خاص العهد
سوريا: سوق حمص التجاري ينبض مجددًا بالحياة
محمد عيد
عاد قلب حمص ينبض من جديد بعدما أنهت مديرية الآثار في المحافظة المرحلة الثالثة لمشروع تأهيل وترميم أسواق حمص القديمة والأثرية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. يعود السوق الأثري على عهده القديم، جامعًا بين أهالي مدينة حمص بداية، ثم بينها وبين ريفها، وصولا إلى جمع تجار شمال سوريا مع جنوبها وصولا إلى تجار لبنان، الذين عادوا لارتياده مجددا وفي بالهم أن يعيدوا المجد لتجارتهم التي طالما حطت رحالها في هذا السوق الأثري.
عنوان الوحدة الوطنية
يرتبط سوق حمص الأثري ارتباطًا وثيقًا بذاكرة أهل حمص مدينة وريفًا. وهي ذاكرة مفتوحة على التاريخ قريبه وحديثه، على اعتبار أن شكله المعماري يعود للعصر الأيوبي قبل أن يترك العصران المملوكي والعثماني لمساتهما عليه فضلًا عن أنه يرتبط كذلك بالذاكرة الجمعية للأهالي باعتباره تجمعًا عابرًا للمذاهب والطوائف والمناطق وحتى الوطنيات بعدما دأب تجار سوريا ولبنان على زيارته وعقد الصفقات بين أبنيته الأثرية والتاريخية. وحين جاء الإرهاب الأعمى إلى مدينة حمص ركز على استهداف السوق لرمزيته كوحدة جامعة ونجح في ذلك إلى حين تمترس الناس وفقا لخلفياتهم العقائدية خلف متاريس الخوف من الآخر. قبل أن تعيد الحكومة تسلم زمام المبادرة بالتعاون مع الفعاليات الروحية والشعبية ووجهاء القوم ليغدو تحرير السوق إيذانا بتحرير الإنسان الحمصي من الهواجس وإعادة ترميمه على النحو الذي كان عليه قبل الأزمة مؤشرًا على وضع المدينة على سكة إعادة الإعمار فحين تزدهر التجارة تصبح الحياة هي السلعة الأكثر رواجًا.
يؤكد مدير مشروع ترميم الأسواق الأثرية بحمص عبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المهندس بهاء خزام أنه تم إنجاز حوالي80 % من الكتلة العامة لأسواق حمص القديمة وأماكن العبادة المحيطة بها مع مراعاة الحفاظ على قيمتها التاريخية والحضارية المحفورة في ذاكرة سكان المدينة.
وفي تصريح خاص بموقع "العهد" الإخباري، أشار خزام إلى أن المثل الشعبي الحمصي القائل بوجود كل شيء في السوق من البابوش إلى الطربوش ينسحب الآن على السوق التي أعيد ترميمها حديثا: "كثير من الدمار والتخريب لحق بهذا السوق من قبل الإرهابيين الذين كانوا هنا مما أدى إلى شل الحركة التجارية في حمص واليوم بعدما أنجزنا المرحلة الثالثة من الترميم عاد حوالي أربعين بالمئة من التجار لافتتاح محلاتهم وهذا ساهم في عودة الناس المحيطة بهذه الأسواق لبيوتهم وعودة الحياة بشكل كامل لمدينة حمص".
ترميم مع مراعاة الخصوصية التاريخية
السوق ليس مركزًا تجاريًا وأثريًا فحسب. فالمحيط حوله يرتبط به أثريا بشكل كامل سواء أكان ذلك بالنسبة لسوق الناعورة أم بالنسبة للجوامع والكنائس المحيطة والموجودة في حمص القديمة. هذا الإرتباط أعطى للمكان أهمية خاصة بارتياده من قبل جميع الناس على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم وعادت الحياة تقريبًا إلى طبيعتها مع الألفة الكاملة بين الناس.
معاونة مدير آثار حمص الدكتورة ديالا بركات أكدت لموقع العهد الإخباري أنه وبعد إنجاز ثلاث مراحل في السوق أصبح حوالي 681 محلا تجاريا جاهزة للاستثمار من قبل التجار فيما بقيت المرحلة الرابعة التي تشمل حوالي 200 محلا تجاريا: "والأهم أن المشروع الذي يواكب مشروع السوق الحالي هو مشروع إزالة الأنقاض من مدينة حمص وهذا أعطى دافعا كبيرا لعودة الناس وترميم بيوتها وعودة الحياة بشكل كامل".
بركات نوهت إلى أن مشروع الترميم هذا له خصوصية من ناحية الدراسات المعمارية والمواد المشكلة لإعادة الترميم والحجر القديم وطريقة نحته "والمشروع راعى التفاصيل الخاصة بأهميته التاريخية والأثرية وكان تحت إشراف جهات وصائية من مديرية الآثار والمتاحف إضافة إلى محافظة حمص وكنا لجنة متكاملة تتابع الأعمال بشكل كامل لإنجاز هذا الموضوع".
مشروع إعادة التأهيل الذي بدأ منذ خمس سنوات لا يزال مستمرا حتى الآن، فهذه الأسواق متعددة ومختصة مثل سوق الأقمشة وسوق النحاسين والفلاحين والعباءة. وهذا الأمر ساهم بإعادة الحياة لمدينة حمص بحكم موقع السوق في قلب المدينة.
نسبة الدمار التي خلفها الإرهابيون كانت متراوحة ما بين ستين بالمئة إلى ما هو دون ذلك. أغلب الأسقف كانت متهالكة والمحلات كذلك دمرت واجهاتها قبل رفع الأنقاض والبدء بمراحل إعادة التأهيل التي عادت بالبناء إلى ما كان عليه في بداية الخمسينيات، كشكل نصف دائري مع وجود فتحات في السقف حتى تمنح السوق الإضاءة المطلوبة مع إمكانية تغطيتها في الشتاء بسبب الأمطار.