خاص العهد
شكاوى الصرف التعسفي تتكدّس أمام "مجلس العمل التحكيمي"..وهذا ما يقوله القانون
فاطمة سلامة
يتعرّض عدد لا بأس به من العمال في القطاع الخاص للكثير من الضغوطات، هذه الأيام. يسعى أرباب العمل للتخلص منهم بأي طريقة، بذريعة التعثر الاقتصادي. لم يعد أسهل من الاستغناء عن خدمات الأجراء في بلد قطع فيه الاقتصاد أشواطاً نحو المجهول. لم يعد أسهل من أن يتلقى الأجير رسالة عبر الهاتف من صاحب العمل تُبلغه أنّ المؤسسة لم تعد تحتمل وجوده، وعليه الانصراف، أو أن يُقابله رب العمل لابلاغه أنّ الظروف المحيطة وقلّة المردود لم تعد تسمح للمؤسسة بتوظيفه، طالباً منه عدم الحضور في اليوم التالي. هذه السيناريوهات، واجهها الكثير من العمال على امتداد لبنان، حتى باتت الأزمة الاقتصادية حجة للصرف من العمل بلا أية ضمانات أو تعويضات للأجراء. يُحكى في هذا الاطار عن مئات من العمال صرفوا تعسفياً وبلا أي انذار مسبق، ما يفتح المجال أمام الكثير من الأسئلة: ما دور وزارة العمل وسط كل ما يجري من حالات صرف تعسفي؟ ما دور "المجلس التحكيمي" المناط به النظر في النزاعات الفردية الناشئة عن العمل؟ وكيف يضمن القانون اللبناني حق الأجراء في حالات الصرف التعسفي؟.
عدد الشكاوى ازداد حوالى 50 بالمئة في محافظة واحدة
منذ بدء الأزمة في 17 تشرين الأول حتى اليوم، ازداد عدد الشكاوى من قبل المصروفين تعسفياً في أدراج وزارة العمل التي تشكّل الوجهة الأولى لهم. كما ازدادت أعداد الشكاوى في مجالس العمل التحكيمية بنسب "مخيفة" وفق ما تقول مصادر تلك المجالس الموزعة على محافظات لبنان لموقع العهد الإخباري. وعلى سبيل المثال، تكشف مصادر المجلس في جبل لبنان أنّ التدقيق في قلم مجلس العمل التحكيمي في هذه المحافظة التي تضم ثلاث غرف، يبيّن أنّ عدد الشكاوى بلغ منذ بداية العام حتى 17 تشرين الأول 1193 شكوى صرف تعسفي، ومنذ 18 تشرين الأول حتى تاريخه (4-12-2019) بلغت الشكاوى 1413 حالة صرف، أي لدينا 220 شكوى خلال ما يقارب الشهر ونصف الشهر، ما يعني أنّ نسبة الشكاوى ازدادت أكثر من 45 بالمئة. هذا ونحن نتكّلم عن محافظة واحدة، فكيف بالمحافظات الأخرى كبيروت التي تضم خمس غرف؟ كما أننا نتحدّث عن شكاوى وصلت الى مجلس العمل التحكيمي، فبعض الشكاوى لا تزال في وزارة العمل. الأخيرة تؤكّد على لسان رئيسة دائرة التفتيش فيها جمانة حيمور أن الوزارة تتلقى عشرات الشكاوى أسبوعياً من قبل عمال صرفوا بلا وجه حق. كما تتلقى طلبات للتشاور من قبل أرباب العمل لتسوية أوضاع مؤسساتهم. الوضع الاقتصادي الذي يعيشه لبنان اليوم انعكس على العمال بشكل كبير ما أدى الى ازدياد نسبة الشكاوى من العمال، تقول حيمور التي تلفت الى أنّ الوزارة تشكّل وسيطاً بين العامل ورب العمل، فتعمد الى القيام بالعديد من الاجراءات والقرارت للحد من حالات الصرف التعسفي.
وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري توضح حيمور أنّه وفي المرحلة الأولى لا تتدخّل الوزارة بين العامل ورب العمل بل تحدد موعداً لمواجهة أحدهما الآخر. واذا لم يتمكن الطرفان من حل مشاكلهما بمفردهما، حينها تتدخّل الوزارة في المرحلة الثانية وتعمل على تقريب وجهات النظر، واعطاء جملة من النصائح لعقد اتفاقات تحافظ على ديمومة العمل للأجراء، كتخفيض ساعات العمل مقابل تقاضي نصف راتب. وهنا تؤكّد حيمور أن الوزارة لا تستطيع فرض رأيها بل تنصح به، وفي حال لم تتمكّن من تأدية دورها في فض النزاع تطلب من الأجير رفع دعوى أمام مجلس العمل التحكيمي خلال المهلة القانونية (شهر من تاريخ الصرف) انطلاقاً من أنّ عقد العمل يشكّل شريعة المتعاقدين.
كما تلفت حيمور الى أنّ هناك الكثير من القرارات التي تتخذها الوزارة للمحافظة قدر الامكان على الاستقرار الاجتماعي، "كما نعمل على طرح خيارات بديلة عن الصرف، عسى ولعلّ نساهم في تخطي الأزمة التي يدفع ثمنها الجميع، والتي أرخت بظلالها على الكثير من القطاعات". وفيما يتعلق بكتب التشاور التي تتلقاها الوزارة من أرباب العمل، تشير حيمور الى "أننا لا نسير تلقائياً مع الشركة لمجرد قولها إنها تتعرّض لتعثر اقتصادي. الوزارة تتخذ اجراءات تفتيش وتطلب تقديم ميزانية عن الثلاث سنوات الماضية. كما تسعى لتطبيق القانون لجهة حفظ حق الأجير في حال ثبت التعثر بأن يكون لديه الأفضلية بالعودة الى المؤسسة عقب نهوضها".
وبالعودة الى المراحل التي تمر بها الشكوى، وكما ذكرنا سابقاً، فإنّ الوزارة وفي حال عجزت عن التوصل الى اتفاق، تطلب من الأجير تقديم دعواه أمام مجلس العمل التحكيمي. حيمور تتحدّث بصفتها أيضاً مفوضة الحكومة في مجلس العمل التحكيمي، فتنفي كل ما قيل ويقال عن "موت" القضايا في المجلس. من وجهة نظرها، فإنّ المجلس يقوم بواجبه على أكمل وجه إلا أن حالات التأخر مردها الى الكم الهائل من الدعاوى والى افادات الاجراء وأرباب العمل التي لا تكون مكتملة ربما، أو الى بعض الملفات والمستندات غير المكتملة ما يؤدي الى استهلاك الوقت لنحو سنتين حتى يتم البت بالقضية.
القاضية مزاحم: الملفات تتكدس أمامنا
كثيرة هي الانتقادات التي يتلقاها مجلس العمل التحكيمي. فالبعض يصفه بـ"مقبرة" القضايا نسبة الى إطالة أمد الحكم، إلا أنّ رئيسة الغرفة الأولى في مجلس العمل التحكيمي بجبل لبنان القاضية ماجدة مزاحم تعتبر في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ البت في الدعاوى أسرع ما يكون في المجلس، ولكن لا يخفى على أحد حجم الدعاوى ونسبتها التي ازدادت بشكل كبير جداً جراء الأزمة الأخيرة. "الملفات تتكدس أمامنا، وبعض الأسباب تساهم في التأخير، خصوصاً أنّ إجراءات المحاكمة تأخذ بعض الوقت حتى يقدم الطرفان كل ما لديهما من مستندات".
وتنفي مزاحم نظرية وقوف القانون مع رب العمل. "نحن في مجلس العمل التحكيمي لدينا اجتهاد يعتبر أن أي أمر يدلي به المستخدم، اذا لم يثبت رب العمل عكسه نأخذ بإفادة الأجير". كما توضح أنّ مجلس العمل التحكيمي يقيم العديد من المصالحات بين الأجراء ورب العمل، "وقد أجريت الاسبوع الماضي 25 مصالحة استطعت من خلالها انتزاع تعويض الصرف واعطاء الحقوق للعمال".
هذا ما يقوله القانون
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية الدكتور محمد دغمان يوضح في حديث لموقعنا أنّ المادة 50 من قانون العمل اللبناني أشارت الى الصرف التعسفي، اذ لا يجوز لصاحب العمل أن يعمل على صرف الأجير دون انذار أو بصورة تعسفية. الانذار يقوم على فلسفة إعطاء الأجير مهلة لتسوية وضعه وتأمين عمل آخر. وبحسب دغمان ينص القانون على أنه وفي حال أقدم صاحب العمل على صرف الأجير تعسفياً ولم يراع مدة الانذار يحق للأجير المطالبة بتعويض صرف تعسفي يتراوح بين شهرين و12 شهراً. نسبة التعويض -بحسب دغمان- استنسابية وتعود الى القاضي الذي يبت بها مقارنة بمدة عمل الأجير.
ويوضح دغمان أنّ مدة الانذار تتعلّق بسنوات الخدمة. فاذا كانت سنوات خدمة العامل ثلاثًا وما دون يجب أن يوجه له الانذار قبل شهر. واذا تراوحت بين ثلاث وست سنوات يجب أن يوجه قبل شهرين، وبين 6 و12 سنة يجب أن يرسل الانذار قبل ثلاثة أشهر. إلا أنّ دغمان يشدّد على ضرورة التمييز بين الصرف التعسفي والاقتصادي، فليس كل فسخ عقد مع الاجير هو صرف تعسفي فقد يكون اقتصادياً، وفي هذه الحالة يجب أن يبرّر رب العمل هذا الأمر عبر تقديم المستندات التي تبيّن تعرض المؤسسة للتعثر الاقتصادي.