خاص العهد
وزير الاقتصاد لـ"العهد": نعيش مرحلة خطيرة جداً ولاعادة التواصل مع سوريا لمصلحة لبنان اقتصاديا
فاطمة سلامة
لم يجد رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري حرجاً في مناشدة مجموعة من الدول مساعدة لبنان لتأمين اعتمادات للاستيراد، كأميركا والسعودية. الوضع الاقتصادي في لبنان بلغ حداً غير مسبوق من التأزم، ما دفع بالحريري الى إعلاء الصوت، بعدما رقدت حكومته أكثر من شهر ونصف في "الكوما". والجدير ذكره أنّ الحريري الذي ناشد على الملأ "أبعد الأبعدين"، هو نفسه من رفض لسنوات الاستفادة من سوريا. طبعاً، ليس المطلوب منه القيام بالخطوة ذاتها حيال سوريا ومناشدتها في مشهد أقرب الى "التسول". وهو الأسلوب الذي انتهجه لبنان على مدى عقود في سياق الاقتصاد الريعي. يكفي في هذا الصدد، تعبيد الطريق أمام وزارئه لزيارة سوريا، وإعادة فتح قنوات الاتصال بين البلدين، بعيداً عن التعنت والمكابرة. فالخطوة المذكورة من شأنها إنعاش الواقع الاقتصادي في لبنان. الأخير يكفيه الاستفادة من معبر البوكمال الحيوي، والذي يُشكل بوابة عبور للبنان الى الدول العربية.
في حديث لموقع "العهد" الإخباري، يؤكّد وزير الاقتصاد في تصريف الأعمال منصور بطيش أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري "لم يتواصل معنا لدى توجيهه رسائل للحصول على دعم من الدول العربية والغربية"، لكنّه في الوقت نفسه لا يعارض أي خطوة اذا كانت لمصلحة لبنان، رغم أنّه يُفضّل الابتعاد عن أسلوب الاستدانة والاعتماد على الخارج. وفق قناعاته، ليس أفضل من تشجيع شعبنا على الانتاج، والقول لهم فلنذهب الى العمل في الزراعة وفي مختلف القطاعات الفاعلة، كتشجيع السياحة وخلق مناخ آمن للبنان حتى ينتج اللبنانيون في بلدهم بعيدا عن سياسة الريع ومد اليد. يكرّر مطالبته العمل ضمن مفهوم الاقتصاد المنتج بعيداً عن الاقتصاد الريعي. بالنسبة اليه، فإنّ الريع والفساد توأمان.
ويُشدّد بطيش على أننا نتطلع الى أفضل العلاقات مع كل الدول ضمن اطار سيادة لبنان والاحترام المتبادل. برأيه، علينا أن لا نكن حقداً لأحد، وعلينا أن نعيد فتح قنوات التواصل مع سوريا ضمن المؤسسات وبقرار يتخذ في مجلس الوزراء لما لهذا الأمر من تداعيات ايجابية على لبنان، مستغرباً رفض البعض لهذه الخطوة رغم أننا لا نناقش ملفات سياسية بل اقتصادية. من وجهة نظر وزير الاقتصاد، يجب أن لا يكون لدينا عقدة من بحث الملفات الاقتصادية ذات الاهتمام المشترك بين سوريا ولبنان. يعطي مثالاً على ذلك " اميركا والصين تبحثان ملفات اقتصادية مشتركة، فما الذي يمنع الجيران والاخوة من خطوة مماثلة؟!.
يستذكر بطيش كيف قامت الدنيا ولم تقعد في مجلس الوزراء لدى طرح قضية اعادة التواصل مع سوريا. يقول "نحن كفريق سياسي كان لدينا وجهة نظرنا لضرورة الاستفادة من المعابر وفتحها والبحث في كيفية تسهيل العبور الى الدول، عبر اعادة التواصل مع سوريا ضمن المؤسسات الدستورية. ويضيف بطيش "لدينا منتجات، كيف سنصدّرها اذا بقينا على رأينا؟!. يجب أن نتعاون مع الدول الأخرى خصوصا سوريا والعراق لتصدير منتجاتنا.
ويضيف بطيش "لسوء الحظ تغيرت ثقافتنا القائمة على العمل والانتاج الى ثقافة قائمة على الاستدانة وطلب المساعدة، وبقينا على هذا الأسلوب طيلة 30 عاماً. الآن نحن نمر بمرحلة صعبة، وقد وصلنا الى نقطة خطيرة لا نستطيع بموجبها استعمال ودائع الناس لنستورد كما كان يحصل سابقا. هذا الأسلوب سقط الى غير رجعة، وعليه يجب تشجيع العمل على الانتاج ليتلاءم مع استهلاكنا، فلا يجوز أن يظل حجم استهلاكنا أكبر بكثير من انتاجنا".
ويشير بطيش الى أننا وصلنا الى مرحلة خطيرة جداً في لبنان، المؤسسات تقفل أبوابها والعمال تُطرد تعسفياً، لا سياحة، لا انتاج، لا تصدير والحركة الاقتصادية مشلولة. نحن مع الحراك بمطالبه الاجتماعية والاقتصادية والحياتية ، هذه مطالبنا وأكدنا عليها مراراً وتكرارًا في مجلس الوزراء، ولكن علينا الانتباه كي لا تتدهور الأمور أكثر. برأيه، يجب أن ننجز حكومة متجانسة ولديها غطاء من كافة الافرقاء في البلد لتنكب فورا على معالجة القضايا النقدية، المالية والاقتصادية، ولانجاز سلة متكاملة من القرارات. من وجهة نظر وزير الاقتصاد لا يزال هناك فرصة للنهوض اذا تحملت الحكومة مسؤولياتها الكثيرة.
ويؤكّد بطيش أنّ وزارة الاقتصاد ورغم أننا في مرحلة تصريف الأعمال، إلا أنها تقوم بواجبها على أكمل وجه، وهي الآن استعادت دورها في هذه الأزمة لناحية تعاطيها مع الملفات الاقتصادية الكبرى التي كان محظورا عليها القيام بها. تلك الأدوار برأيه كانت محصورة برئاسة الحكومة . ويوضح بطيش أن الوزارة وخلال تسعة أشهر أنجزت قانون المنافسة.
وعملت على حماية الاقتصاد الوطني، ووضعت كل ثقلها في خانة حماية المستهلك، اذ لدينا 45 فرقة تتحرك على كافة الاراضي اللبنانية لحماية الأمن الغذائي وغيره من الأمور، وقد أنجزت 65 الف عملية كشف. وفي المقابل عملت الوزارة على حماية لقمة العيش ولم تتهاون بقضية ربطة الخبز. كما يوضح بطيش أن ملف التسعير بالليرة اللبنانية أخذ حيزا كبيرا من اهتمام الوزارة لحماية عملتنا الوطنية.
وفي الختام، يدعو بطيش لانجاز الاستشارات النيابية وتشكيل حكومة في أقرب وقت، فهناك الكثير من الملفات التي تنتظرها، والتي يجب أن تنجز خصوصاً أن الأوضاع دقيقة والأمور صعبة. لذلك، علينا أن نتحمل مسؤوليتنا كأفرقاء سياسيين في جو من التوافق والتضامن وعلى قاعدة "لا غالب ولا مغلوب".