاستفهام ليس فقط حول الواقع المأزوم للقضاء اللبناني، بل حول واقع النظام السياسي برمته. فما الذي يدفع بوزير الى رفض الحضور للقاء المدعي العام المالي بحجة "الاستهداف السياسي"؟ أي مرحلة وصلنا إليها في لبنان حيث "كبير القوم" يرفض التعاون مع السلطة القضائية؟ أي هيبة للدولة بعد أمام المواطنين العاديين؟. بعد كل هذه الأسئلة ثمّة سؤال جوهري: ماذا يقول القانون اللبناني في "فعلة" الوزيرين شقير والجراح؟
الخبير الدستوري الدكتور عصام اسماعيل يستهل حديثه بالاشارة الى أنّ الوزير لا يتمتّع بالحصانة. القانون اللبناني نصّ على "الحصانة النيابية"، أما الوزير فيُحاسب في الجرائم المتصلة بالأعمال الوظيفية أمام محكمة خاصة وهي المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وعليه، لا يرى اسماعيل مبرراً مُطلقاً لعدم حضور الوزيرين أمام المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم، فالحضور من عدمه يقرّره المدعي العام "حصراً". برأي اسماعيل، عندما تُوجّه الدعوة لأي وزير للاستماع الى إفادته كشاهد بناء على معطيات معينة، لا يحق له مطلقاً "التمنُّع" عن الحضور، فالأمر قد يتعلّق بخلل ما حدث في وزارته. من واجبه الاستجابة، وإلا فإن الامتناع عن التعاون مع الجهات القضائية يُشكّل جرماً وفق قانون أصول المحاكمات الجزائية، بحسب اسماعيل، الذي يُشدّد على أنّ الجراح وشقير أخلا بالدستور وخالفاه.
يُدعّم الخبير الدستوري حديثه بالاشارة الى أنّ هناك أكثر من مادة تجرّم الامتناع عن الإدلاء بالشهادة لا سيما المادتان 95 و183 من قانون أصول المحاكمات الجزائية. المادة 95 تنص على أنّ كل شخص تبلّغ أصولاً وجوب الحضور أمام قاضي التحقيق للإدلاء بشهادته ملزم بالمثول أمامه، وإذا تخلف عن ذلك دون عذر مشروع يكرر قاضي التحقيق دعوته إلى جلسة لاحقة بعد أن ينزل به غرامة تتراوح بين خمسين ألفا ومئة ألف ليرة. إذا تخلف ثانية عن الحضور فيصدر مذكرة إحضار في حقه. أما إذا ادعى الشاهد المرض وأبرز تقريراً طبياً يثبته تبريراً لعدم حضوره فلقاضي التحقيق أن يرفض هذا العذر إذا تبين له أنه غير جدي أو أن يعين طبيبا آخر أو لجنة طبية للكشف على الشاهد ولبيان ما إذا كانت حالته الصحية تمنعه من الحضور.
وإذا تبين له أن التقرير كاذب فيضع محضراً بذلك ويحيله إلى النيابة العامة لتلاحق الشاهد والطبيب الذي وضع التقرير بموجب المادة 466 من قانون العقوبات. أما إذا كان العذر غير المرض، وتبين لقاضي التحقيق أنه كاذب، فينظم تقريراً بذلك ويحيله إلى النيابة العامة لتلاحق الشاهد بموجب المادة 407 من قانون العقوبات.
كما تنص المادة 183 -وفق اسماعيل- على أنه "إذا تخلف الشاهد عن الحضور، رغم إبلاغه ورقة دعوته أصولاً، ولم يقدم عذراً مقبولاً فللقاضي أن يلزمه بغرامة تتراوح بين مئة ألف وخمسمئة ألف ليرة. وللشاهد الذي قضي عليه بالغرامة أن يطلب من القاضي إعفاءه منها إذا أبدى عذراً مشروعاً. كما أن للقاضي أن يقرر إحضار الشاهد الذي تخلف عن الحضور للمرة الثانية بعد تبليغه وان سبق له تغريمه".
هل يسري على الوزير ما يسري على المواطن العادي؟ يُجيب اسماعيل طبعاً، فالوزير هنا مدعو كشاهد وهذه الشهادة تشكّل عملا خارج نطاق واجباته الوزارية وبالتالي يحاكم بشأنها كأي شخص أمام المحاكم العادية، لأنّ نظام المحاكمة أمام المجلس الأعلى محصور بالجرائم المتصلة بالأعمال الوظيفية.
يذهب اسماعيل أبعد من مسألة الحضور كشاهد. حتى ولو وُجّهت الدعوة للوزير كمدعى عليه، لا يجوز "التمرد" على القضاء. عليه أن يحضر، أو أن يُقدّم دفعاً بعدم حضوره أمام القضاء العدلي. باستطاعة هذا الوزير أو ذاك ممارسة حقّه في الدفاع ولكن بشكل خطي وليس عبر الاعلام، كما حصل. الكرة تُصبح حينها في ملعب المدعي العام، ووحده من يُقرّر رد الدفع لعدم صلاحيته. الأمور لا تتم بشكل اعتباطي، يشدّد اسماعيل. برأيه، فإنّ القاضي صاحب القرار في إقفال الملف وليس الوزير الذي شكّل بالطريقة التي تصرّف بها "الخصم والحكم" في آن، نصّب نفسه قاضياً مكان المدعي العام وقرّر من تلقاء نفسه طي الملف. هذا الأمر ـ وفق اسماعيل ـ يشكّل جرماً إضافياً وتمرداً غير مفهوم على القضاء يُضاف الى جرم "الاخلال بالواجبات".
ويختم اسماعيل حديثه بالاشارة الى أنّها ليست المرة الأولى التي يتم فيها استدعاء وزراء للادلاء بإفادتهم، ولن تكون الأخيرة حكماً. فلماذا هذا "التمنُّع"؟!.