معركة أولي البأس

خاص العهد

إقرار الموازنة بين الضرورة والدستور
03/01/2019

إقرار الموازنة بين الضرورة والدستور

فاطمة سلامة

لم يهضم رئيس مجلس النواب نبيه بري حلول العام الجديد بلا إقرار مشروع موازنة العام 2019 بعد تخطي المهل الدستورية لإقرارها. فأصرّ أن يفتتح لقاء الأربعاء النيابي الأول في السنة الجديدة بالتشديد على ضرورة إقرار الموازنة العامة. تسلّح رئيس البرلمان بقاعدة "الضرورات تُبيح المحظورات"، فوضعُ البلاد والعباد لا يحتمل التسويف والتأجيل. بالنسبة اليه، فإنّ المعنى الضيّق لتصريف الأعمال ينتفي في ظل الاستحقاقات الكبرى الداهمة. استشهد بري بحكومة الراحل رشيد كرامي عام 1969. الأخيرة، أقرّت الموازنة العامة بعد سبعة أشهر من استقالتها، وبالتالي فقد سُجّلت سابقة في هذا الصدد يُبنى عليها لإنجاز الاستحقاق الضروري والعبور بالأزمة. 

بموازاة ذلك، ثمّة من يسأل عن تبعات عدم إقرار الموازنة في بلد بقيت ماليته العامة بلا انتظام 12 عاماً. وثمّة من يرد على هذا الكلام بالإشارة الى أنّ الأوضاع الاقتصادية في لبنان تتراجع  كل يوم، في إشارة الى أنّ الأزمات الاجتماعية والاقتصادية تتراكم، وقد وصل "الموس" حدّ رواتب موظفي الدولة، ما يُفسّر المطالبات بضرورة إنجاز الموازنة تفادياً للأسوأ، خصوصاً أنّ الوقت أصبح داهماً، ومن غير المستحب إخضاع مشروع الموازنة لمدة انتظار قد تطول، إذا ما تحدثنا عن مهلة زمنية تتأرجح بين تشكيل الحكومة ونيلها الثقة، ومن ثم اجتماعها وتشكيل لجنة وزارية لدرس الموازنة، وردها مجدداً الى الحكومة التي ترسلها الى مجلس النواب للمصادقة عليها. فكيف يقرأ الدستور دعوة الرئيس بري؟، وهل الوضع الاقتصادي يتطلّب إنجاز موازنة على وجه السرعة؟. 

يمين: إقرار الموازنة يشكل مسار منازعة بين اتجاهين

الخبير الدستوري عادل يمين يرى أنّ الإشكالية آنفة الذكر والمتعلّقة بإمكانية إقرار حكومة تصريف الأعمال لمشروع الموازنة تخضع لمسار منازعة بين اتجاهين: 

الاتجاه الأوّل: يعتبر أنّ إقرار مشروع الموازنة من قبل حكومة تصريف الأعمال جائز ومبرّر للأسباب التالية:

1- إن قانون الموازنة يتضمّن إجازة الإنفاق وتحصيل الضرائب والرسوم من المجلس النيابي الى الحكومة وهو بالتالي حيوي من أجل انتظام المالية العامة.

2- إن إقرار قانون الموازنة يخضع لمهلة دستورية قد انقضت، فالاستحقاق يتعلّق بدورة مالية تمتد من 1-1-2019 حتى 31-12-2019، ما يوجب إقرار مشروع الموازنة قبل هذه المدة. 
3- إنّ الوضع الاقتصادي والمالي ومترتبات سلسلة الرتب والرواتب، كلها أسباب تفرض إقرار موازنة جديدة وعدم الاكتفاء بتطبيق القاعدة الاثنتي عشرية لأنّ الموجبات المالية التي ظهرت وتجربة السلة الضرائبية في الموازنة السابقة تفرض صياغة جديدة للموازنة حتى تكون مواكبة ومستوعبة لتجربة تطبيق سلسلة الرتب والرواتب. 

4- هناك سابقة حصلت عام 1969 وتتعلّق بإقرار حكومة رشيد كرامي المستقيلة مشروع الموازنة

5- إنّ الأوضاع الاقتصادية الدقيقة وموجبات مؤتمر سيدر تفرض على لبنان عدم التأخر بتاتاً في إقرار الموازنة وإلا سيكون التأخير رسالة سيئة الى المجتمع الدولي حول مدى التزام لبنان بالإصلاحات المرجوة والانتظام في ماليته، فضلاً عن أنّ الوقت أصبح داهماً جداً لأنه ولو افترضنا أن عملية تشكيل الحكومة قد أنجزت اليوم فإنّ إعداد بيانها الوزاري ونيلها الثقة وإعدادها مشروع الموازنة سيستغرق وقتاً إضافياً لا يسمح وضعنا الدقيق باستهلاكه. 

ويُشير يمين الى أنه وفي المقابل، هناك اتجاه فقهيٌّ آخر يرفض قيام حكومة تصريف الأعمال بإقرار مشروع الموازنة مستنداً الى الحيثيات التالية: 

1- إنّ مشروع الموازنة يُرتب أعباء والتزامات لا يجوز لحكومة تصريف الأعمال توليها

2-إنّ مبدأ الضرورات تبيح المحظورات لا يجوز إعماله ما دام هناك مخارج أخرى لتأمين الإنفاق مثل القاعدة الإثنتي عشرية وإقرار قوانين اعتمادات استثنائية

3- إن الاستشهاد بتجربة حكومة كرامي ليس في محله تماماً لأنّ النص الدستوري اختلف بين الجمهوريتين الأولى والثانية حيث حصرت المادة 64 من الدستور -بعد القانون الدستوري تاريخ 21 أيلول 1990 المنبثق من اتفاق الطائف- حصرت دور الحكومة المعتبرة مستقيلة بالمعنى الضيق وهو ما لم يكن وارداً في الدستور قبل اتفاق الطائف.

يختم يمين حديثه بالإشارة الى أنه وفي مطلق الأحوال فإنّ من شأن التوافق السياسي والوطني الجامع أن يؤمّن سلوكاً آمناً لمثل هذه الخطوة ولا سيما إذا حال مثل هذا التوافق دون توافر أي جهة راغبة بالطعن بقانون الموازنة بعد إقراره في المجلس النيابي وإصداره من قبل رئيس الجمهورية ونشره أمام المجلس الدستوري على خلفية بحث مدى دستوريته في ضوء إقرار مشروعه من قبل حكومة تصريف الأعمال. 

القاعدة الاثنتي عشرية أثبتت عدم جدواها

بدوره، الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي يلفت الى أنّ وجود الموازنة ضرورة لدورها في ضبط الإنفاق وسير المالية العامة، فالقاعدة الاثنتي عشرية أثبتت عدم جدواها لأنها "متفلتة" من كل الضوابط. يشدد المتحدّث على أن مدة تصريف الأعمال طالت، والوضع الاقتصادي بات مأزوماً وضاغطاً ما يستدعي إقرار موازنة تفادياً لصرف عشوائي يكبّد المالية العامة مزيداً من الهدر. 

وجهة نظر يشوعي يعارضها الخبير الاقتصادي غسان ديبة الذي يرى أنّ إقرار الموازنة ليس أساسياً ولا يشكّل حلاً للأزمة الاقتصادية. وفق حساباته فإنّ الأهم من إقرار الموازنة السؤال عن ماذا ستتضمنه هذه الموازنة. هل ستقوم بزيادة الأرباح على الثروات لتغطية العجز؟، هل سيكون فيها إنفاقاً استثمارياً عاماً على الكهرباء؟. يشدد المتحدّث على أنّ لبنان أمام أزمة اقتصادية كبرى، ما يضعنا في حاجة ملحة الى موازنة لا تتضمن أي نوع من التقشف والخضوع لإملاءات مؤتمر سيدر بزيادة الضرائب أو وقف مفاعيل سلسلة الرتب والرواتب.

إقرأ المزيد في: خاص العهد