معركة أولي البأس

خاص العهد

إلى أين أوصل إعلاميونا لغة الضاد؟
18/12/2019

إلى أين أوصل إعلاميونا لغة الضاد؟

هبة العنان

لم تسلم اللغة العربية -خاصة خلال الشهرين الماضيين مع كثافة التقارير والتحقيقات التي نُشرت والمتعلقة بالوضع السياسي والاقتصادي -من أخطاء فاضحة ارتكبها صحافيون كتبوا اخبارا ومقالات او أذاعوا نشرات أو مراسلون نقلوا معلومات مباشِرة. غزارة الأخبار والرسائل الإعلامية أوقعت بعض الصحافيين بفخ الاخطاء اللغوية، على الرغم من خبرة بعضهم، حتى باتوا يبحثون عن آليات تنقذهم من قواعد حددتها لغتهم، خوفا من تشويهها.

في اليوم العالمي للغة الضاد، ما هو واقع اللغة العربية في الإعلام اللبناني؟ وإلى أيّ مستوى وصل بها الأداء الإعلامي؟ لماذا يخطئ الصحافيون وتحديدًا المراسلون لغويًا؟ وهل من الممكن نرى مراسلًا أو إعلاميًا يتحدث باللغة الفصيحة دون أيّ خطأ؟

واقع اللغة العربية في وسائل الإعلام مأزوم

مدرّب الأداء واللغة العربية الإعلاميّ بسام براك يتحدث لموقع "العهد" عن واقع اللغة العربية، فيصفه بالـ "مأزوم"، ويقول "هناك خلاف أو سوء تفاهم بين الإعلام واللغة العربية، والأسباب تعود لعوامل عدة، أولا العولمة واللغات الدخيلة ولغات الشبكات العنكبوتية التي تؤثر على اللغة، ثانيا السبْق أي محاولة كل محطة ان تسبق المحطة الاخرى، مرئيا ومسموعا وكتابة والكترونيا، في نقل الخبر وبثه، وهذا ما يوقعها في أخطاء الصرف والنحو".

ويتابع براك أن "العامل الثالث هو غياب المدققين عن المحطات الإعلامية، وكأن لا حاجة ولا وظيفة لهم اليوم في الوسائل الإعلامية"، ويوضح أنه "قبل 20 عاما كان وجود المدقق اللغوي في الوسيلة الإعلامية اساسيًا، اليوم في ظل الضائقة المالية وتصريف الأعمال بشكل مختلف، استُغني عنه بشكل غريب".

ويشير براك إلى ان العامل الرابع تمثل بضعف الخبرة الإعلامية للصحافي، فالإعلاميون (محررين او مذيعين او محاورين) ان لم يكونوا مخضرمين بين حقبة واخرى في الإعلام، سيرتكبون حتما اخطاء لغوية.. كما أن "الصحافيين الجدد اليوم لم يطلب منهم الاعتناء باللغة العربية ولم يخضعوا لدورات تعنى باللغة العربية، ولذلك وضع اللغة العربية يستدعي حالة طارئة لإعادة مقاربة جديدة وتوظيف مختلف لها في وسائل الإعلام".

ويرى براك أنه يمكن للمراسلين الاستغناء عن اللغة الفصحى خلال البث المباشر، وهنا يبرّر رأيه قائلًا: "هناك أزمة كبيرة ولا حل لها اليوم.. الخطأ الذي يصدر من مذيع  في استوديو أو في تقرير مسجل غير مقبول اما الخطأ الذي يصدر عن مراسل في الشارع فممكن ان ننظر فيه، وعليه يجب مراعاة المراسل بمعنى انه اذا اخطأ وكان خطؤه مقبولا بنسبة 10 % من كلامه، فلا مشكلة لان الهواء المباشر يؤثر وهناك اضطراب وضغوط كثيرة يتعرض لها، ولا سيما في هذا الواقع الأمني".

وبحسب براك، المراسل الموجود في الطريق لا يمكن أن يركز على كفاءتين "نقل المعلومة واللغة العربية"، ان لم يكن متمرّسا في النقل المباشر، ويلفت إلى أن ذلك يتطلّب تدريبًا ميدانيًا مسبقًا، خاصة أن بعض المحطات التلفزيونية تطلب من محررين لديها أن يتحولوا إلى مراسلين، ما يعرضهم إلى المزيد من الأخطاء باعتبارها ليست مهنتهم.

ويتحدث براك عن سبل معالجة وتفادي هذه الأخطاء لدى المراسلين، فيشير إلى أن الأمر يتطلب تدريبا مسبقا، وهو ما لا يمكن اجراؤه اليوم أو تنفيذه، وهذا يحتّم على المراسلين القيام بمبادرة ذاتية لمراجعة لغتهم خلال ادلائهم برسائلهم الإعلامية، وذلك كخطوة تقييمية تمكنهم من التقليل من أخطائهم.

كما يوضح أنه "بإمكان المذيعين الموجودين في الاستوديو أن يساعدوا المراسل، عبر اختيار نوع مخصّص من الاسئلة او ان يجروا مداخلات تصويبية لبعض الكلمات، لإنقاذه من موقف قد يحرجه ويوقعه في فخ الأخطاء".

من وجهة نظر براك، "الحل الوحيد للتخفيف من الأخطاء اللغوية هو إجراء دورات ميدانية مسبقة، وما يجري على المحطات اللبنانية دليل على أنها بأمس الحاجة لإخضاع موظفيها واعلامييها ومراسليها إلى التدريب".

المعالجة ليست من مسؤولية المحطة حصرًا، فالمراسل أيضًا يجب أن يجتهد على نفسه. يقول براك في هذا السياق "على كل صحافي أن يؤمن بأن المواظبة على تعلم اللغة العربية يجب ان يشكل هاجسا له، وعلى كل الإعلاميين والإعلاميات تحديدا ان يتجرأوا ويُخضعوا انفسهم إلى دورات تدريبية، لأن الأخطاء التي يقترفونها فادحة وفاضحة".

لا يختلف رأي براك عن رأي المراسلين فيما يتعلق باللغة الأنسب للبث المباشر، فالتجربة والخبربة التي اكتسبوها بعد سنوات عمل طويلة، فضلا عن تغطيتهم أحداثًا سياسية وأمنية متنوعة، جعلتهم يعتقدون بأن اللهجة البيضاء (الخليط بين الفصحى والعامية) هي الأسهل بالنسبة لهم كونها تجنّبهم الوقوع في الأخطاء اللغوية.

لا استبدال للغة الفصحى 

من موقعه كمذيع ومحرّر وصحافي ومراسل على مدى أكثر من عشرين عامًا، يرى الإعلامي في المؤسسة اللبنانية للإرسال (LBCI) يزبك وهبة أنه من الأفضل استخدام اللغة العربية الفصحى في كل ما يمكن ان يحكى إعلاميا، ولا يحبّذ استخدام اللهجة البيضاء، ويوضح في حديث لـ"العهد" أن "الكثير من الزملاء الإعلاميين يلجأون إلى خدعة تسمى "سَكِّن تسلم" اي ان نضع سكونًا على آخر كلمة كبديلٍ للحركة الصحيحة، وهو ما أرفض اتباعه".

يلفت وهبة الى أن إدارة الأخبار في المحطة حيث يعمل لا تفرض على المراسلين التحدث باللغة العربية الفصحى، وتكتفي باتباعها في مقدمات النشرات وفي نصوص التقارير المسجلة، غير أنه يكشف عن أن صحافييي المحطة لم يخضعوا لدورات لغوية منذ 10 سنوات،  ولذلك يقوم بمبادرة فردية لمساعدة الزملاء في هذا الخصوص، باعتبار أن لا مدقق لغوياً في المحطة.
كثرة الأخطاء لدى المراسلين أثناء النقل المباشر، يرجعها وهبة الى أن "اللغة العربية الفصحى في البث المباشر تربك المراسل وتعيق احيانا طريقة ايصاله لرسالته، خصوصا إذا لم يكن متمرّسًا بها"، لذلك يرفض المزايدة على الزملاء، خاصة أنهم يتعرضون لأجواء ضاغطة خلال تغطياتهم للأحداث

اللهجة البيضاء هربًا من الأخطاء

بدورها، تؤكد المراسلة في قناة "أو تي في" نانسي صعب في حديث لـ"العهد" ان إدارة قسم الأخبار تسمح للمراسلين باستخدام اللهجة البيضاء، باعتبارها الاقرب للهجة المحكية عند عموم الناس، وتشير إلى ان "الكثير من الناس يفضلون هذه اللهجة لسهولتها وسلاستها، على الرغم من ان اللغة العربية الفصحى ليست بهذا التعقيد".

وتتحدّث صعب عن مشكلة تواجهها أغلبية المحطات التلفزيونية وقد تكون سببا مباشرًا لكثرة الأخطاء وهي غياب المدقق اللغوي، وتقول "في هذه الحالة يتم الاتكال في هذا السياق على الجهود الذاتية لكل صحافي"، وتضيف "عادة يكون الوضع مضبوطا بالنسبة للأخطاء اللغوية الواردة في التقارير المسجلة، بسبب وجود الوقت الكافي لمراجعة النصوص والمعاجم".

وتوضح صعب لـ"العهد" ان الأخطاء اللغوية المتعلقة بالبث المباشر للمراسلين، وإن كانت باللهجة البيضاء، يتم مراقبتها من قبل مسؤول الفترة الإخبارية ثم مراجعة المراسل ومساءلته، وتعتبر أن اللغة المستخدمة من قبل المحطة يجب ان تراعي انتشار بث هذه الوسيلة، ففي البلدان العربية يفضلون اللغة الفصحى باعتبارها قاسما مشتركا بين العرب وستكون أوضح من اللهجة البيضاء".

المدقق اللغوي والدورات الدائمة يجنبان الوقوع في الاخطاء

من ناحيتها، ترى المراسلة في قناة المنار منى طحيني في حديث لـ"العهد" أن قدرة المراسل على عدم اقتراف اي خطأ لغوي يعود إلى إلمامه باللغة العربية"، وتؤكد أن "فريق الأخبار في القناة يخضع لاختبارات لغوية ودورات مكثفة ضمن فترات متباعدة للمحافظة على مستوى معين من اللغة وتفادي الأخطاء، على الرغم من وجود مدقق لغوي يتابع ما نبثه".

وتشير طحيني إلى ان الخبرة التي يكتسبها المراسل خلال عمله إلى جانب ثقافته، تجنبه الوقوع في الأخطاء، إلى جانب الخدع المتبعة للهروب من تلك الأخطاء عبر "تسكين" آخر الكلمات".
وبالنسبة للهجة البيضاء، توضح طحيني أن لا مشكلة لدى إدارة الأخبار في المنار فيها رغم أنها تفضّل الفصحى، باعتبارها الأكثر شيوعا.

الإعلام

إقرأ المزيد في: خاص العهد