معركة أولي البأس

خاص العهد

الاصلاح في الكهرباء والعروض
23/10/2019

الاصلاح في الكهرباء والعروض "المغرية": هل من يسمع؟   

فاطمة سلامة

في لبنان، تحتل أزمة الكهرباء رأس هرم الأزمات. ما يقارب الملياري دولار يبلغ عجز هذا القطاع سنوياً. لدى الحديث عن الدين العام الذي تخطى الـ85 مليار دولار، سُرعان ما يجري استحضار ملف الكهرباء. إجمالي العجز المتراكم في هذا القطاع بلغ ما يقارب الـ36 مليار دولار منذ عام 1992 حتى نهاية العام 2017. ماذا يعني ذلك؟. يعني أنّ العجز في الكهرباء يُلامس الآن حدود النصف من إجمالي الدين العام المتراكم. وللتذكير، فإنّ الدولة اللبنانية عملت على دعم هذا القطاع منذ العام 1994 أي عندما سعّرت الكيلواط على أساس برميل النفط بـ20 دولاراً. ولعلّ أكثر ما يتوقّف عنده اللبنانيون في هذا الملف هو "التقنين" القاسي، الذي تشهده مختلف المناطق اللبنانية، ما يضطر المواطن اللبناني الى دفع فاتورتين، أولى للدولة، والثانية لأصحاب المولدات. بينما كان من المفترض أن تبدأ الحكومة منذ سنوات طويلة بتنفيذ خطة إصلاحية للكهرباء. حتى أن الورقة التي أقرت عام 2010 واجهتها الكثير من العراقيل، ليجري تحديثها وإقرارها من جديد في عهد وزيرة الطاقة ندى البستاني. 

وللأسف فإنّ السلطة السياسية اقتنعت متأخرة أنّ تخفيض العجز في قطاع الكهرباء، والبدء بتطبيق خطة إصلاحية سيشكّل بداية الحل للعجز المزمن الذي نعانيه. وعليه، نصّ البند 16 من الورقة الاصلاحية على تنفيذ خطة الكهرباء لتأمين التيار الكهربائي 24/24، ووضع سقف أقصى لعجز الكهرباء قدره 1,500 مليار ليرة لبنانية. ولا يخفى على أحد أن لبنان تلقى الكثير من العروضات "المفيدة" صُمّت عنها الآذان. أحدثها من مصر، حيث تلقى لبنان عروضات وُصفت بـ"المهمة" لتخطي أزمة العجز في الكهرباء وتأمينها بطريقة سريعة، عبر استيراد الغاز المضغوط (compressed gas). عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب ياسين جابر ـ الذي استقبل منذ أيام السفير المصري في لبنان  ​نزيه النجاري ـ يتحدّث لموقع "العهد" الإخباري عن أهمية هذا العرض الذي سيوفّر على خزينة الدولة وبمبادرة سريعة حوالى 450 مليون دولار، أي ربع العجز السنوي في قطاع الكهرباء. ويلفت جابر الى أنّ أهم ما يُميّز هذا الطرح أنّه لا يحتاج الى محطات لتغويزه، أي أنّه غير مكلف على الدولة. 

يستحضر جابر تجربة لبنان السابقة حيث تمكّن من استيراد الغاز من مصر الى محطة دير عمار عبر سوريا بواسطة أنبوب، وذلك  قبل بدء الأزمة السورية. ولاحقاً، طرحت فكرة استيراد غاز سائل عبر البواخر، إلا أنّ هذا الخيار مكلف جداً لأنّه يحتاج الى محطات لتغويزه. وعلى ضوء هذا الطرح، زار وزير البترول المصري طارق الملا وزارة الطاقة اللبنانية في الأشهر الماضية وقدّم عرضه، إلا أنه وللأسف حتى الساعة لم يأتِ الرد، وفق ما يقول جابر، الذي يشير الى أننا أمام عرض مغر جداً، وفرصة متاحة لخفض العجز، مع ما يحدثه هذا الطرح  من فارق في حياة اللبنانيين.

افرام: توفير حوالى 500 مليون دولار سنوياً

عضو تكتل "​لبنان​ القوي" النائب ​نعمة افرام​، ـ وهو من الصناعيين الكبار في لبنان ـ وكان أول من طرح فكرة استيراد الغاز المضغوط، وأجرى دراسة متكاملة عن هذا الموضوع، يتحدّث لموقع "العهد" الإخباري عن أهمية هذه الطريقة لناحية التوفير المالي، والمحافظة على البيئة والصحة العامة. يُكرّر افرام ما قاله زميله جابر لناحية أنّ أهمية هذا الأسلوب تكمن في أنّه لا يحتاج الى محطات تغويز. فقط يحتاج الى بعض التجهيزات البسيطة جداً داخل المحطات. فالمولدات الموجودة على البواخر كلها مجهزة للعمل على الغاز. المحطات التي أنشئت  في الجنوب والشمال أنشئت في الأساس لتعمل على الغاز، تماماً كما  المحطات القديمة في الجية والذوق. ويلفت افرام الى أنّ الكلفة التي تدفعها الدولة باستطاعتها أن تسترد ثمنها خلال ستة أشهر، ونستطيع أن نمدد التجربة على كافة الأراضي اللبنانية. 

ويوضح افرام أنّ لبنان منذ عام 1993 وعندما قرّر إقامة محطتي كهرباء في الزهراني والبداوي ومحطة ثالثة في بعلبك، كان الهدف منها العمل على الغاز. وللأسف عندما بدأت بالعمل لم يكن هناك غاز في لبنان، وبالتالي بدأت عملية حرق المازوت، انطلاقاً من أنّ  المحطات التي تعمل على الغاز لا "تحرق" "الفيول"، وهذه الجريمة الكبرى التي أوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم من عجز ومديونية، تتحمّل الكهرباء مسؤولية 50 بالمئة منها. 

ويُشدّد افرام على أنّ لبنان وللأسف لجأ في مرحلة من المراحل الى المازوت بنسبة 90 بالمئة لتوليد الكهرباء، وهذه أغلى طريقة في العالم. الفرق بين كيلواط المازوت والفيول يتراوح من 30 الى 35 بالمئة، وهو أغلى 10 مرات من الفحم الحجري، و6 مرات من الغاز الطبيعي. هذه الجريمة أوصلتنا الى ما نحن عليه من عجز، يُكرّر افرام. فعندما كان برميل البترول 120 دولار كنا نخسر 4 مليارات دولار سنوياً، أي ضعف ما نخسره اليوم. برأي افرام لبنان خالف قوانين الاقتصاد والطبيعة ونسأل لماذا وصلنا الى هنا؟!. 

ومع بدء العمل بالبواخر، بدأت الدولة تستخدم "الفيول"، يقول افرام، الذي يشير الى أنّ كلفة استخدام "الفيول" كانت أرخص من المازوت ولكن الأثر البيئي سيئ جداً. ومن هنا بدأنا البحث عن بدائل وحلول سريعة، لأنّ الحلول الجذرية تحتاج الى وقت فهي تتطلّب التحول كلياً باتجاه استخدام الغاز الطبيعي واستخراج الغاز من البحر. ويوضح افرام أنّه وبنتيجة الدراسة التي أجراها، تبيّن أن باستطاعتنا استيراد الغاز الطبيعي من مصر ـ التي لديها فائض في الانتاج ـ بطريقة مضغوطة بدل أن يبقى سائلاً، وهذا الأمر ليس صعباً مطلقاً طالما المسافة قريبة بين البلدين، وهي أقل من 800 كلم. وتقول الدراسة أنّ الغاز المضغوط يستطيع أن يحل مكان السائل بطريقة علمية ولكنّه يحتاج الى باخرتين للشحن عكس السائل، إلا أنّه ورغم ذلك يبقى الأوفر.  

ويوضح افرام أننا بدأنا بالفكرة لنحل مشكلة بيئية، فتبين أننا نستطيع توفير 60 مليون دولار في الذوق فقط. اذا عممنا هذه التجربة على كافة الأراضي اللبنانية باستطاعتنا توفير حوالي 500 مليون دولار سنوياً، وهذا أمر مهم جداً، فخلال أقل من عام يبدأ العمل لأنها لا تتطلب سوى استحضار بواخر للشحن من مصر الى لبنان وتجهيزها.

ويختم افرام حديثه بالاشارة الى أنّ هذه الطريقة مهمة جداً مالياً وبيئياً، لحل لغز الهدر والعجز في الكهرباء المستمر منذ حوالى 25 عاماً.

نعمة افرامياسين جابر

إقرأ المزيد في: خاص العهد