خاص العهد
استرداد الأموال المنهوبة..خطوة إصلاحية "مهمة" لاسترداد الثقة الشعبية
فاطمة سلامة
منذ أن بدأ حزب الله ومعه الحلفاء في هذا الوطن معركة مكافحة الفساد، وضع مهمة استرداد الأموال المنهوبة للدولة على رأس الأولويات. تؤمن قيادة الحزب أنّ مال الشعب خط أحمر لا يجوز العبث به. تماماً كما تؤمن أنّ الإصلاح يبدأ من هذه النقطة تحديداً لاسترجاع ثقة الدولة المفقودة. فلطالما نادى حزب الله بضرورة قطع دابر النهب والسرقة وصرف الأموال العامة بلا وجه حق. اقترنت دعوته بتقديم العديد من الملفات للقضاء. إلا أنّ تلك المحاسبة بقيت وحتى وقت قريب "محرّمة" نتيجة "الأغطية" السياسية وشماعة "الاستهداف السياسي والطائفي". اليوم، تبدّل المشهد أقرّت الحكومة في ورقتها الاصلاحية في الفقرة "أ" من البند السابع عشر، بضرورة إقرار مشروع قانون استعادة الأموال العامة المنهوبة المقدّم من قبل وزارة العدل في مهلة أقصاها 30/12/2019. برأي كثر، يشكّل هذا القانون مدخلاً لتعزيز الشفافية والحد من الفساد ومحاسبة المتورطين في سرقة المال العام أياً كانوا .إذ يُحكى في هذا الصدد عن عشرات المليارات المنهوبة التي سرقها نافذون من المال العام تحت عناوين ومشاريع مختلفة. فما أهمية هذا القانون؟ وما الآليات لتطبيقه؟
فنيش: للابتعاد عن التدخلات والحمايات السياسية
عضو لجنة الاصلاحات الوزارية وزير الشباب والرياضة محمد فنيش يؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أن إقرار قانون استعادة الأموال العامة المنهوبة سيشكّل خطوة باتجاه تطوير وملء الفراغ ـ ان كان موجوداً ـ في منظومة التشريع. فنحن بحاجة لهذا النوع من القوانين للاحتكام الى نصوصها التي تمكّننا من ملاحقة المتورطين. وفي الوقت نفسه، لا يُخفي فنيش أن لدى القضاء ما يكفي من النصوص لملاحقة الفاسدين، ولكن المشكلة الدائمة لدينا تكمن في التدخلات السياسية التي تبدأ من التشكيلات القضائية. وهنا يُشدد فنيش على ضرورة الابتعاد عن التدخلات والحمايات السياسية.
يوضح فنيش أن مشروع قانون استرداد الأموال المنهوبة الذي جرت مناقشته في اللجنة الوزارية أمس الأربعاء يحظى بإجماع سياسي، الجميع متفق حوله من حيث المبدأ، والنقاش يدور في التفاصيل. وفق فنيش فإن بعض مواد هذا القانون مأخوذة من قوانين أخرى كالاثراء غير المشروع وتبيض الاموال. إلا أنّ الجديد والمهم في القانون المذكور يكمن في احتوائه على مادة تمنع سقوط الجرم أو الملاحقة بمرور الزمن، أو الانقطاع عن الخدمة العامة. هذا أمر مهم جداً ـ برأي فنيش ـ الذي يوضح أن لا شيء محسوم بالمطلق، وهناك نقاشات في الكثير من الأمور، منها مثلاً ما يتعلّق بالجهة المخوّلة رفع الدعوى على الأشخاص. فمن يريد الادعاء يجب أن يدعي وفق الأصول وأن يعرّف عن نفسه، وفي المقابل يحق للمدعى عليه في حال لم يثبت الاخبار بحقه أن يفرض غرامة على الآخر. وهنا يُشير فنيش الى أن مسار التحقيق قد يقتضي رفع السرية المصرفية، وهذا كله تقرّره هيئة التحقيق الخاصة المنصوص عليها في قانون تبيض الأموال. ويؤكّد فنيش أن اللجنة ستواصل النقاش في اقتراحات أخرى مقدّمة سابقاً من القوى السياسية، وستفتح المجال لمناقشة أي فكرة يقدمها المجتمع المدني، الناشطون أو مجلس القضاء الاعلى، لوضع وإقرار قانون نستطيع من خلاله استرداد الأموال المنهوبة.
وفي الختام، يُشدّد فنيش على أنّ إقرار قانون استرداد الأموال المنهوبة يجب أن يتزامن مع تفعيل وتطبيق الكثير من القوانين على رأسها الاثراء غير المشروع، بالاضافة الى وضع هيئة مكافحة الفساد.
يمين: القانون يفتح مسارات واسعة أمام الاصلاح
الخبير الدستوري الدكتور عادل يمين يرى أنّ إقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة من شأنه أن يفتح مسارات واسعة أمام الاصلاح ومكافحة الفساد لاستعادة الاموال العامة أولاً، وردع من تسول له نفسه التفكير في نهب المال العام ثانياً. يلفت المتحدّث الى أنّ الفلسفة الأساسية لهذا القانون تقوم على نقل عبء الاثبات من المدعي الى المدعى عليه. بحسب المبدأ القانوني فإن عبء البينة يقع على من يدعي الواقعة. تطبيق هذا الأمر في قضايا مكافحة الفساد ـ بوجه المسؤولين السابقين أو الحاليين ـ يبدو صعبا لتعذر إيجاد وسائل إثبات في وجه أصحاب النفوذ. أما في حال إقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة فالأحوال ستتغيّر. كيف ذلك؟. يجيب يمين بالإشارة الى أنّ عبء البينة سيقع على المسؤول المشتبه به الذي سيكون مطالباً ـ أمام أي دعوة فساد تقام ضده ـ بتبرير مشروعية مصدر فارق ثروته بين تاريخ دخوله الى المسؤولية وتاريخ خروجه .
ويُشدّد يمين على أنّ قانون استعادة الأموال المنهوية يجب أن يتلازم إقراره مع مجموعة اجراءات تشريعية وتنظيمية أبرزها:
ـ إقرار قانون رفع السرية المصرفية
ـ إقرار رفع الحصانات
ـإقرار المراسيم التطبيقية لقانون الحق في الوصول الى المعلومات
ـ إقرار قانون انشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وانشاء ووضع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد
كل ذلك لا بد أن يقترن ـ برأي يمين ـ بمراقبة جدية من الاعلام والشعب لتنفيذ وتطبيق كل تلك المشاريع.
ويختم يمين حديثه بالاشارة الى أنّ المشهد السياسي بعد 17 تشرين الأول سيختلف حكماً عن سابقه من حيث أدء السلطة، لأنّ الحراك الشعبي بغض النظر عن الملاحظات التي يمكن أن توضع عليه ومحاولات استغلاله داخليا وخارجيا لخلق "القلاقل" في البلاد، هذا الحراك شكل داعما أساسياً لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون وكل القوى التي تطالب بالاصلاح من أجل تنفيذ أجندة إصلاحية كانت ولا تزال متعذرة بسبب موازين القوى والعوائق المعروفة تاريخياً.
محمد فنيشالورقة الاصلاحيةعادل يمين