معركة أولي البأس

خاص العهد

استحقاق
11/02/2020

استحقاق "اليوروبوند" يقترب.. ما الخيارات المطروحة لمواجهته؟

فاطمة سلامة

ما الخيارات المطروحة أمام الدولة اللبنانية لمواجهة استحقاق سندات اليوروبوند؟. ربما يكاد يكون هذا السؤال الأكثر ترديداً اليوم في الأوساط السياسية والاقتصادية. وتبرز العديد من وجهات النظر لمقاربة هذا الاستحقاق الآتي وسط ظروف صعبة يمر بها البلد، وهي ظروف يعلمها القاصي قبل الداني. ظروف تلعب فيها أزمة الدولار المتأرجح لعبتها، وتهدّد ما تبقى من أمن اقتصادي وغذائي. ظروف باتت بموجبها أموال المودعين مهدّدة ـ ولا داعيَ للدخول أكثر في تفاصيل هذه القضية المعروفة بكافة جوانبها ـ. ظروف يعاني فيها لبنان من ضائقة اقتصادية ومالية تكاد تكون الأولى من نوعها، ما يفتح المجال واسعاً أمام سؤال أساسي: كيف السبيل لمواجهة الاستحقاق القادم دون تحميل مالية الدولة ما لا طاقة لها عليه؟.
ما هي سندات "اليوروبوند"؟

يستهل الكاتب والباحث الاقتصادي الأستاذ زياد ناصرالدين حديثه بتعريف مصطلح "اليوروبوند"، فيوضح بداية أن سندات "اليوروبوند" هي عبارة عن سندات دين تصدرها الحكومة اللبنانية عبر وزارة المالية؛ وبالتالي فإنّ الحكومة هي من تحدّد سياسة هذه السندات وتملك الوصاية عليها بشكل أساسي. بمعنى أنه لا يحق لأحد إصدار السندات في لبنان الا عبر وزارة المالية التي هي بدورها مسؤولة أيضاً عن سياسة الدفع.

ويشرح ناصر الدين كل ما يُغلّف استحقاق "اليوروند"، موضحاً أننا دخلنا في عام 2020، ولدينا احتياطات في البنك المركزي يقول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إنها بقيمة 30 مليار دولار، طبعاً الرقم أقل، ولكن لنسلّم جدلاً أنه صحيح، فعلينا أن نأخذ بالحسبان أنّ 13 مليار دولار من هذا الاحتياط الالزامي لا يمكننا استخدامها، ما يعني أنّ احتياطاتنا أصبحت 17 مليار دولار. هذا المبلغ يجب أن نقتطع منه 5 مليارات لتأمين الأمن الغذائي لعام 2020، ليبقى لدينا ـ للأسف ـ 12 مليار دولار. وفي حال قرّر لبنان دفع استحقاقات اليوروبوند الموزعة على ثلاثة أشهر والبالغة 4 مليارات و380 مليون دولار مع فوائد الدين، فماذا يبقى من الاحتياطي للبنان؟ يسأل ناصرالدين.

ويوضح المتحدّث أنّ استحقاقات "اليوروبوند" تتوزّع على الشكل الآتي: 1.2 مليار دولار في شهر آذار/ مارس، 700 مليون دولار في نيسان/ ابريل، 600 مليون دولار في شهر حزيران/يونيو. هذه الأرقام طبعاً يُضاف اليها فوائد الدين، اذ من المتوجّب علينا دفع 2.5 مليار دولار كسندات خزينة، ومليار و880 مليون دولار فوائد دين. وعليه، يسأل ناصر الدين أيهما أهم: توفير الأمن الغذائي الاجتماعي وتحسين الوضع النقدي لعام 2020 أو التوجه لدفع سندات الدين؟!. وهنا يوضح الكاتب والباحث الاقتصادي أنّ أمام لبنان حل وحيد يكمن في التفاوض مع الدائنين المفترضين من الخارج لترحيل الدفع وتأجيله. وفق قناعاته، كان باستطاعتنا التفاوض معهم قبل انتهاء المدة. يوم 10 شباط/ فبراير كان اليوم الأخير لإرسال كتاب للتفاوض معهم حول استحقاق آذار/ مارس المقبل. وبالتالي فإن التفاوض مع الخارج لتأجيل سندات آذار قد فات أوانه، ما يضعنا أمام خيار دفع المبلغ البالغ مليار و200 مليون دولار، بالاضافة الى الفوائد. ليبقى لدينا  امكانية التفاوض حول استحقاقي نيسان/ أبريل وحزيران/ يونيو اللاحقين لتأجيلهما، وهذا الأمر يحصل في العديد من البلدان، ولا يؤثر على سمعة لبنان أبداً كما يتذرّع البعض.

ويشدّد ناصر الدين على أنّ ما يؤثّر على سمعة لبنان في الخارج هو الفساد، وعدم الاصلاح، والعجز في الخزينة، والفوائد المرتفعة في الداخل. الأخيرة أرهقت الخزينة اللبنانية وأضعفت الاستثمارات، ما أحدث بطالة مرتفعة. ويؤكّد المتحدّث أنّ سمعة لبنان في الخارج تتحسّن اذا ما قمنا بإصلاحات حقيقية وجرى تعيين مجلس ادراة مؤسسة كهرباء لبنان، وهيئات ناظمة: للاتصالات، والكهرباء، والطيران، والنقل. برأي ناصر الدين، تكمن المفارقة اليوم في أن لبنان يتّجه لدفع 4 مليارات و380 مليون دولار من الاحتياطي الموجود في  مصرف لبنان لأجل صورة لبنان في الخارج، وفي الوقت نفسه يريد أن يستدين خمسة مليارات دولار من الدول التي تُقرض لبنان لتغطية الأمن الغذائي. هذه مفارقة عجيبة ـ وفق ناصر الدين ـ الذي يشير الى صراع حقيقي يعيشه لبنان اليوم بين السياستين النقدية والحكومية. الأولى متمثلة بمصرف لبنان والثانية تتمثّل بالحكومة التي يجب أن تسارع لوضع رؤية اقتصادية من أجل حماية الواقع الاجتماعي الداخلي.

وفيما يتعلّق بتوزيع سندات "اليوروبوند" بين محلية وخارجية، يوضح ناصر الدين أنّه وفيما يتعلّق باستحقاق آذار/مارس، كانت السندات تتوزّع بين 900 مليون دولار للمصارف الداخلية و300 مليون دولار  للمصارف الخارجية والمؤسسات الدولية. أما اليوم فهناك 480 مليون دولار للمصارف الداخلية والباقي للخارج. هذا الأمر يثير الشك ـ برأي ناصر الدين ـ حول شراء الخارج لهذه الكمية من السندات خصوصاً بعد انخفاض  سعرها. من وجهة نظر ناصر الدين، هناك لعبة حصلت واستفاد منها البعض. ويسأل: من الأهم الداخل أم الخارج؟!. لماذا لا ندفع السندات للداخل الأمر الذي يضخ سيولة في البلد ويضمن عدم هروب الأموال الى الخارج؟. لا أتفهّم سياسة "الكابيتال كونترول" التي تسير على الضعفاء فقط، أما أصحاب النفوذ فيحصلون على الأموال التي يحتاجونها.

ويؤكّد ناصر الدين أننا أصبحنا اليوم بأمس الحاجة لتضع الدولة سياسة ورؤية اقتصادية على المستوى النقدي. لا يمكن الاستمرار بسياسة نقدية لا يد للحكومة ولا لوزارة المال فيها. اليوم هناك سؤال كبير يجب أن توجهه وزارة المال لحاكم مصرف لبنان للاستفسار عن كافة موجودات المصرف المركزي بالتفصيل. يجب أن توجه وزارة المال سؤالاً أيضاً  للمصارف لمعرفة موجوداتها ـ هذا الأمر لا يؤثر مطلقا على السرية المصرفية -. كما المطلوب من وزارة المال أن تؤكد كم تمتلك من العملات في الخزينة. بمعنى آخر، علينا  معرفة الواقع النقدي والمالي ومن ثم التوجه نحو الدفع. لا يمكن أن نقدم خطوة الدفع قبل أن نكون على بيّنة من واقعنا  المالي والنقدي. هذه خطوة خطيرة.

ويعيد الكاتب والباحث الاقتصادي التأكيد على ضرورة التفاوض لاستحقاقي نيسان وحزيران فيما يتعلّق بسندات "اليوروبوند" والانطلاق نحو إصلاحات حقيقية خلال 100 يوم،  فالاصلاح ثم الاصلاح هو المدخل الوحيد للانقاذ. بعدها نكتشف ما اذا كانت هذه الحكومة باستطاعتها العمل أم لا. الحكومة اليوم أمام الامتحان الصعب ـ برأي ناصر الدين ـ والثقة الاساسية ستستمدها من خلال عملها، وعبر القيام بجردة لأصولها المالية والنقدية، ومن خلال خطة الانقاذ، التي ستتبعها وتفاوض الدائنين عليها. ويُشدّد ناصر الدين على أنّ كل قرار اقتصادي نقدي لا يأخذ بعين الاعتبار الواقع الاجتماعي الصعب في لبنان هو قرار فاشل بامتياز.

في الختام، يشير ناصر الدين الى أنه لم يعد بالامكان  استقدام أموال الى لبنان وصرفها بغير مكانها الصحيح. اليوم يجب أن تكون هناك مساءلة. ويوضح أن البعض يراهن على صندوق النقد الدولي، والمراهنة على هذا الصندوق هي تكملة لكل السياسات التي بدأت منذ عام 1992 حتى اليوم وهذا الأمر مرفوض بكل تفاصيله، وسيكون لنا معه كلام آخر.

المالية العامةمصرف لبنان

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل